كما كان متوقّعا، بدأت أسرار احتلال العراق تنكشف، الحلقة تلو الأخرى. آخر هذه الأنباء، ما شهدت به صحيفة بريطانية، من أن طوني بلير، الذي دخل سباقا محموما من أجل احتلال العراق، يتقاضى الآن، ما يناهز المليون جنيه استرليني سنويا، كمستشار لدى احدى الشركات النفطية العالمية في العراق، ومن بإمكانه أن يفيد مثل هذه الشركات الاحتكارية، ركيزة الامبريالية العالمية ونسيجها المحبوك حبكا، غير طوني بلير وأمثاله.. فالجميع يتذكّر كم كان رئيس الوزراء البريطاني متكالبا على العراق، ليطيح بنظامه الوطني، وتدخل دبّاباته وجنوده أرض العراق، حتى يسهّلوا طريق الشركات النفطية العالمية. وقد كان «بلير» أيامها، ينكر عن نفسه وعن بوش تلك التهمة، ويدّعي كل منهما أن العراق بحاجة الى الغزو الأجنبي، حتى تحلّ الديمقراطية على ظهر دبّابة الجندي القائم بالاحتلال.. لم تمرّ ستّ سنوات، حتى لفظ العراق، كل هؤلاء الدجّالين، الذين لم يعتدوا على العقل العربي فقط، بل هم اعتدوا على العقل الغربي، حين جرّوا الرأي العام والمؤسسات الدستورية في بلدانهم، نحو الجريمة. جريمة ضدّ الانسانية، باسم عنوان كاذب.. طوني بلير، هو أحد رموز الجريمة ضد العراق، من المفترض أنه وبعد خروجه من السلطة والحكم، يُقاد هو وبوش وكل من سهّل احتلال العراق، أمام المحاكم المختصة. فها أن خطته التي تلت خروجه من الحكم، تفضح نواياه، في العراق: فقد كان الطمع الاستعماري وروح الغطرسة والهيمنة التي تلحّف بها الغرب تجاه نفط العراق المؤمّم ، هي الدوافع الأساسية التي جعلت القوات الأمريكية بإمرة جورج بوش والقوات البريطانية بإمرة طوني بلير، تحتل العراق في واضح النهار.. بدأت أسرار كثيرة، عن احتلال العراق، تخرج للعلن، وها نحن نطالع أخبار وأنباء، من الاعلام البريطاني والصحافة الأمريكية، حول النوازع الاستعمارية التي تقف وراء قرار بوش وبلير غزو العراق.. ليس غريبا ولا صادما، ذاك الخبر الذي طالعتنا به صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، والتي كشفت عبر تقرير لها، أن صندوق «مبادلة» الذي يجري الآن مفاوضات مع شركة نفط أمريكية معروفة (أوكسيدنتال بتروليوم) بشأن المشاركة للفوز بصفقة حقل نفط «الزبير»، هو من يشغّل طوني بلير مستشارا لديه. هكذا اقتضت الأخلاق السياسية في الغرب، أن يستغلّ الحاكم (المنتخب بآليات ديمقراطية) نفوذه ومركزه وسلطته، ليوجّه العسكر أحذية وخوذات ودبابات، الى مكان ما من المعمورة، وفق أهداف استعمارية، من أجل تسهيل الطريق أمام شركات احتكارية.. ما يحزّ في النفس، في كل هذا، أننا كنا على يقين من أن السيناريو سنة 2003، هو كما كشف أمره الآن، ولكن لا أحد يصدّق الضحية حين تستكشف الخطر.. وما يحزّ في النفس أكثر.. هو أن ضحية أخلاق الأوغاد، كان العراق.. عراق مستقل محافظ على ثروته ومطوّر للانسان فيه. اليوم، وبعد استياء المنظمات الحقوقية البريطانية، من هذا الخبر المشار إليه، يحقّ لنا أن نسأل: وما ذنب العراق في كلّ هذا؟ وهل ينفع العراق سلخه بعد أن ذبح من الوريد الى الوريد؟