تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروض السينمائية والجمهور : قاعات تغلق والجمهور يتشتّت
سنة السينما:
نشر في الشعب يوم 25 - 09 - 2010

أن يكون الفلم فلمًا إلاّ بعد أن يعرض. »والسينما هي أيضا فنّ« قالها »أندري مالرو« وهو يعني أنّ السينما هي في الأساس صناعة وتجارة قبل أن تكون تقنية وفنّا. الكلّ يلاحظ تقهقر عدد قاعات السينما في بلادنا والكلّ يتحدّث عن عزوف الجمهور عن العروض الجماعية فماهي الأسباب؟ وماهو واقع قطاع استغلال القاعات السينمائية اقتصاديا واجتماعيّا وثقافيّا؟ ماهي الحلول والآفاق؟ وماهي البرامج التي تصوّرها القطاع حتى تتدخّل الدّولة لترشيد قطاع استغلال القاعات السينمائيّة؟ كلّ هذه الأسئلة مطروحة لكن الرؤيا ضبابيّة لغياب دراسات علميّة للقطاع السينمائي ببلادنا.
فلنحاول طرح ملف قاعات السينما اعتمادًا على ما توفّر لنا من معطيات. لقاعات السينما التونسية تاريخ أوّل بلد صوّرت فيه أفلام سينمائية بعد فرنسا هي تونس. فقد يؤرخ لميلاد السينما في العالم بالعرض الأوّل الذي تمّ يوم 28 ديسمبر 1898. وتدلّ الوثائق أنّ في شهر مارس وبالتحديد يوم 24 أرسل الاخوة »لوميار« مخترعي السينما (وكان المعتقد أنّهما قدما إلى تونس وهذا خطأ بعد التدقيق في أرشيفهما بمؤسسة الاخوة »لومبير بليون«) أرسلا مصوّرا يدعى (Promio) للقيام بالتقاط أفلام في تونس وقد ذكرناها في الفصل الأوّل من هذا الملف، ويطلق اسم فيلم في تلك الفترة على مشاهد لا تتعدّى مدّة عرضها دقيقة واحدة لأنّها تمثّل بَكَرة من الترابط الخام طولها 30 مترًا. وفعلا قد تمّ تصوير 11 فيلما في تونس وحمام الأنف وباردو وسوسة. ومن المعروف أنّ آلة التصوير الخشبيّة من اختراع الاخوة »لومبار« كانت تصلح في النهار للتصوير وفي الليل للعرض وكانت الأفلام تحمض وتطبع في نفس اليوم وفي اليوم الموالي تعرض الأفلام أمام الجمهور وقد عرضت فعلا الأفلام الأولى وشدّت الجمهور. ومنذ ذلك الحين حتّى 1905 كانت العروض السينمائية شأنها شأن النشاطات التي تمارس على هامش المعارض التجاريّة السنويّة تعرض في خِيَامٍ أمام جمهور غير محدّد المعالم. ولما تدخّلت الولايات المتحدة منذ عام 1905 فصلت آلة التصوير (الكاميرا) وآلة العرض من معايير مختلفة 35 مم للقاعات الكبرى التي يفوت عدد مقاعدها 1000 مقعد و16 مم للقاعات الصغرى و13 و5.9 مم ثمّ 8 مم للمنازل والهواة، ثمّ آلة عرض معقدة وباهضة الثمن خاصة بالعروض في القاعات الكبرى. هكذا ولد اختصاصي: الانتاج والعروض، وبينهما التوزيع ولكلّ مهنة خصائصها. وقد كانت في تونس قاعان للعروض السينمائية (كما أتى في جريدة Le (Petit Matin) عام 1937 قاعة في مدخل نهج القصبة تحت رواق على اليمين وقاعة (Omnia Pathé) »أومينا باتي« التي تمّ بناءها عام 1907 وفتحت أبوابها للجمهور عام 1908 في حيّ يعجّ بالخمارات ومقاهي