ما كان ليتجاسر كل من هبّ ودبّ على العراق وشعب العراق ومقدّرات العراق من ثروات نفطية لو كان العراق حرّا... وما كان ليجرؤ الاستعمار الجديد والامبريالية العالمية على إقامة «عكاظية» المزاد العلني للنفط العراقي والمذابح والمقصلات لشعبه ولأبنائه من الوطنيين، لو كان على رأس بغداد نظام وطني يكنُس كل أنواع الاحتلال ويضرب على أيدي المتجاسرين على الانسان والتاريخ والثروة في العراق... العراق، وخلال الايام القليلة الماضية عرف أشد فتراته تعاسة وغُبنا، حين سيطرت شركات متعددة الجنسيات على «حقل مجنون» الذي يعدّ أضخم وأكبر وأغنى حقول العراق والعالم... فميزة هذا الحقل أن النفط فيه يطفو على السطح تقريبا ولا يكلّف استخراج الذهب الأسود منه الكثير من الامكانيات... وحقل مجنون هذا، كان ضمن أهداف الامبريالية وآلتها التي تمثّل يدها الطولى ونقصد الشركات متعددة الجنسيات، قبل ان يقع الهجوم الاحتلالي للعراق... لقد كان الجميع على بيّنة بأن منح النظام العراقي الوطني حقوق استغلال «حقل مجنون» الى الروس وربما الى الصينيين، كان يمثّل خطّا أحمر وضعته الامبريالية العالمية وقوى الهيمنة على العالم، والتي كانت والى حدود ذاك التاريخ متمكنة من كل آبار النفط ومقدّرات الخليج، ما عدا العراق ولأسباب أخرى لم يكن نفط ايران يدور في فلكها... لو كان العراق حرّا، لما حوّله الأجوار والاحتلال الى «كعكة» حدّ تقاسمها بين الأطراف المذكورة، كلّ وفق «ما قدّمت يداه من أجل أن يصبح العراق محتلا ومتخلّفا ومتراجعا في التعليم كما في العلم عكس ما كان عليه قبل سنة 2003». قدرُ العراق ونحن نشاهد ما أصابه من دمار وتفكيك لمؤسسات الدولة وضرب لإنسانية الانسان وهيمنة واحتلال لكل أطرافه أن يكون بين فكّي كمّاشة: الجار (من ابن عمّ وشقيق) من جهة والاحتلال والامبريالية من جهة ثانية. يحق للعراقيّ اليوم أن يرثي زمنا كان فيه عزيزا مكرّما، منتصبة قامته له قراره السيّادي الوطني ونفط مؤمّم رغم الداء والأعداء... اليوم ها هو المشهد العراقي يتناثر كحبّات رمل فرّقتها العواصف والمذهبية المقيتة والمزروعة زرعا، مشهد تكسوه مظاهر ما كان يعرفها العراق قبل الاحتلال والتآمر عليه... نفطه مستباح، تماما كما البشر فيه مستباحة حياتهم وممتلكاتهم وسيادتهم... العراق اليوم هو في أسوإ فترات تاريخه الحديث والقديم، إيران تسطو وبلا مقاومة على «حقل الفكّة» النفطي، مدّعية كل الادعاء الذي يبرر انقضاضها على ممتلكات بلد واقع تحت الاحتلال، حتى وإن كان الحقل محلّ نزاع بينها وبين العراق ما كانت النخوة تقتضي أن يقدم الايرانيون على ما أقدموا... وهذه الولاياتالمتحدةالأمريكية تمكّن كل أصناف جيوشها من شركات متعددة الجنسيات الى شركات عسكرية مسلّحة بالحديد والنار، تمكّنها جميعا من العراق العليل الذي تقسّم شعبه بين السجون والمعتقلات وبين اللجوء والموت. لو كان العراق حرّا ما كانت كل هذه السيناريوهات البليدة والخطيرة لتُمرّر كما نشهد الآن... لكن الثابت في كل هذا أن المقاومة وحدها هي القادرة على محو أداة الافتراض «لو»، ليصبح العراق حرّا وسيّدا يقتصّ من ظلامه ويصنع فجره الجديد.