أخبار تونس – شهدت تونس طيلة السنة المنقضية 2009 أحداثا مهمة وتظاهرات كبرى في المجال الثقافي مما جعل هذه السنة تعد «سنة ثقافية بامتياز» نظرا لتنوع الانشطة وغزارتها وتجاوز اشعاعها المجال الوطني الى العالمية ويعزى ذلك إلى التدرج في تنفيذ سياسة ثقافية ترمي إلى الحفاظ على الهوية الوطنية في عصر معولم ورقمي تتزايد فيه حدة الرهانات والتحديات. وشملت الانجازات كافة مكونات المنظومة الثقافية وتضاعفت ميزانية الوزارة لتبلغ سنة 2009 نحو 1.25 بالمائة من الميزانية العامة للدولة وينتظر أن تصل إلى 1.5 بالمائة في أفق 2014 مثلما ورد في البرنامج الرئاسي “معا لرفع التحديات” مع أهمية اعتماد منهجية التخطيط لتطوير العمل الثقافي والتي تجسدت عبر احداث هيكل عام هو المجلس الأعلى للثقافة الى جانب بعث العديد من المؤسسات المرجعية في المجال وتأهيل البعض منها على غرار “بيت الحكمة” والمعهد الوطني للتراث والشروع في انشاء صرح ثقافي رائد هو مدينة الثقافة بتونس العاصمة. وحرصا على تفعيل كل عناصر مكونات المشهد الثقافي أقر رئيس الدولة أن تتميز الفترة القادمة بإقامة خماسية الثقافة 2009-2014 من خلال وضع برنامج سنوى لكل فن سنة للمسرح و سنة للموسيقى وسنة للسينما وسنة للكتاب وسنة للفنون التشكيلية تكون كلها خير حافز على مزيد النشاط والانتاج. ويتواصل انجاز مشروع إحياء التراث الثقافي 20032010 الذي يتضمن تهيئة عدد من المتاحف الكبرى للارتقاء بها إلى مستوى المقاييس المتحفية الأكثر تطورا وإعداد مسالك جديدة للسياحة الثقافية وتطوير وسائل وأساليب الإشهار للمواقع التاريخية. وتميزت سنة 2009 بالخصوص بتنظيم عدة مائويات مثل مائوية شاعر الحياة ابي القاسم الشابي التي تضمنت ندوة بعنوان “حداثة الشابي” ومعرض للفن التشكيلي حول الشاعر والاعلان عن اسماء الفائزين بجائزة الشابي للشعراء الشبان. وأحيت مدينة توزر عاصمة الجريد التونسي احتفالية مائوية ابنها ابو القاسم الشابي بمهرجان كبير حضره عدد هام من الضيوف العرب وعرضت خلاله وثائق عديدة ومتنوعة حول الشابي ومؤلفاته وقد تخللت هذه التظاهرة أمسية شعرية عربية شارك فيها كل من سميح القاسم وأحمد عبد المعطي حجازي وحيدر محمود وشعراء تونسيون من بينهم يوسف رزوقة وفضيلة الشابي والمنصف المزغني. كما احتفلت تونس سنة 2009 بمائوية علمين فذّين نبغ كل منهما في ميدانه وهما الاديب علي الدوعاجي والفنان الهادي الجويني. كما حظيت مائوية العلامة الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور بقسط وافر من التظاهرات الثقافية للثلاثية الأخيرة من العام ومن بينها ندوة دولية حول “قضايا الفكر الديني وعلاقتها بتحديث الفكر التونسي” شارك فيها عدد هام من الشخصيات الأدبية والفكرية من تونس والخارج وشرعت وزارة الثقافة والمحافظة على التراث في طبع الأعمال الكاملة للشيخ الفاضل بن عاشور. ومثلت تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الاسلامية لسنة 2009 والتي التأمت باقتراح من المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة “الايسيسكو” مناسبة لمزيد التعريف بما تزخر به عاصمة الاغالبة من تراث ثقافي متنوع ومساهمة ثرية في الحضارة العربية الاسلامية وفي الفكر الانساني اضافة الى كونها تعد تقديرا لدور تونس في نشر قيم الاسلام السمحة واشاعة ثقافة الحوار والتسامح والتضامن. وبمناسبة هذه التظاهرة انتظمت بمدينة القيروانوبتونس العاصمة عديد الانشطة والندوات والمعارض الوثائقية كما أصدر المجمع التونسي للعلوم