بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي من الواضح جدا أن العام المنصرف 2009 كان بالنسبة للثقافة التونسية عام المائويات بامتياز، هكذا شاءت التواريخ ان تتوالد في هذا العام فكان على أهل الثقافة أن يعيشوا هذا الزخم الوفير وأن يستوعبوه ويقدموه بالصورة المناسبة. ولعل أبرز المائويات التي لم تكن تونس وحدها مساحة لها بل شاركتها فيها بلدان عربية أخرى مائوية شاعر ارادة الحياة أبو القاسم الشابي الذي أنجز ابداعه وغادر دنيانا وهو في العشرينات من عمره، لقد شاركت تونس عدة بلدان عربية في تقديم ندوات لهذا الشاعر الذي ظلت كلماته حية (إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد أن يستجيب القدر). وكم من ثائر رددها فألهمته التحدي، وكم من شعب محبط رددها فتجاوز بها إحباطه. عاشت تونس عام 2009 والشابي عنوان جميل، أقيمت عنه الندوات، وكتبت القصائد وصدرت التآليف وأنجزت مجلات رصينة مثل «الحياة الثقافية» عددا ثريا عن حياته وشعره. وقدمت الاذاعة مجموعة برامج عنه وقدمت كذلك المسلسل الاذاعي، كأن مائوية الشابي بالنسبة لأهل الثقافة عملية استنفار حيّة. وأعتقد أن مكتبة الشابي صارت ملأى بالمراجع التي تشكل زادا للباحثين والمعنيين. كما كان عام 2009 عام مائوية المسرح التونسي، هذا المسرح الذي يعتبر في طليعة الحركة المسرحية العربية وكان المثال والنموذج لعدد كبير من أهل المسرح، وخلال المائة عام التي مرت على ولادة هذا المسرح عرف أفذاذا لا أحد ينسى ما قدموه تأليفا واخراجا وتمثيلا كما ان تونس احتضنت أحد أهم مهرجانات المسرح العربي وأعني به مهرجان قرطاج الذي يتبارى المسرحيون العرب والأفارقة على تقديم أفضل ما عندهم ليكونوا جديرين بالمشاركة في هذا العرس الجميل الذي ينعقد مرّة كل عامين بالتناوب مع مهرجان قرطاج السينمائي. لقد احتفلت كل المدن وكل الجهات بهذه المناسبة فأعطت أجمل ما عندها. كما كان عام 2009 أيضا عام مائويات عدد آخر من الشخصيات أمثال علي الدوعاجي الواحد المتعدد فهو الصحفي وكاتب القصة وهو أيضا الشاعر ومؤلف الأغاني وهو أحد نجوم جماعة تحت السور التي ضمت خليطا نيّرا من الأدباء والصحفيين والموسيقيين والمغنيين. وقد عقدت عدة ندوات عنه، وستصدر دار الجنوب للنشر أعماله الكاملة في أربعة مجلدات باشراف الاستاذ الناقد توفيق بكار الذي كان أول من نبّه له ولقيمته الأدبية. وكان عام 2009 عام مائوية العلامة الفاضل ابن عاشور الذي أقامت له وزارة الثقافة ندوة كبيرة في مبنى المكتبة الوطنية قدمت فيها مجموعة من الأبحاث حول فكر ومواقف هذا الرائد المتنور الكبير، ونشير كذلك الى صدور عدد من الأعمال الأدبية والفكرية عنه بينها كتاب الباحث أبو زيان السعدي الذي صدر في سلسلة «كتاب الحرية»، ولابد هنا من التنويه بالعدد الخاص من مجلة وزارة الثقافة «الحياة الثقافية» الخاص بالعلامة الفاضل ابن عاشور الذي ختمت به عام 2009. لكن عام 2009 كان أيضا عام القيروان التي اختيرت عاصمة للثقافة الاسلامية، وكان ما قدم على امتداد عام من ندوات وفعاليات وكذلك بما صدر من كتب عن بيت الحكمة بشكل خاص يشكل مكتبة قيروانية لولا المناسبة ما كان لها أن تصدر بهذا الزخم الثري. وكان عام 2009 عام القدس التي اختيرت عاصمة للثقافة العربية، وقد كان هذا الاختيار عنوانا للتحدي من قبل المقدسيين ومن قبل أشقائهم وإذا كان المحتلون الصهاينة قد منعوا تقديم أي نشاط ثقافي ظنا منهم أنهم سيفشلون المناسبة فإن القدسالمحتلة والمحاصرة والمعرضة للتهويد واعتداءات شراذم المستوطنين الرعاع صمدت وكانت مسرحا للكثير من الفعاليات، ولما كانت القدس تعني كل العرب والمسلمين فإن مدنا عربية وعواصم ثقافية عالمية عاشت تظاهرات تليق بالقدس ومكانتها، فعاليات في عمّان وتونس والقاهرة وبيروت والرباط والجزائر وعديد المدن العربية. لقد مضى عام 2009 ومع كل ما فيه فإنه أخذ معه أسماء أدبية كبيرة رحمهم الله جميعا، من نذكر ومن لا نذكر، رشيد ادريس، جعفر ماجد، الطاهر الهمامي ومحمد صالح الجابري وغيرهم. هكذا الحياة، تمر بايقاعها المتسارع، تجتاز المحطات الواحدة بعد الاخرى، ناس يولدون وكبار يرحلون، مؤلفات تصدر فتنال الانتشار وأخرى تمضي وكأنها لم تصدر. لكن المهم ان الحيوية هي العنوان وبها نتجدد وتتجدد عطاءاتنا.