يمرّ السودان هذه الفترة بمرحلة حاسمة في تاريخه ستحدد ما اذا كان سيحافظ عل وحدة ترابه أم سيواجه الانقسام والتفكيك وهناك عدة مراحل مفصلية ستحدد المسار الذي ستتخذه الأزمة إن كانت ستتجه في طريق الحل أم نحو المزيد من التعقيد... فإلى أين يسير السودان... وما حقيقة ما يتعرض له... وما هو مصير وحدة هذا البلد واستقراره عشية استفتاء تقرير المصير في الجنوب؟ في الحقيقة أن حال السودان لا يختلف كثيرا عن حال بعض دول العالم الثالث والقارة الافريقية على مستوى مشاكله والصعوبات التي تواجهه فهناك مشاكل هي نتاج الاستعمار وسياسة «المناطق المقفلة»التي كان يتبعها الاستعمار الانقليزي في هذا البلد عندما بادر لدى احتلال السودان عام 1922 الى اغلاق المناطق الجنوبية ومنع الشماليين من الدخول اليها ونشر اللغة الانقليزية وجعلها هي الرسمية في الجنوب فضلا عن نشر المسيحية ودعم ومساندة حركات التمرد في الجنوب طوال العقود الماضية بالمال والسلاح... والمتأمل في ما يشهده هذا البلد اليوم من صراع في الجنوب يلاحظ أن ما يجري ليس سوى حلقة من هذا المخطط الاستعماري الرامي الى انفصال جنوب السودان وتطبيق سياسة فرّق تسد الرامية الى تقسيم هذا البلد وضرب وحدته وأمنه واستقراره. ولعل الموقف الذي عبّر عنه المبعوث الامريكي الى السودان سكوت غريشن بإعلانه أنه يتوقّع أن يختار الجنوبيون الانفصال خلال الاستفتاء المرتقب في جانفي 2011 يكشف جانبا من حقيقة الدور الأمريكي والغربي عموما في استهداف السودان والعمل على تفكيكه.. ورغم ان حكومة الخرطوم وقّعت اتفاق سلام شامل وضع حدّا لحرب أهلية استمرت 21 عاما وحقق تقريبا كل مطالب الجنوبيين فإن ذلك لم يفض الى حل هذه الازمة بل ربما زاد في تعقيدها وتصعيدها فهذا الاتفاق الذي تم بعد مفاوضات شاقة لم يقتصر على حلّ مشكلة الجنوب في إطار الدولة الواحدة بل أنشأ هيكلا جديدا للسلطة والتقسيم والثروة وقسّم السودان الى اقليمين شمالي وجنوبي وأعطى الجنوبيين حق تقرير المصير بما يتيح لهم الانفصال... كما أن مفاوضات جنوب السودان وما ترتّب عنها من اتفاقيات وبروتوكولات أفرزت حالة من السيولة العامة التي جعلت الأطراف الأخرى في غرب السودان وشرقه تتطلع للحصول على مثل هذه المكاسب التي حصل عليها الجنوبيون فرأينا اندلاع أزمة دارفور وتحوّلها بشكل غير منطقي متسارع للغاية من المطالبة بأجندة تنموية الى المطالبة بأجندة سياسية تطالب بصلاحيات كونفدرالية لإقليم دارفور تجاه العاصمة... وبالمثل هناك مطالب شبيهة في شرق السودان. ونتيجة المساحة الشاسعة للسودان وصعوبة إحكام الدولة سيطرتها الكاملة على ترابها الوطني فإنها تضطر الى العمل على احتواء هذه الازمات من خلال توافقات سياسية تتم ايضا تحت الضغوط والتدخلات الاقليمية والدولية. لكن وبالرغم من نجاح السودان في تجاوز العديد من العقبات وترميم الكثير من التصدعات فإن الضغوط الغربية والأمريكية بالخصوص ومناورات ومساومات قوى المعارضة أصابت السودان بجراح كبيرة ودفعت به نحو أزمات متصاعدة... ولا يدري السودان الى أين هم سائرون؟ الى الوحدة.. أم الى التجزئة... الى السلام أم الى الحرب؟ في غمرة كل هذه التساؤلات والحيرة الضبابية التي تلفّ الموقف السوداني يقف السودانيون في مواجهة احتمالات شتى.. وبين هذه الاحتمالات يظلّ السودان في حاجة ماسة الى استكمال طريق السلام وإن كان صعب المخاض قبل أن تحدث انتكاسات قد تعيد الى هذا البلد أجواء الحرب الاهلية... وهذا يتطلب بلا شك وحدة داخلية وموقفا دوليا واضحا وغير منحاز الى هذا الطرف او ذاك وموقفا اقليميا داعما لجهود السلام وموقفا عربيا قويا يجعل من هذا البلد فعلا منطقة للتلاقي العربي والافريقي.