أبواب مغلقة لشهور خلت وأخرى غيرت منذ سنوات طبيعة نشاطها الفني الى آخر اختارت بأن يكون تجاري بحت... هي باختصار حال قاعات السينما بجهة بنزرت خلال السنوات القليلة الماضية. «الشروق» فتحت الملف عبر هذا «التحقيق» وذلك في محاولة لتحديد كبرى الاسباب التي يضعها المهتمون بالفن السابع بشأن هذه الظاهرة إضافة الى رصد للحلول المثلى التي قد تشكل سبيلا للحفاظ على دور السينما في تجديد الحركية الثقافية بالولاية... أثناء تجوالنا بقلب مدينة بنزرت كدنا أن نتيه لمعرفة مواقع وفضاءات عرض الافلام لمحبيها... فبعضها حافظ على ذات التسمية لكن نشاطها أخذ منعرجا آخر... حيث تحولت مقراتها الى مطاعم ومراكز تجارية كبرى... هذا في مقابل احتضان العديد منها للمناسبات السعيدة التي عادة ما تعيش على وقعها العائلات البنزرتية... ولعل من الملاحظات الاخرى التي بقيت راسخة بالبال أن معظم من تحدثوا إلينا ممن كانوا روادا لمثل هذه الفضاءات الثقافية أكدوا أن «رداءة» ما يعرض من أفلام عمق من أمد القطيعة بينهم ودفعهم للعزوف عن متابعة أنشطة القاعات... وعن هذه الظاهرة أوضحت السيدة: «حياة» بكل أسف بأن عوامل عديدة تفسر من وجهة نظرها التوقف المفاجئ لحركية قاعات السينما ببنزرت ومن أبرزها اعتباطية البرمجة للافلام وعدم الاخذ بعين الاعتبار تجدد ذائقة الجمهور المستهدف إن صح الوصف... مضيفة في ذات الاطار بأن قدماها لم تطأ قاعة سينما منذ ثماني سنوات تقريبا من إقامتها بمدينة بنزرت التي تعود الى أكثر من عشرين عاما... أين «السكوب»؟! وغير بعيد عنها شددت الآنسة «صفاء» التي لم تقصد قاعة سينما منذ ثلاث سنوات بأن تدهور نشاط قاعات السينما وضعف ارتيادها خلال الفترة الاخيرة هما نتاج مباشر لما يقع برمجته على مدار كل المواسم من أعمال. وهي عروض حسب المتحدثة تبقى دون أن يراهن أصحاب القاعات على تحقيق «السبق» أو ما يعرف بالسكوب الذي يمنّي الجمهور النفس أن يجده عند عرض الفيلم والذي سيوفر له مساحة ثقافية وترفيهية على حد سواء... إشهار أسباب أخرى فسر بعض من تحدث الينا من أحباء وهواة ارتياد مثل هذه الفضاءات منها تكلفة وظروف بعض العروض إضافة الى نقص المعلقات الاشهارية التي تبقى شبه مفقودة حيث أبرز الشاب «محمد» أن غياب تقاليد الاعلان المسبق حول ما سيعرض عمق بدوره الاشكال مضيفا أنه أضحى يفضل القيام ببعض الفسح مع الاصدقاء خلال العطلة أو الابحار عبر النات بدل ارتياد قاعات السينما التي لا يعلم ما تقدّم... خسارة كبرى!!... في اتصالنا بالمخرج السينمائي «جيلاني السعدي» اعتبر أن مثل هذه الظواهر تشكل خسارة كبرى لاحد مكاسبنا الثقافية مستغربا بالمناسبة دواعي غلق القاعات اعتبارا للحوافز السنوية التي يتلقاها أصحابها لتجديد مختلف أنشطتها... أما عن الحلول فهي من وجهة نظره تتمثل في إقرار منع تغيير الصبغة الثقافية لمثل هذه الفضاءات والعمل على تعزيز الاستثمار في القطاع السينمائي بجهة بنزرت على اعتبار أن الثقافة تبقى مرآة المجتمع وذلك عبر فتح فضاءات للعروض السينمائية والمسرحية... أما الممثل «لطفي التركي» فوصف غلق القاعات بالكارثة الحقيقية والخسارة الكبرى مضيفا أنها تشكل احدى نتائج التطور التكنولوجي الذي غزى كل القطاعات الفنية وذلك بداية باكتشاف الفيديو وصولا الى «CD» و«DVD»... وأن هذا الاشكال نلمسه بجلاء مع انطلاق فعاليات أيام قرطاج السينمائية حيث لا تفتح بعض القاعات أبوابها إلا لاحتضان عروض محدودة على هامش كل دورة... وهي تشكل كذلك مناسبة لتجديد أحباء الفن السابع الصلة مع هذه الاروقة التي تعيش عزلة على مدار السنة... هذا وختم بالقول أن جانبا هاما من الحل يبقى في التوعية الشاملة لكل الاطراف المتدخلة في عملية تسويق الافلام... التصدي للقرصنة السيد «حمزة عبد المؤمن» عن نادي السينما بدار الثقافة غار الملح أكد أن الحد من قرصنة ما يعرف ب «CD» و«DVD» للافلام ومراقبة مسالك توزيعها وتسويقها إضافة الى النهوض بمواضيع الافلام المعروفة ولاسيما التونسية منها تمثل أفضل الحلول للاشكال... وكانت «الشروق» قد حملت مختلف هذه التساؤلات لاصحاب القاعات ببنزرت. وفي هذا الصدد شدّد السيد «هادي الحداد» صاحب قاعة «الماجيستيك» التي توقفت عن العمل منذ عام 2007 بأن ضعف المردودية خلال السنوات الاخيرة وعدم تجديد منحة دعم الخمس أعوام هو ما عجل بغلقها بعد 23 سنة من النشاط الثقافي... مضيفا بأن الحلول المثلى تتمثل في التصدي للقرصنة والتسويق غير القانوني والمبكر جدا للافلام على الاقراص المضغوطة بصورة عامة حتى تتجدد صلة أحباء هذا الفن بقاعات العرض. عقلية الجمهور... أما عن عوامل تقلص ارتيادها خلال الفترة الاخيرة فأكد أنها تعود الى عقلية البعض من الجماهير التي تفضل اقتناء «CD» و«DVD» بدل الذهاب الى فضاءات عرض الافلام التي توفر جودة المشاهدة!...