خاصّة بالحفلات الغنائية وغير بعيد عن السوق المركزية في ناصية بين نهج »حانون« ونهج »أميلكار« وهي الآن مغازة لبيع اللعب. (سنرى أن جلّ القاعات تتحوّل شيئا فشيئا إلى مغازات). ولم تترك الحرب العالميّة الأولى مجالا للمستثمرين للدخول في ميدان العروض السينمائية وتشييد القاعات الاّ قاعة »البالمريوم« في نسختها الأولى التي كانت تعرض أفلاما كتكملة لحفلاتها الراقصة والغنائية على طريقة »كازينوهات باريس«. وبعيد نهاية الحرب عام 1919 فتحت أكبر شركات العالم في ميدان الإنتاج والتوزيع وهي شركة »أومنيا باتي« التي كانت تستحوذ على تسويق الحاكي وامتلاك محطّات الإذاعات، وفتحت مكتبها في تونس وكرّست ما يسمّى »انقلاب باتي« التي أوقفت عملية بيع نسخ الأفلام لكي تقوم بالتأجير وهنا بدأت مهنة أخرى اسمها التوزيع وهكذا تخصّصت الشركة التي كانت تنشر مجلة خاصّة بها وكان ممثّلها في تونس قد نشر كتابا خطيرًا عنوانه: »السينما المستعمرة«((Le cinéma Colonisuteur ألفه ممثل الشركة (Gérard Madieu) »جيرار ماديو« وذلك عام 1916 يقدّم فيه طريقة استعمال السينما في تعزيز الاستعمار خاتما بملاحظة خطيرة »لقد احتلّينا الأرض، فلنحتل العقول«. وحتّى يتمّ توزيع الأفلام شجعت »أومنيا باتي« على بعث القاعات... وقد ورد في وثائق الشركة أنّها باعت عام 1920، 65 آلة عرض سينمائية وأنّها ساعدت على بعث العديد من القاعات وهكذا قفز عدد القاعات عام 1919 و1920 إلى 11 قاعة وفي عام 1921 ستشهد البلاد قفزة كميّة هائلة في عدد القاعات حيث كانت العاصمة وحدها تعدّ 17 قاعة عرض سينمائي منها 15 قاعة في الهواء الطلق. وكانت الصحف في ذلك الزمان تنادي بتخفيض عدد القاعات لأنّها كانت تفوت حاجة ال 213000 أوروبي الذين يؤمون تلك القاعات. وقد شهد موسم 1937 1938 قفزة كمية هائلة إذ أنّ جلّ القاعات التي كانت تعمل عشيّة الاستقلال هي نفسها التي شيّدت في أواخر الثلاثينات وهكذا كانت القاعات كما يلي: تونس العاصمة 21، (16486 مقعدا)، باردو قاعدة واحدة ( 450 مقعدا)، »فرّي فيل« (منزل بورقيبة الآن)، 4 قاعات ( 1900مقعدا)، بنزرت، 3 قاعات ( 1500مقعدا)، صفاقس 4 قاعات ( 2500 مقعدا)، ڤابس 2 قاعتين (900 مقعدا)، باجة قاعتان (2) ( 800 مقعدا)، حمام الأنف 3 قاعات ) 1250مقعدا)، سوق الاربعاء (جندوبة) قاعاتان ( 1250 مقعدا)، ماطر قاعتان (350 مقعدا). جهات أخرى 23 قاعة منها 14 عيار(16 مقعدا). وهكذا يكون مجمل القاعات 71 قاعة منها 16 عيار 16مم، بها (32000 مقعدا). غير أنّ الحرب العالمية الثانية التي كانت بلادنا أحد أهمّ مسارحها في القتال بين الحلفاء والمحور حدّت من تطوّر القاعات فجلّ القاعات تضرّرت من الحرب ولم تفتح أبوابها إلاّ سنتين بعد انتهاء حرب (45/39) فقد دمرت قاعات بنزرت تحت القنابل وقد دكّت قاعتي »البارلماريوم« (Palmarium) و»الأوديون« (Odeon) وتحوّلت