في بداية النصف الثاني للتسعينات أعلنت الجامعة التونسية لكرة القدم عن وصول منشور من «الفيفا» تدعو فيه إلى تطبيق الاعتراف وذلك ضمانا لتقدم اللعبة وحقوق ممارسيها والناشطين فيها... وقبل عقد «المجلس فيديرالي» أكد فيه رئيس الجامعة في تلك الفترة الأستاذ رؤوف النجار أن أنديتنا مازالت غير مؤهلة لهذه التجربة غير أن الواجب يفرض عدم تعكير العلاقة مع الاتحاد الدولي وبالتالي الاستجابة لمقترحها وذلك بدخول التجربة بشكل يتماشى وإمكاناتنا واعتماد نظام اللاهواية مع ضرورة امتطاء القطار وهو يسير خاصة أن أنديتنا تسلم المنح والجرايات والحوافز في شكل سرّي (تحت الطاولة) متجاوزة القانون الذي ينص على التطوع.. مضيفا بأنه يجب تقنين هذه العملية وتطويرها حتى بلوغ درجة «الاحتراف» قبل أن يشير في آخر تدخله بأن الواجب يفرض حماية التجربة حتى لا يكون «الاحتراف» انحرافا... وتشاء الظروف إلا أن تحتل بعض الأطراف صدارة الأحداث لتعد المشروع الأولي وتصادق عليه الأندية بعد أكثر من جلسة لتصبح التجربة بعدها واقعا ملموسا وتدخل «اللاهواية» بطولة الرابطة الأولى قبل اقتحامها الرابطة الثانية.. مع التأكيد على ضرورة البحث عن صيغ التمويل الذي يبقى الأساس لإنجاح هذه التجربة خاصة أن الخروج عن دائرة الهواية التي تخضع إلى قانون الجمعيات يتطلب الكثير من التحويرات في القوانين والنصوص كما يستوجب الانصهار في المنظومة الجديدة بعقلية تختلف تماما عن عقلية الهواية... وبمرور السنوات وتلاحق مناشير «الفيفا» الداعية إلى تجنب التبعية لأي سلطة وبالتالي ترسيخ الانتخاب في الحقل الكروي وتمويل الجمعيات نفسها بنفسها وذلك بالاستشهار والبث التلفزي وحقوقه والبرومسبور وأيضا ببيع اللاعبين وبخلق موارد استثمار خاصة وغيرها تعقدت المسألة خاصة بعد اعتبار تجاوزنا للهواية وللاهواية ودخولنا مرحلة «الاحتراف» مقابل ذلك ظل جانب التمويل منقوصا وغير كاف ولا يفي بأبسط الحاجيات وخاصة في أكثر الأندية على الرغم من أن الدولة بمختلف هياكلها لم تتردد في مواصلة دعمها المالي ومضاعفة الميزانيات الخاصة بالجامعة التي تعتبر الهيكل الأعلى لكرة القدم وأيضا الخاصة بمختلف الأندية فضلا عن تحمل مسؤولية منح جرايات المدربين الوطنيين وغيرها... والسؤال الذي يفرض نفسه هو إلى متى والدولة أو السلطة تساهم بالقسط الأوفر في تمويل الجامعة والأندية فضلا عن توفيرها للفضاءات والملاعب وتجهيزاتها وصيانتها والحال أنها وفي ظل «الاحتراف» وحسب قانون الجمعيات وحسب مناشير «الفيفا» من المفروض أن لا تتدخل في هذا الجانب وتكتفي بتمويل أندية الهواة فقط دون غيرها علما أن «الفيفا» نزعت منها ومن غيرها حقّ التدخل في تعيينات حتى الثلث من أعضاء المكتب الجامعي مقابل التأكيد على أن لا سلطة في ذلك إلا لسلطة الأندية؟ ثم هل أن أنديتنا فعلا أصبحت قادرة على إدارة شؤونها بنفسها دون تدخل أي طرف في عملها.. ثم أنها أصبحت سلطة ولها مواردها القارة التي تغنيها عن تدخل السلطة وبالتالي أصبحت «مستقلة» كما ظلت «الفيفا» تؤكد ذلك.. أم أن الأمر مازال خاضعا لتتداخل الأدوار والتبعية؟ وهل أن «الاحتراف» طوّر اللعبة فعلا أم عقدها وجعل اللاعبين وبعض المدربين لوحدهم مستفيدين منها مقابل «توريط» الأطراف الأخرى مثل المسيرين الذين منهم من هددته عقوبة الدخول إلى السجن ومنهم من «أفلست» مؤسساته ومنهم من تمت عقلة ممتلكاته؟ هذا الموضوع مازال فعلا شديد التعقيد في بلادنا خاصة اذا علمنا أن أكثر الأندية تعيش على وقع «اضرابات» لاعبيها «المحترفين» بسبب عدم تسلمهم لمستحقاتهم المالية ولجراياتهم و«تمردهم» حتى على المشاركة في بعض المباريات الرسمية على غرار ما حصل مؤخرا في قوافل قفصة وقبله في مستقبل القصرين وفي أكثر الأندية الأخرى وهذا دون اعتبار ان الجامعة سجلت بدورها عجزا ماديا كبيرا على الرغم من دعم سلطة الاشراف بأكثر من 40٪. جرايات مرتفعة جدا... لماذا؟ قد يتطلب هذا الموضوع المعقد الندوات والموائد المستديرة والمستطيلة وغيرها كما قد يتطلب «المجلدات» لمجرد الغوص في بعض فروعه دون التوغل في ثنايا جوهره غير ان المنطق والواجب يستوجبان مقابل ذلك الاشارة الى بعض جزئياته على غرار غياب البرمجة والدراسات والاستراتيجيات والمخططات وإعادة النظر في قانون الجمعيات ذات الصبغة الرياضية ومن خلالها في منح الانتاج والجرايات الخاصة باللاعبين وأيضا بالمدربين ووضع المقاييس الموضوعية في إطار قانوني وموضوعي وشفاف خاصة ان تمويل الدولة للأندية هو من المال العام ومن المفروض ان تخضع الجرايات على أقل تقدير لقانوننا التونسي حتى لا يحصل اللاعب العادي على جراية تفوق جراية الأستاذ الجامعي والطبيب والمهندس وغيره وربما الوزير نفسه هذا دون التحدث عن جرايات المدربين التي تتجاوز احيانا (30) ألف دينار ومقابل ذلك يبقى المسيّر الذي يمضي على الصك الذي يتحصل عليه اللاعب او المدرب متطوّعا.. دور الأحباء فاعل.. إذا.. «الشروق» سألت فوزي القطاري رئيس قوافل قفصة حول هذا الموضوع فقال: «فعلا تعتبر الجرايات مرتفعة جدا سواء للمدربين او للاعبين ولا تتماشى وميزانيات الجمعيات حيث انها تمثل أكثر من 70٪ ومع ذلك فإنه وبمجرد التأخر عن دفع جراية او جرايتين يحصل المكروه ويكون الاضراب المفاجئ وغيره.. والحال ان المستحقات المتأتية من البروموسبور والاستشهار وحقوق البث التلفزي لا تفي بالحاجة وتعتبر ضئيلة جدّا... وبالتالي فإن اللجوء يبقى دائما الى الصدر الحنون اي السلطة وذلك انطلاقا من رئيس الدولة الذي ظل كعادته دائما يتدخل لدعم الرياضة والشباب والعمل الجمعياتي من اجل مزيد ترسيخ الفرحة في أوساط التونسيين. اعتقد انه لابدّ من مراجعة سلم الجرايات من جهة والتعويل على أبناء الجمعية من الشبان وغيرهم مقابل مواصلة عملية الانتدابات بشكل موضوعي وذلك حسب الحاجيات... كما على الجماهير والأحباء منهم خاصة ان يشاركوا في عملية التمويل وذلك عبر الاشتراكات المكثفة واقتنائهم لتذاكر الدخول الى الملاعب والصبر على النتائج دون احتجاجات ولا ضجيج ولا صخب باعتبار ان العملية «الاحترافية» التي نقتفي من خلالها تجارب وأثر الاوروبيين مازالت قياسا بالزمن في بداياتها وغير منجزة بالشكل الموضوعي». لولا السلطة؟! من جهته يرى الهادي لحوار رئيس أمل حمام سوسة ان وضع ميزانيات انديتنا المنتمية الى نفس المجموعة او الرابطة المحترفة الاولى متباين بشكل كبير جدا.. حيث ان بعض الأندية «الكبرى» او التي لها احجامها ورصيدها الجماهيري الكبير على غرار النجم والترجي والافريقي والصفاقسي تتجاوز (40) مليارا وأكثر بمفردها مقابل ادراك بقية الأندية العشرة الأخرى هذا الرقم والحال انها تمارس نفس النشاط وتقطع نفس المسافات وتتسابق من اجل نفس اللقب وهذا غير منطقي بالمرة من جهة ومن جهة أخرى قد لا تدرك كل انديتنا (14) المنتمية للرابطة الأولى ميزانية فريق واحد في مصر على غرار