سلمى بالحاج مبروك (شاعرة وكاتبة ) «المشكلة تطرح عندما تحاول ثقافة ما الاستفادة من الثقافات الأخرى اذ تجد ذاتها أمام ورطة التنكر لأسلوبها في الحياة وأنماط التعبيرية والانمحاء في أسلوب ثقافة أخرى غازية وتوسعية واستعمارية». فاز الكاتب الفلسفي التونسي زهير الخويلدي بلقب أحسن كاتب باحث في العالم العربي لعام 2009 الذي نظمه منتدى الصحافة العالمية وذلك بفضل جهوده الصادقة في خدمة الفكر العربي والمساهمة في إثراء الساحة الفكرية النقدية بغية النهوض بالواقع الفكري العربي وإدخال روح النقد والتجديد عبر مقالاته المنتشرة أولا في المجلات والصحف والدوريات الجامعية وعبر نشاطه الكثيف في القارة السابعة أي المواقع الالكترونية متوجا جهوده بإصدارين ثمينين وهما «كتاب حالة الفكر في حضارة اقرأ زمن العولمة أو شذرات فلسفية» والكتاب الثاني بعنوان «معان فلسفية» وهو كتاب صدر عن دار الفرقد السورية سنة 2009 . ونحن نهنئه ونشيد بمستواه المرموق ونشكر منتدى الصحافة العالمية على هذه المبادرة الرائعة من أجل التعريف بالمنتوج الفكري العربي ولذلك سنحاول إلقاء بعض الضوء خاصة فيما يتعلق بالكتاب الأول بوصفه الأسبق في الظهور حتى نقدم فكرة موجزة عن حمولة متن الكتاب للقارئ إذا ما أراد الرشف من معين هذا الفكر لسيما أن فعل القراءة هو فعل تأسيس حضاري بامتياز ذلك أن أمة لا تقرأ هي أمة مهددة بالزوال ولعل هذه إحدى هواجس الكتاب الكثيرة . فلنحاول إذن استكشاف بعض ما جاء فيه. بداية لابد أن نشير أن كتاب «حالة الفكر في حضارة إقرأ زمن العولمة أو شذرات فلسفية «يحمل عنوانا آخر ثنائي وهو «لزومية العود على بدء أو إستراتيجيات فلسفية «وكأني بالكاتب زهير الخويلدي يسيطر على زمانية وجوده ويفرغ ما في حمولة وعيه من أفكار تشخص الواقع العربي وأمراضه عسى يدركه بالعلاج المناسب قبل فوات الوقت للخروج من أزمات استعصت حلها فكرا وواقعا في ظل واقع عربي معقد خيم عليه التراجع والنفور من القراءة و التقهقر الثقافي. ولعل ذكر عناوين فهرس الكتاب يقدم لنا صورة عن مضمونه وهواجسه الإبداعية، إذ يبدأه الكاتب باستهلال تحت عنوان «صدمة الفكر في حضارة إقرأ زمن العولمة» ثم تأتي العناوين حسب الترتيب كما يلي : 1 كتابة البدايات أو في ما وراء الكتابة 2 لعبة الكتابة والقراءة 3 من أجل تغيير موقف الحشد من الفن 4 الضاد من لغة للهوية إلى لغة 5 الضاد من لغة الهوية إلى لغة للفكر 6 في تهافت الخصومة بين ابن رشد والغزالي حول قانون التأويل 7 الهيرمونيطيقا والغراماتولوجيا معنى المعنى في الفكر 8 التفلسف : أهو فن طرح المشكل أم قدرة على ابتكار حل له؟ 9 الحق العالمي في التفلسف 10 الحياة في سوء النية لينتهي الكتاب باختتام حول مفارقات العولمة. فهل كتاب «حالة الفكر في حضارة اقرأ زمن العولمة» بهذا المعنى يبشر بافتتاح عصر القراءة والكتابة أم بأفولها ؟ وهل حل في أفقه عصر نسيان النسيان ذلك العصر الذي يؤذن في الناس لشد الرحال لقارة الفلسفة ؟ وأي قارة هي غير تلك التي آمنت بتحول اللغة من مجرد لغة مغرمة بممارسة الهيمنة والسلطة والمكبوت لافتراس وجه الإنسان عبر مروجي الأوهام وعاشقي الأوثان من أجل حشد الحشود للتهافت على عتبات السلطان، إلى لغة بمثابة واحة خضراء يعانق اخضرارها زرقة أفق السماء اللانهائي لغة متحررة تهب كطائر المينيرفا منفلتة من مقصلة الميتافيزيقا لتعانق الفكر الحر وتتقن لعبة القراءة والكتابة عبر قانون التأويل . إنها غراماتولوجيا الفكر وليس اللغة وحدها وهيرمونوطيقا الوجود وليس المعنى فقط . فما هو الأصعب في هذا العصر العولمي هل أن تكتب أم أن تقرأ ؟ في حضارة تعيش مفارقات عجيبة بين تراثها المتخم بفعل القراءة والكتابة وبين حاضرها الذي ابتلعه مد الصحراء وقحالة الفكر الذي أصابها ، حاضر مثقل بجراح عولمة لا تبقي ولا تذر يتبعها استعمار ثقافي وعسكري قاتل وما تبعه من تدخل في الشأن العام والخاص مع استفحال الظلم والاستبداد والفقر والجهل والإنبتات والتشويه والتحريف . فماذا يلزم مفكر حر من أدوات وآليات ؟ وماذا هو فاعل بمثل هذا الواقع المتشظي الرهيب؟ أن يلزم نفسه بالعود على بدء حاملا مطرقته الفلسفية ليهوي بها على كل كارثة حلت بحضارة «الأمر بالقراءة» فإذا هي لا تقرأ أصلا . وهل يمكن أن يكون الهدم إستراتيجية فلسفية يعول عليها لبناء واقع مختلف لواقع الانحطاط؟ وماذا يكتب لهم ؟ والعرب في حالة صدمة وذهول عن التاريخ ؟ هل نبدأ بتدوين صدمة الكتابة؟ وهل كل ما يحتاجه العرب كتابة صدمتهم؟ وهل عندما نؤرخ كتابة صدمتنا فنحن نبدأ تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا أم ننهيه ؟ تلك هي بعض هواجس الكتاب وهي مسائل تستحق التأمل والنظر و مشكلات لم تولد من الفراغ بل تساؤلات انبثقت من وحي اللحظة الراهنة. وعندما تمسك كتاب شذرات فلسفية وتبدأ القراءة فيه فإنك ستصيبك حالة من الهلع التفكري وستنهال عليك أسراب الأسئلة لتسافر بك في عالم من السؤال واليقظة والتشكك الذي لا يهدأ سيكسر زجاجة يقينك ويقذف بك في لجاجة التساؤل لحد التخمة . ليدفع بك إلى قلب الدهشة الأرسطية بعد أن سلبت عنا العولمة بفعل التنميط كل دهشة ندهش لها. وما تعدد عناوين الكتاب إلا ممارسة لعملية الحيرة والاندهاش وما حديثه عن الإستراتيجيات إلا رغبة منه في البحث وسط هذا الركام الوجودي عن نقطة بداية وتأسيس للمستقبل إذ لا يكتفي الكاتب زهير الخويلدي بتشخيص الأزمة بل يتجاوز إلى مرحلة التفكير في الإستراتيجيات بما يساهم في عودة الفلسفة لممارسة دورها الفعال في الواقع وعدم التزام محراب التأمل الفكري وقد تكون بداية التأسيس من خلال الوقوف على نقد العولمة ونقد الحياة في سوء النية من أجل رجة الفكر بصدمته وإحداث اختراق في مستوى وعيه المستكين. لقد وعى الكاتب أن الصدمة لن تكون فعلا تأسيسيا إلا إذا مر بوطن الفلسفة هذا الوطن المهجور والمسروق منذ ابن سينا والفارابي وابن رشد لقد وقع تهجير الفلسفة العربية من ديارها كما يهجر المواطن العربي بفعل العولمة من أرضه ووعيه وها هي اليوم قد ملت اللجوء وتبحث عن «حق العودة» فعسى أن تكون الإستراتيجيات هي المشروع الكفيل بتحقيق حلم العودة الفلسفية للديار العربية . فهل تتحقق دولة الفلسفة في مدينة «إستراتيجيات فلسفية؟ هذا ما يأمل كاتبها وهو يشرع لدستور مدينة الفلسفة «لكل إنسان في العالم الحق في التفلسف» إذن الفلسفة في إستراتيجيات هي حق من حقوق الإنسان مثل حق الحياة والحرية . وهي ليست حكرا على أمة دون أخرى أو إنسان دون إنسان. يفهم الكاتب الفلسفة على هذا النحو: انها «كألف ليلة وليلة ليس فيها نهاية حاسمة وانما هي على الدوام بداية متجددة وطرح مسترسل للأسئلة وفتح مستمر للآفاق لا تعتبر نفسها منتهية في كل ما تقوله بل هي عود على بدء وتجربة متجددة لما بدأته تعيد تعليم رؤية العالم».