قاعات »أبولو«، »الكابتول«، و»ايكران«، و»الامبريال«، و»باريس« و»ستار«، و»ستوديو 38« إلى مخازن مؤونة للجيش. وفي سوسة سحبت كراسي قاعات »الكازينو«، و»فوكس«، و»ركس«، ودمرت قاعة »الكوليزي«، وفي صفاقس اندثرت قاعة »المونديال« وأغلقت قاعتي »الكوليزي« و»الأمبير«، وفي ڤابس أغلقت قاعتين من ثلاثة. وبعيد انتهاء الحرب كانت جلّ القاعات مغلقة اذ أنّ جزءًا منها دمّر والجزء الثاني افتكّ من أصحابها اليهود تحت حكومة فيشي (Vichy). وقد زاد في العزوف عن قاعات السينما الجوّ غير الآمن اثر تفاقم عمليّات المقاومة المسلحة وهكذا سنرى عدد المشاهدين كما يلي: - 1949 / 000.4686 مشاهد / 324 مليون فرنك مداخيل. 1950 / 000.4298 مشاهد / 407 مليون فرنك مداخيل. 1951 / 000.4190 مشاهد / 483 مليون فرنك مداخيل. 1952 / 000.3380 مشاهد / 480 مليون فرنك مداخيل. 1953 / 000.3378 مشاهد / 000.619 فرنك مداخيل. ومن هنا نلاحظ أنّ تفاقم الحركة الوطنية حدّ من عدد المشاهدين والمداخيل. وتطوّر عدد القاعات كما يلي: 1937، 19 قاعة و47 عام 1938 (000.20 مقعدًا) و58 قاعة عام 1948 (منها 18 بتونس العاصمة)، منها 5 قاعات ذات 1200 إلى 2000 مقعدا) و60 قاعة عام 1949 (000.500.8 تذكرة سنويا) مقابل 230 قاعة بالجزائر و100 قاعة بالمغرب الأقصى. وفي عشيّة الاستقلال أي عام 1956 كانت تونس تعدّ 71 قاعة تحتوي على 44800) مقعدا) دون احتساب القاعات في الهواء الطلق الصيفية (12000 مقعدا) وذلك عندما كان عدد السكان 5،3 مليون نسمة. وقد كانت مداخيل السينما في الخمسينات تفوت جلّ المداخيل الأخرى في ميدان عالم الفرجة حيث بلغت نسبتها 80٪ من مداخيل جلّ الحفلات، ففي عام 1954 عرض 484 فيلما طويلا مقابل 532 عام 1950 وبلغ عدد المشاهدين 000).686.4 مشاهدا). والسؤال ماذا فعلنا بهذا الارث في البنية التحتية للقاعات؟ اذا أضفنا لل 71 قاعة المصنفة عدد قاعات 16 هي القاعات المختصة لدى الجمعيات (قصر الجمعيات) (دار الثقافة ابن خلدون) وقاعة الاطارات (دار الثقافة ابن رشيق) وغيرها من قاعات الاحياء الصغيرة فان عدد القاعات عام 1957 كان 112 قاعة ل 5،3 مليون اي بمعدل 32 قاعة لكل مليون ساكن مقابل 8،1 قاعة لكل مليون ساكن اليوم. وقد بعثت الشركة الوطنية »الساتباك« (الشركة التونسية للانتاج والتنمية السينمائية) ومن مهامها الى جانب تطوير الانتاج السينمائي أنّها كانت تقوم بالتوزيع واستغلال القاعات. وقد قررت الدولة عام 1960 ترشيد قاعات العروض السينمائية وذلك بالاشتراك بين »الساتبيك« والبلديات فقد رصدت أموالا طائلة لذلك المشروع وقد رصدت أكثر من مائة ألف دينار (وهو مبلغ هائل في ذلك الزمان) لتجديد قاعة »البالماريوم« ذات 3000 مقعد وبعث قاعات بكل من المنستير وباجة وجندوبة وطبرقة وتجديد قاعة المسرح و »آ ب ت« و»فوكس« بمدينة سوسة. وتجديد »المنديال« و»الكليبير« و»الغلوب« و»الماريفو« و»الاكران« و«ستار« و»شان زليزي« بتونس وبعث قاعتين لأفلام الفن والتجربة: »الغلوب« و»الفن السابع« اللتين كونتا جيل السينمائيين وهكذا تدخلت الشركة الوطنية في 35 قاعة بعثا وترشيدا وتجديدا وكان نشاط السينما حثيثا غير انه وبعد اغلاق الشركة الوطنية دخل قطاع السينما في ازمة كرسها ظهور التلفزيون والفيديو والانترنات وخاصة التطورات الاجتماعية والحضرية وها هو اليوم عدد القاعات يصبح 18 قاعة أو 16 قاعة حسب وزارة الثقافة دون ان نعرف عدد المقاعد ولا عدد المشاهدين ولا المداخيل. فقد اغلقت جلّ القاعات وتحولت الى مغازات »الكليبير« (مونوبري) الكابتول (Zaro) ولا نعرف لحد اليوم من وافق على تحويلها الى متجر والقانون واضح اذ لا تحول قاعات السينما الى مؤسسات غير ثقافية كما ان التلاعب بالمفهوم أدّى الى تخصيص الشركة التي حولت قاعة السينما »البالماريوم« الى مركب تجاري تاركة قاعة غير قابلة للتجهيز مساحتها لا تتسع لمائة مشاهد في الطابق العلوي وهي مغلقة لحد اليوم شأنها شأن أجمل قاعة عروض فنية »رواق يحيى« الذي استبدل بفضاء لا يتسع لأكثر من 30 لوحة وكذلك »ستوديو 38 « وقاعتي »الغلوب« و»الفن السابع« التي استبدلت بقاعة صغيرة مقابل ثلاث محلات لبيع الجعة ومرقص ونزل وكذلك قاعة »الافريكا« (Africa) التي قزمت وحولت وجهة عرضها واصبحت الشاشة بين أبواب الدخول؟ أسباب تدهور القاعات والمعوقات لترشيدها يرجع حسب المعطيات التي بين أيدينا والمتابعة على مدى 40 سنة من موقعنا في الادارة (السابتيك) وفي الجمعيات (نوادي السينما) والصحافة وكمتفرج ملتزم الى عدة اسباب هي: اجتماعية حضرية (تخطيط المدن) اقتصادية تقنية سياسية وكل هذه الأسباب تتداخل وتتكامل لتجهز على قطاع السينما. الاسباب الاجتماعية: وهي اسباب مرتبطة بتاريخ الجمهور والتطور الحضري. والسؤال: ما هي تركيبة الجمهور في كل مرحلة من مراحل تاريخ السينما بالبلاد؟ تبقى السينما مرتبطة بعالم الترفيه الحضري، فالسينما خلقت للمدينة وخاصة العواصم الكبرى، عواصم الدول وعواصم الجهات وبالتحديد نشاط في وسط المدينة بين المقاهي والمغازات والمسارح فالسينما »حضرية بالطبع«. وقد قمنا في نطاق عمل جامعي بدراسة تاريخ الجمهور وعلاقته بالتطور العمراني للمدن وخاصة تطور التعداد البشري اي عدد السكان وهذه بعض الملامح، فدراسة وقع السينما على الجمهور ودرجة انتشارها تمر عبر تحديد تركيزها وتكوين الجمهور، ونسب الارتياد وتصنيف القاعات والافلام مرتبطة كلها بالتحولات الحضرية. وعندما قال الرئيس الاول للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة ان الشعب التونسي هو غداة الاستقال »غبار من البشر« لم يكن مخطئا تماما، فمنذ سقوط قرطاج وتأسيس القيروان كعاصمة وبعدها تونس لم تكن المدن الاخرى الا تجمعات سكنية بسيطة في صلب مدن ضيقة تحميها اسوار والباقي