الأهلي المصري الذي تجاوزت ميزانيته (85) مليارا وله ناديه الذي يتم استغلاله كفضاء تجاري وترفيهي وبالتالي أعتقد أن الواجب يفرض إعادة النظر في عديد الجوانب المتعلقة بالاحتراف في بلادنا وخاصة على مستوى التمويل الذي لا ينكر أي أحد أنه ظل وسيبقى إذا واصلنا على نفس الوتيرة والمنهج متأتيا أساسا من السلطة وبعض رؤساء الأندية المتيمين بحب جمعياتهم وبعض الميسورين الذين يخضع دعمهم للعلاقات الشخصية والذاتية في أكثرها... وبعدها تتساءل عديد الأطراف عن النتائج دون أن تعلم الصعوبات التي يواجهها رؤساء الأندية والتي بسببها يتعرضون للانتقاد وحتى التطاول عليهم بشتى الأشكال...». إعادة النظر في أكثر المقاييس في السياق ذاته لم يتردد محمد الزعبي رئيس مستقبل القصرين في التأكيد أنه ولولا تدخل رئيس الدولة ودعم السلطة لربما توقف النشاط الكروي ككل ولا النشاط الاحترافي فقط في مختلف الأندية طالما أن المقاييس غير واضحة وطالما أن الجماهير تلهث فقط وراء البحث عن النتائج الباهرة وبالتالي فإن «الاحتراف» أو ما يسمى بذلك مازال يمارس في شكل «بعلي» إلى درجة عدم فهم أغلب الأطراف لمنظومته وخاصة في ظل العقلية الحالية التي يعتقد فيها كل طرف أنه يمتلك مفاتيح النجاح والحقيقة كاملة فضلا عن اعتقاد «الفيفا» نفسها أن الدول المنخرطة في اتحادها متساوية في الامكانات والحظوظ وبالتالي لابد لها من ممارسة هذا الاحتراف الذي يتطلب تغيير العقلية وانصهار كل الاطراف في منظومتها بما في ذلك «البرومسبور» الذي مازالت مداخيله ضئيلة جدا... جدا... شأنها شأن حقوق البث التلفزي... دون التحدث عن الاستشهار الذي تفضل فيه المؤسسات «الراعية» ولو بنسبة ضئيلة الاندية الكبرى على الاندية الاخرى... كما يجب إعادة النظر في مقاييس الجرايات الخاصة بالمدربين واللاعبين وفي منح الانتاج أو ما كانت تسمى في فترات سابقة بمنحة العقد غير أنني أعتقد أن تدخل السلفة يبقى ضروريا طالما أن الوضع على حاله»... غياب الثقة... والتأرجح بين الشك واليقين أما اللاعب العربي الماجري (الترجي الرياضي) فقد أشار الى أن جمعيته منظمة وتحترم حقوق اللاعبين وترعاهم وبالتالي فإن الالتزام معها يخضع الى واجبات وحقوق يضمن فيها اللاعب ما اليه ويقوم بما عليه وبالتالي فإن فريقه الترجي الرياضي لا يمكن تشبيهه بأي فريق آخر باعتباره محترف وعلى ثوابت صحيحة وسليمة وذلك على كل المستويات والواجهات غير أنه في المقابل لم يتردد في التأكيد أن بعض زملائه اللاعبين في أندية أخرى يتذمرون كثيرا من عديد الاوضاع مثل تأخر الجرايات وحرمانهم من أبسط حقوقهم بما في ذلك الجرايات التي لا تفي بالحاجة بالمرة وغير ذلك فضلا عن الحرمان من المنح والخصم المفاجئ لسبب أو لآخر من الجرايات لتبقى العلاقة في أكثر الاندية متأرجحة مع اللاعبين بين الشك واليقين وغياب الثقة وحتى انعدامها... وأشار مقابل ذلك الى أنه يحمد الله أنه ينتمي الى جمعية كبيرة في حجم الترجي الرياضي. وباختصار شديد... وباختصار شديد ومثلما أشرنا الى ذلك فإن الموضوع يتطلب مزيد التعمق في مختلف ثناياه وجوانبه وبالتالي لابد من العودة اليه في مناسبة لاحقة خاصة أن أمين مال الجامعة التونسية لكرة القدم موجود حاليا في الخارج في مهمة مهنية... غير أنه في المقابل يمكن التأكيد على أن إعادة النظر في الجرايات وفي النصوص القانونية الخاصة بالاحتراف تبقى ضرورة ملحة شأنها شأن بقية الجوانب الاخرى.