والاداب والفنون”بيت الحكمة” 20 كتابا توزعت بين مصنفات علمية وأدبية وكتب تاريخية تناولت كلها جوانب من تاريخ المدينة وأعلامها كما اشعت هذه الاحتفالية خارج تونس وذلك من خلال تنظيم معرض لاعلام القيروان بمعهد العالم العربي بباريس يوم 20 نوفمبر شفع بندوة فكرية للتعريف بتراث مدينة القيروان كأعرق المدن الاسلامية. كما طبعت الساحة الثقافية الاحتفالات بمائوية المسرح التونسي التي تزامنت مع الدورة 14 لايام قرطاج المسرحية ومحورها “مسرح بلا حدود” لتتزامن مع أنشطة مسرحية اخرى في اطار الاحتفالية ومن ضمنها معرض حول “تطور المسرح التونسي” من 10 الى 20 نوفمبر بقصر خير الدين واقامة ندوة فكرية دولية موضوعها “على أبواب المائوية الثانية للمسرح التونسي”. وفي السينما كان الحصاد وفيرا ونالت تونس عدة جوائز في مهرجانات سينمائية عالمية حيث عادت جائزة أفضل إخراج لفيلم وثائقي لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي بأبو ظبي إلى التونسي محمد زرن عن فيلمه الوثائقي “جرجيس” بينما فاز المخرج الشاب محمد علي النهدي الذي توج فيلمه الأول “المشروع” بجائزة الصقر الذهبي في مهرجان الفيلم العربي بروتردام كما نال شريط “الدواحة” للمخرجة رجاء العماري عديد التتويجات العالمية لعل أهمها حصوله على الجائزة الكبرى “آرت مار” 2009 لمهرجان الفيلم والثقافات المتوسطية في دورته السابعة والعشرين المنتظمة من 23 الى 28 نوفمبر الجاري بباستيا بجزيرة كورسيكا الفرنسية. وشهد قصر المعارض بالكرم تنظيم معرض الكتاب في دورة متميزة سجلت بالخصوص الاحتفاء بتظاهرة القدس عاصمة ثقافية عربية هذا العام وعرف المعرض حضور حوالي 1300 ناشرا بالإضافة إلى تنظيم برنامج ثقافي موازي يتمثل في الندوات الفكرية والمعارض والسهرات الشعرية والتكريمات مثل تكريم الأديب الراحل الطيب صالح. وتحصل المركز الوطني للترجمة على جائزة من طرف وزارة الخارجية الإيطالية بعنوان سنة 2009 عن ترجمة كتاب الاديب الإيطالي نيكولو امانيتي “اييو نون هو بورا” إلى اللغة العربية تحت عنوان “أنا لا أخاف”. كما شهدت المهرجانات الصيفية الدولية والوطنية (360 مهرجان في كامل انحاء البلاد) وفي مقدمتها مهرجاني قرطاج والحمامات حركية وتطورا لامس المضمون من خلال استضافة رموز فنية عالمية مثل الفنان شارل ازنفور والفنانة وردة وشهد المجال الموسيقي ايضا تنظيم مؤتمر المجلس الدولي للموسيقى المتفرع عن اليونسكو. ولم يتوقف النشاط الثقافي لسنة 2009 على حدود تونس بل بلغ صدى هذه الثقافة النيرة أرجاء العالم من خلال معرض “إرث قرطاج في اليابان” الذى انطلق في 12 جوان 2009 ويتواصل حتى نوفمبر 2010 بإذن من الرئيس زين العابدين بن علي ويتنقل هذا المعرض من خلال جولات عبر 10 ولايات يابانية. وفي المقابل فقدت الساحة الثقافية التونسية بعض الوجوه اللامعة مثل الرسام والنحات زبير التركي أحد ابرز الفنانين التشكليين التونسيين عن 85 عاما والفنان التشكيلي والنحات عمر بن محمود عن سن تناهز ال71 سنة. كما رحل الشاعر جعفر ماجد (69 عاما) ومنسق تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الاسلامية إضافة الى وفاة الاديب والباحث محمد صالح الجابري بعد مسيرة زاخرة بالعطاء في المجالين الإبداعي والمعرفي وفقدت الساحة الاعلامية الكاتب الصحفي صالح بشير والاعلامي البارز أحمد بوغنيم. ولكن الساحة الادبية شهدت كذلك ولادة أديب من الحجم الكبير “يامن مناعي” ذي 25 عاما والحائز على جائزة “الكومار الذهبي” عن روايته “مسيرة الشك”.