في الريف كفلاحين، وجل السكان يعيشون من المرعى خاصة بعد الهلاليين، ولا نستطيع دراسة الفعل الحضري الا بداية من مستهل القرن العشرين عام 1881 سنة انتصاب الحماية حيث كانت المملكة التونسية تعد 5،1 مليون نسمة وفي عام 1911 تطور عدد السكان بنسبة 7٪ اي ان التعداد بلغ 74،1 مليون نسمة و 9،1 مليون عام 1921 ليبلغ 16،2 مليون سنة 1931 ليصبح سنة الاستقلال 1956، 5،4 مليون نسمة. ومن بين السكان بلغ عدد السكان من اصل أوروبي عام 1884 (000.1 ساكن) جلهم من اصل ايطالي وعام 1901 بلغ عددهم (000.110) منهم 000.71 ايطالي و 400.24 فرنسي و 000.12 انڤليزي مالطي وفي عام 1936 بلغ 21300 ساكن فرنسي وهي السنة الاولى التي يتعدى فيها عدد السكان الفرنسيين عدد سكان الجنسيات الاوروبية الاخرى ومن بينهم 000.56 فرنسي مولود في تونس. ويقطن 83٪ من الاوروبيين المدن وكانت العاصمة تعد 61٪ من سكان البلاد من اصل أوروبي أي 000.146 أوروبي. وهذا العدد هو في الاساس جمهور السينما حيث كانت القاعات متمركزة في الشوارع الكبرى من المدينة الاوروبية والقليل من سكان البلاد يؤمون القاعات المظلمة من طلبة الصادقية (لا طلبة الزيتونة) وبعض الموظفين العرب في الادارة الفرنسية. وقد ادى تطور العاصمة العمراني وعلى غرارها المدن الكبرى بنزرت، سوسة، صفاقس الى انفصام حضري فالاحياء الجديدة كان يسكنها الاوربيون واليهود
الذين كانوا نشيطين في القطاع الثالث (تجارة، ادارة، خدمات...) وهكذا شيدت احياء جديدة خارج المدينة العتيقة على شاكلة مدن أوروبا مثل مارسيليا ونيس بمساكنها الفاخرة وعمارتها تتوسطها المسارح والمقاهي، والخمارات والمطاعم، والمغازات الكبرى والى جانب ذلك أدت المجاعات 1932) (1936 وحرب (1939 (1945 الى اجبار سكان الريف على الهجرة نحو المدن لتشييد احياء شعبية واحياء قصديريّة لتتحول العاصمة التي كانت توصف »بالجوهرة« الى مدينة فوضوية السكان والاحياء وكذلك بالنسبة لمدن صفاقس وسوسة وبنزرت حيث تطور عدد سكان صفاقس بنسبة 50٪ وبنزرت 59٪، وتطور عدد السكان بين 1936 1956 بنسبة 92٪ عندما كان تطور عدد السكان في البلاد بنسبة 48٪ وفي نفس الفترة ارتفع عدد سكان »فري فيل« (منزل بورقيبة) بنسبة 363٪ وهكذا تطور عدد قاعات السينما كما أوردنا وتطور كذلك الجمهور. المقالات التي تصف القاعات كانت تصف عروض السينما كاحتفالات منظمة والجمهور الذي كان جله من الاوروبيين الذين كان فيه الرجال يصطحبون النساء والابناء بعد أو قبل الذهاب الى المطاعم التي تعج بها العاصمة. غير ان بروز الفيلم المصري الناطق بالعربية والمعتمد اساسا على الاغنية التي كان يبثها المذياع بالمقاهي حولت تركيبة الجمهور كما تقول احدى الصحف، كان جمهور المسلمين يركض نحو القاعات لمشاهدة محمد عبد الوهاب »لحما ودما« في مجلة »سيد فريك 1939« ان من المعتاد مشاهدة جمهور من سكان البلد