سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مذكرات سياسي في «الشروق»: الاستاذ أحمد بن صالح وأسرار وخفايا تكشف لأول مرة (300): بن صالح يجيب القراء عن تساؤلاتهم: علاقتي بنويرة لم تشبها شائبة طوال المسيرة...
حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي من باب العلاقة بين الرجلين، آثر الاستاذ أحمد بن صالح أن يقف على بعض القصص والاحداث اللافتة التي جمعته بالمرحوم الهادي نويرة... وكان ذلك من خلال رده على تساؤلات وأسئلة قارئ في البداية، ولكن أسئلة أخرى وردت علينا، بمناسبة نشر الحلقات الاخيرة حول علاقة بن صالح بنويرة حيث بين «سي أحمد» أن وصف العلاقة بينه وبين نويرة بأنها جعلت الرجلين على طرفي نقيض هو أمر مجانب للصواب... بين «سي أحمد» آنفا، الخلاف الوحيد الذي حدث بينه وبين نويرة، عندما كان بن صالح في التخطيط والمالية (بداية الستينات) ونويرة محافظا للبنك المركزي، وكشف النقاب عن أن الحقيقة أن لا خلاف بينهما لأن صاحب المذكرات كان متفهما لموقف نويرة بخصوص ملف مسار السياحة في تونس، وقد طمأنه بن صالح بأن قلب معادلة الانفاق، بين العملة الصعبة والدينار التونسي عند انشاء أي نزل... وأضاف صاحب المذكرات: «الهادي نويرة يعرف آرائي وتوجهاتي... ولو كان يعرفها متشنجة ومتعصبة، ما كان يتدخل ذاك التدخل...» ثم واصل الحديث وكأنه يستذكر أمرا ما: «هناك ناحية أخرى يمكن أن ننعتها ب «العائلية» رغم أن ليست لي قرابة بنويرة، ذلك أنني وعندما كنت أدرس بمعهد سوسة الثانوي، مدة ثلاث سنوات، كان الشيخ سالم بن حميدة من أعز أصدقائي حيث كان يدرس الغزالي (أبو حامد) في الزيتونة، وكونا معا جمعية برئاسته، أطلقنا عليها جمعية قدماء التعليم الثانوي»... ذلك أن «سي أحمد» بن صالح الصادقي، لم يكن يريد أن تكون هناك تفرقة بين التعليمين الصادقي والزيتوني، وقد أشار الى ذلك عبر هذه المذكرات في عديد المناسبات... يواصل «سي أحمد» بن صالح قوله: «كان الشيخ بن حميدة فقيها وأستاذا وانسانا عصريا... وكم سهرنا في منزله لنتناقش في «الغزالي» وغير الغزالي من المفكرين والفلاسفة والعلماء... وشاءت الأقدار أن يتزوج الهادي نويرة من احدى بنات الشيخ سالم بن حميدة... ولم تنقطع الصلة بيننا بصفة كاملة... وعندما توفي الشيخ سالم بن حميدة طلبت عائلته أن يؤبن أحمد بن صالح، شيخنا الموقر وكان ذلك في أربعينيته... وأذكر جيدا، أن الذي جاء ليأخذني الى موكب الاربعينية هو الهادي نويرة، حيث امتطيت الى جانبه سيارته...» كان ذلك في الستينات وكان الرجلان في الحكومة... وهنا واصل «سي أحمد» الحديث عن نويرة وموقفه من التعاضد: «كان نويرة حاضرا في مؤتمر بنزرت، وكان كذلك مشاركا في منتدى القطاعات الثلاثة، وما نتج عنه من مداولات ضمها كتاب ضخم...» الهادي نويرة انسان جدي، يعرف معنى التعهدات وليس انسانا ارتجاليا... وهو يعرف ما اكتسبه من نظرة خلدونية لتوازن المجتمع...». قلت ل «سي أحمد» هل تعرف موقف نويرة بعد المحاكمة وخروجك من تونس؟ فقال: «لم أسمع من الذين اشتغلوا معه، وبعد كل ما وقع، كلمة واحدة فيها مشاركة من الهادي نويرة بموقف لا ضدّ السياسة (التعاضد) ولا ضدّ الشخص (بن صالح). بل إن صديقا مشتركا، أسرّ لي عندما رجعت إلى تونس (1988) أنّ نويرة قال له ومنذ بداية الأزمة والمحاكمة كنّا نستطيع أن نعالج الموضوع (موضوع محاكمة بن صالح) بطريقة أخرى..». من جهة أخرى قال لي حامد العابد، رحمه اللّه، وهو أحد تلاميذي، وعمل رئيس ديوان الهادي نويرة،: لا توجد مرة واحدة قال فيها نويرة كلمة ضدّك.. (ضدّ بن صالح) أبدا..». وواصل «سي أحمد» مستذكرا: جاءني صحفي سويسري لاجراء حوار معي عقب نتائج انتخابات سنة 1981. فقال لي الصحفي: أجريت حوارا مع السيد الهادي نويرة في تونس، وقلت له إن السيد أحمد بن صالح (في الخارج) ينتقد المسيرة الاقتصادية بتونس (...) فقال له نويرة: السيد بن صالح مهاجر.. خارج تونس، بمعنى ليس مطّلعا على الوضع.. فسألني الصحفي ما تعليقك على كلام نويرة؟ فقلت له: أنا مهاجر بالخارج.. ولكني ألاحظ لك أن السيد الهادي نويرة مهاجر «بالداخل».. وواصل «سي أحمد»: «نويرة إنسان معتدل.. وعلاقتنا لم تشبها يوما شائبة.. ولم يسجل التاريخ يوما، خطابا أوتصريحا من نويرة ضدّ بن صالح.. والعكس صحيح. وهنا أبدي خلاصة القول أنّ ما وقع (المحاكمة والحملة على بن صالح) ليس موضوعا اقتصاديا ولا هو يهم السياسة الاقتصادية، سواء من قبل الفرنسيين أو من قبل التونسيين».. ويواصل «سي أحمد»: عملنا أنا ونويرة سويّا، في موضوع الدينار وتونسة العملة بعد الاستقلال.. والرصيد من الذهب.. وهناك مراسلات بيني وبين نويرة في المجال.. هناك تفاهم بيني وبين نويرة في عديد القضايا الأساسية.. كان السائق يأتيني برسالة من نويرة وأنا أقرأها في الحال وأعيد إليه الجواب مع السائق الذي بعثه بالرسالة.. وهكذا.. فقد كنت أنا «محافظا» gouverneur بالبنك الدولي والهادي نويرة «محافظا» بصندوق النقد الدولي وكلانا عن الجمهورية التونسية. اضافة الى أننا عملنا بتنسيق كبير في مجال «سياسة القرض» politique du crédit، حيث كانت هناك وظيفة البنك المركزي (نويرة) ووظيفة وزارة المالية (بن صالح). وكنا متفقين، حيث كان ل«سي الهادي» قطاع البنوك وأنا عندي رئاسة القرض..ولم يكن هناك لا نزاع ولا خلاف بيننا.. وهنا أذكرك بما قلته عبر هذه الحلقات ونُشر: أن كيف لجأت في الوقت الجوهري والأساسي الى الهادي نويرة عندما استلمت وزارة التخطيط، وتعطلت أموري في مستوى المالية حيث طلب «سي الهادي» نويرة من بن صالح، أن لا يتخذ أي خطوة قبل أن يقابل بورقيبة، وبذلك جاءه بعد 48 ساعة وقال له: «سي أحمد» سوف تأخذ وزارة المالية الى جانب التخطيط»، كان ذلك في بداية الستينات لما انتقل بن صالح من الصحة الى التخطيط..