شهدت الأراضي الفلسطينية خلال الساعات الأخيرة، أحداث غريبة، بدأت باختطاف اللواء، غازي الجبالي، قائد الشرطة الفلسطينية في غزّة، ثم اطلاق سراحه.. كما تمّ اختطاف فرنسيين.. وقد عكست تلك الأحداث حالة من الفوضى غير المفهومة في ضوء ما تعرفه الأراضي الفلسطينية وخاصة غزة، من عدوان اسرائيلي مستمرّ، وفي ضوء ما تراهن عليه الحكومة الاسرائيلية من اقتتال داخلي فلسطيني. وقد برّر تنظيم «كتائب شهداء جنين» عملية الاختطاف، بالفساد وسوء التصرف المالي والإداري، وهي التهمة الأساسية التي تحارب بها بعض الجهات الدولية، الموالية للإسرائيليين، قيادات السلطة الفلسطينية، وخاصة المرتبطين بالرئيس عرفات، والتي بها يحاصرون أي دعم سياسي للسلطة، ويمنعون وصول أي دعم مادي لها.. وإذا كان الفلسطينيون، بمختلف فصائلهم وتياراتهم السياسية، أدرى وأولى بالتعاطي مع الشأن الفلسطيني، بعيداعن أي وصاية، من أي جهة كانت، فإن اطلاق هذه التهمة تحديدا، بمثل هذا الأسلوب الاستعراضي، الذي أعاد بقوة مسائل التصرّف الاداري والمالي للسلطة الفلسطينية، الى الواجهة، إنّما لا يخدم القضية الفلسطينية إطلاقا، بل يدعو الى التساؤل حول الجدوى من هذه العملية، في توقيت دقيق، يشهد ما يشبه الأزمة بين السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، بسبب تصريحات المبعوث الأممي تيري رود لارسن التي أشار فيها الى مسائل الاصلاح والفساد، والتي ارتبطت في الأوساط الغربية بالرئيس عرفات وبالأجهزة الأمنية، وهي تهم بدأت الأوساط الاسرائيلية بإطلاقها، في سعيها للإساءة الى الرئيس عرفات، والمساس بشرعيته وبهيبته كزعيم تاريخي للشعب الفلسطيني. وقد حاولت تلك الأوساط إعداد القيادي الفلسطيني السابق، محمود عبّاس أبو مازن، ليكون بديلا للرئيس عرفات، والحل السحري، لقضايا «الفساد المالي والسياسي» التي تريدها اسرائيل مبرّرا لتراجعها في كل الاتفاقات المبرمة مع الفلسطينيين، وقد تبيّن بعد ذلك أن اسرائيل مستعدة لإطلاق هذه التهمة ضد كل قيادي فلسطيني، يرفض تنفيذ مخططاتها المعادية للشعب الفلسطيني.. وإذا كانت عملية اختطاف المسؤول العسكري الفلسطيني بصرف النظر عن هويته وعن مدى ضلوعه في ما يقال من فساد سياسي ومالي إذا كانت هذه الظاهرة موجودة فعلا في الأوساط القيادية الفلسطينية غير مناسبة، لأنها تأتي لتصبّ الزيت على نار الاتهامات الاسرائيلية، ولتشق الصفوف الفلسطينية، إلا أنه لا يمكن النظر إليها إلا في اطار ما يعيشه الشعب الفلسطيني، من استفراد اسرائيل به وتسليطها مختلف أنواع العقوبات الجماعية ضده، من قمع وإرهاب وتدمير للبيوت وإغلاق وتضييق على الرزق، ومن تجاهل المجتمع الدولي للجرائم التي ترتكب ضده..إن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، حتى وإن كان غير منطقي في بعض الأحيان، إلا أنه لا ينبغي النظر اليه، إلا باعتباره تعبيرا عمّا يعيشه الوضع الفلسطيني من احتقان بسبب الممارسات الاسرائيلية، وصيحة استغاثة ينبغي الاستجابة لها، عربيا ودوليا.