العرب مصطحبين نساءهم لمشاهدة افلام مطابقة لعادات وتقاليد الاسلام والعروبة (وهو لم يتفطن ان جل تلك الافلام هي اعادة تصوير افلام أمريكية ناطقة بالعربية). وفي عام 1938 حوّل اليهودي »موريس سيتروك« (Maurice Sitruck) قاعة »المونديال« الى قاعة خاصة بالافلام العربية حيث كان المارة يشاهدون بعض العرب ينامون أمام القاعة ويحضرون الشاي في انتظار اقتناء تذكرة لفيلم »رابعة« أو »عنتر وعبلة« التي كانت تطول مدة عرضهما أكثر من سنة. هكذا كانت علاقة الجمهور بالسينما وعندما استقلت البلاد تغير المشهد السينمائي فالموزعون غادروا البلاد. وترك اصحاب القاعات مؤسساتهم لمتصرفين عرب وتدخلت الدولة عن طريق الشركة الوطنية لأحياء بعض القاعات التي كانت مغلقة جراء حرب التحرير وبدأ منذ عام 1980 العد العكسي ليتقهقر عدد القاعات ليصبح اليوم 16 أو 18 أو 20 لا نعلم بالتحديد وذلك لعاملين: افلاس الشركة الوطنية »SATIPEC«الذي مرّ بمرحلتين، أولها سحب احتكار التوزيع من الشركة الوطنية الذي أتى بقرار سريع وتحت ضغط السفارة الامريكية وثانيهما افلاس الشركة الوطنية نفسها. تجميع جل القاعات في يد مشغل واحد وعزوف المستغلين عن ممارسة التصرف في القاعات وذلك من جراء الضرائب المسلطة على العروض السينمائية التي تبلغ 40٪، هذا الى جانب ضريبة عرض الفيلم على لجنة الرقابة. فماهي أسباب تقهقر الجمهور وغلق القاعات؟ الأسباب الاجتماعية: التطوّرات الإجتماعية التي مرّت بها البلاد حوّلت سكان المدن في غالبيتهم الى طبقة شعبية عاملة أو عاطلة عن العمل تقطن أحياء بعيدة عن وسط العاصمة كما انّ ثمن تذاكر العروض ارتفع بنسبة لا تتماشى مع المواطن كما أنّ انعدام الحياة الليلية حوّلت الشوارع الكبرى وسط العاصمة بعد التاسعة الى نوع من المدينة تحت حضر التجول، كما قال المخرج »مرزاق علواش« وهذا الامر يسحب على كل العواصم العربيّة زد على ذلك تدهور وسائل النقل حين عطّل »الترامواي« بداية الستينات والحافلات لا تعمل بعد الساعة العاشرة فالاسرة التي تقطن على بعد 8 كيلومترات عن وسط العاصمة غير قادرة على حضور حفل سينمائي تبلغ فيه التذكرة 3 دينارات في أواسط التسعينات وترجع سالمة الى البيت بعد منتصف الليل. وقد سبّب عزوف جمهور العائلات الى تحويل القاعات إلى ملجإ للمراهقين العاطلين عن العمل أو العاملين في الورشات الذين يمجّون الرجوع إلى بيت أهاليهم الضيقة ليتحوّل جلهم الى الحانات وبعدها الى قاعات السينما التي صارت فيها العروض مجرّد ضوضاء ونطق بالكلمات البذيئة، وهي كذلك ظاهرة شاهدناها في جلّ العواصم العربية. فلم تبق من القاعات الصالحة للعروض العائلية الا قاعتين أو ثلاثة... وحتى عندما دبت الحركة من جديد في شارع الحبيب بورقيبة بقيت القاعات على حالها وكثير منها الغت العروض الليلية. الأسباب الحضريّة يقول المهندس المعماري المصري الشهير »حسن