maitrbensalha@ gmail.com عندما سمعت خبر انطلاق المترو الخفيف بمدينة منوبة وابتهاج الناس به تذكرت مباشرة حفل التوديع الذي أقامه الانقليز منذ عامين لحافلاتهم الحمراء ذات الطابقين لقد جالوا بها شوارع لندن كلها وغمروها بالورود وبالأزهار وببطاقات الحب والاعتراف بالجميل وذلك قبل أن تحال على التقاعد الوجوبي. تذكرت تلك الواقعة واستغربت كيف يتم تعويض الحافلة الصفراء الرابطة بين المدينة والمركب الجامعي بالمترو الخفيف دون أن تقام لها حفلة أو حتى تلقى لأجلها قصيدة رثاء، فهذه الحافلة عانت من الكد والعطب ما لم تعرفه الحافلات الانقليزية، لقد حملت ملايين الطلبة وسارت سنينا بأبواب مفتوحة وشقت الأوحال والمزارع حتى توصلهم الى الجامعة، ثم أبعدت اليوم في صمت ونسي الجميع ما قدمته من خدمات جليلة. مؤلم جدا أن نتعامل مع الأشياء بمثل هذه النفعية فنقصي كل من لم يعد له دور بيننا ونعيش بمنطق «الجديد يا رابح» وهو منطق من الممكن اذا ما تعمق أن يؤدي الى انتحار المتقاعدين .... كما أنني أرى أن لذاكرتنا حقوقا علينا لذلك فلا يجب أن نغير المشاهد والأشكال العمرانية أو نمس بالمسالك القديمة بصورة فجئية أو اعتباطية قد تصدم الناس الذين تعودوا لسنين عليها. لذلك فاني أعجب أحيانا لبعض المشاريع التي تقام على أنقاض بناءات أخرى دون اللجوء الى أهل الخبرة في المجال النفسي حتى يبينوا لنا ان كان تغيير الشكل العمراني في منطقة معينة من شأنه أن يمس من توازن الناس واستقرارهم لذلك فلا تكفي الدراسات الهندسية المتعلقة بمدة الأشغال وبتكلفة الحديد والاسمنت ، بل يجب أيضا أن نعززها ببحوث نفسية واجتماعية تبين ان كان لتلك الأشغال، اذا ما تمت ، أثر على السلوك الفردي والجماعي اذ لا يمكن لأي أحد انكار أن اقامة عمارات شاهقة بمنطقة فلاحية من شأنه أن يغير نمط العيش هناك وطباع الناس، لذلك فاني أستغرب أحيانا من تغيير تصنيف بعض المناطق بشكل سريع وفجئي من مناطق فلاحية أو غابية أو أثرية الى مناطق سكنية دون استشارة أهلها ودون الرجوع الى الخبراء المختصين في تلك المجالات. كما اني لا أجد تفسيرا لهدم بعض البلدان سجونها دون أي اعتبار لملايين الناس الذين قضوا عمرا بها فيمرون أمامها لاسترجاع الذكرى ليجدوا مكانها مأوى للسيارات أو سوقا أو حديقة وكأن سنوات الايقاف الطويلة بدموعها وابتساماتها انتهت بجرة قلم ... لذلك فاني أطالب كل الذين ابتهجوا بقدوم الرتل الخفيف الى مدينة منوبة أن يقيموا حفلا تلقى القصائد فيه والخطب اعترافا بخدمات الحافلة الرابعة و ذلك حتى لا يقال اننا لا نحترم الذاكرة ...