فتحي« »أنّ التطوّر الحضري للمدن والعواصم العربية جعل منها مدنا ملوية العنف« نعم! تطوّرت المدن وخاصة العواصم منذ أواسط الستينات على نسق فوضى لن يستطيع تنظيمها مائة »هوسمان« (الذي نظم معمار باريس في أواسط القرن التاسع عشر) وهكذا برزت أحياء كالفقاقيع منها شبه بورجوازية بالعمارات الشاهقة وأخرى شعبيّة. غير أنّ المسؤولين عن تخطيط المدن لم يفكرّوا في الحياة الاجتماعية فقد تجد أحياء كاملة عدد سكانها يفوق عدد سكان مدينة متوسطة بها المسجد والدكاكين والورشات والمهام، ولا مساحة خضراء ولا قاعات ولا دور ثقافة ولك أن تتجوّل خاصة في الصيف بتلك الاحياء وتشاهد العجب العجاب (خذ مثلا كل المنازه والمنارات دار شباب وثقافة واحدة هدية من الصين). الاسباب الاقتصادية كان توزيع الافلام في البلاد يرتكز على عمادين الموزعون المحليون ووكالات تمثيل الشركات الكبرى: الوكلاء. وقد كان التوزيع يعتمد على طريقتين: التوزيع بالنسبة: وذلك للافلام ذات العرض الاوّل. فالموزع يقتطع من صاحب القاعة نسبة 50٪ على الاقل بعد الضرائب (40٪) يأخذ منها نسبة والنسبة الاخرى يرسلها للموزع الامريكي أو الفرنسي. التوزيع بالبيع المؤقت: وهو دفع مبلغ من طرف الموزع لعرض الفيلم لمدّة تتراوح بين 3 و5 سنوات، واليوم أصبح الموزع عاجز على ممارسة الطريقتين وذلك بسبب عزوف الجمهور وارتفاع التكاليف وغلاء المعيشة ونسبة الضرائب، وقد أتى في أحد الصحف أنّه لم يوزع عام 2009 الا 20 فيلما جديدا. الاسباب التقنية الكل يعلم أن السينما شهدت تقهقرا على المستوى العالمي وذلك إثر التطور التكنولوجي التي عاشته السينما نفسها أو تطور التقنيات المنافسة. بدأت أزمة السينما منذ بداية التلفزيون غير أن التلفزيون لم يكن نقمة على السينما فأصبح رحمة اذ أنّ اليوم (باستثناء الولايات المتحدة) كل الافلام تنتج بالاشتراك بين شركات الانتاج السينمائية والقنوات التلفزيونية وبتطوّر التلفزيون شهد جمهور القاعات بالمقابل انخفاظا كبيرا، غير أنّ الافلام تعرض على الشاشة الصغيرة وهو مورد جديد للفيلم. وببروز الفيديو تقهقر عدد المشاهدين غير أن السينما انتاجا استغلت ذلك الجهاز لتوزيع الافلام عن طريق الشرائط وبعدها عن طريق أقراص (DVD) . ومع بروز الانترنات لم تؤثر الشبكة على توزيع الافلام غير أنّ التطور الحديث الذي ستقدّمه في مشاريع الحلول أي ما يسمى »الستريمنغ« (streaming) بدأ ينافس القاعات. تطوّر آلات العرض من التي كانت تسمى آلات العرض عن طريق »قوس الضوء« التي تعمل بعصيّ من الكربون توقف تصنيعها وبقيت بعض القاعات في بلادنا غير قادرة على اقتناء الات عرض تعمل بالكربون وصمد بعض منها اذ وجد أحد الموردين رصيدا من عصي الكربون في اليونان ثم لم تصمد القاعات وأغلقت لارتفاع ثمن آلات العرض الجديدة وخاصة ذات نظام (DOLDY) ، مع العلم أنّ الهند وروسيا تصنعان آلات عرض في متناول أصحاب القاعات. كل هذه الاسباب كانت وراء تقهقر القاعات، فبماذا قامت الجهات المختصة لمساعدتها؟ تدخل الدولة والحلول فعلا أنكبّ قسم السينما بوزارة الثقافة على ملف القاعات ورصدت مبالغ هامة لترشيدها من اصلاح القاعة نفسها (جدران وشاشات وكراسي) وتجديد الات العرض، غير أنّ العارفين بالميدان لم يخصص أحد منهم جلّ المبالغ لذلك بل لتسديد الديون وخاصة منها المتخلدة بذمتهم لحساب الصناديق الاجتماعية. فالحلول موجودة: أوّلا اجبار الباعثين العقاريين على انشاء قاعة لكل 50.000ساكن جديد. خلق صندوق لضمان القروض البنكية لباعثي القاعات حتى تقدم البنوك على ذلك. التشجيع على بعث المركبات الثقافية التجارية أي مركبات تظم في نفس الوقت محلات تجارية، مكتبات، حمام، مقاهي، قاعات العاب، نوادي أنترنات، نوادي فيديو وقاعاتين أو ثلاثة ذات عدد محدود من المقاعد لعرض الأفلام الجديدة. تطبيق قانون عدم السماح بتحويل قاعات السينما الى محلات تجارية وهو أمر وارد في نصوص الوزارة ولا ندري مثلا من أعطى الرخصة لتحويل قاعة مثل »الكابتول« الى محلّ ملابس؟ تطوير القاعات بتركيز آلات عرض رقمية، فجلّ العروض تتحول اليوم الى عروض رقمية. مساعدة اصحاب رؤوس الاموال على بعث قاعات الاعراس والافراح الى وتحويلها الى مركبات تضمّ قاعات عروض سينمائية ومسرحية. التخفيض من نسبة الضرائب على المصنعات الفنية ترشيد كل قاعات دور الثقافة والتفويت فيها الى مستثمرين خواص مع ترك بعض الحصص للاجتماعات والندوات. بعث دار متعددة الانشطة الى جانب كل دار ثقافة ودار شباب وذلك بالاشتراك مع المجلس الجهوي والبلديات على غرار أنجح مشروع وهو مركب »نيابوليس« بمدينة نابل. إعادة الاشهار للافلام الاجنبية على شاشات التلفزيون تلك الومضات التي فرضت فرنسا منع بثها عندما بدأت قنوات الفضائيات التونسية حزمة بث فرنسية. تشجيع الباعثين السكان على بعث القاعات عن طريق الأنظمة البنكيّة الجديدة والمتجدّدة مثل »الفوبرودي« (Foprodi وSICARS) إلى غاية 90٪من المشروع اعتماد ما يسمى ب (taxshelter) أي اعفاء الباعثين الذين يستثمرون أرباح شركاتهم في ميدان العروض السينمائية. الحدّ من القرصنة وهذا موضوع آخر والاستعداد للغول الجديد وهو (sheeming) وهو القاعة السينمائية الكبرى القادمة أي أنّ المواطن وعن طريق البطاقة البنكيّة يستطيع شراء عرض واحد لكل شريط للاسرة لا يستطيع تسجيله أو قرصنته وهكذا فإن شركة من جنوب افريقيا تقوم اليوم بشراء الافلام التونسية لمدة 25 سنة مقابل 28.5 الف دولار واحتكار عرضها عالميا على شاشات التلفزيون »الستريمنغ« ولنا عودة لذلك. وفي الاخير بعث المركز الوطني للسينما ومنذ وصوله حلقة كاملة فكل قاعة سينما تغلق جزء من النور يطفأ وتنبت بركة حالكة تنمي الجهل... وتساعد على الاصوليّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.