لأنهج المدينة العتيقة تاريخ وملامح اضمحل أغلبها وصمد البعض منها رغم مرور السنوات والعقود الطويلة والقرون وقد تحدث الباحث محمود زبيس عن هذه الملامح وأفاض في الحديث عن كل ما يتعلق بتاريخ عدد كبير من أنهج المدينة العتيقة والحي الأوروبي الجديد خارج الربضين من خلال دراسته الشهيرة والمعنونة ب«من سيدي محرز إلى المقام الشاذلي أو في كل خطوة ذكرى بين المدينة والربضين» التي نشرتها مجلة معالم ومواقع تباعا وعلى امتداد سنوات طويلة التي سنعتمدها كمصدر أساسي للحديث عن الملامح القديمة لأشهر أنهج المدينة العتيقة. وسنواصل من خلال هذا العدد الجديد من ركن أنهج المدينة العتيقة: تاريخ وحضارة الحديث عن هذه الملامح القديمة لأنهج مدينة تونس. الحديث هذا الأسبوع سيكون حول الملامح القديمة لنهج الصباغين. نهج الصباغين هو النهج المؤدي إلى باب الجزيرة جنوبالمدينة (أي باب البحيرة وعرف بباب فرنسا) المعلم التاريخي المصان وهو من أقدم أبواب المدينة وقد تم ترميمه زمن المشير أحمد بأي ثم أعيد ترميمه بعد الاستقلال إثر إزالة تمثال الكاردينال Lavigerie ضمن التهيئة الأخيرة لساحة النصر المحيطة به ولم يبق الآن من السور إلا الجزء الذي أقيم فوقه مسجد مازال موجودا إلى الآن ويعرف بخلوة سيدي محرز بن خلف) بنهج سيدي بو منديل المتصل بباب البحر عبر نهج الكومسيون ليلتقي مع نهج شاكر حيث نجد منزلا طابعه المعماري إيطالي بحت هذا المنزل معروف بدار Evangelist والتي كانت مقر «الكومسيون» أي اللجنة المتكونة من عدد من النواب المنتمين إلى مختلف الدول الأوروبية ومهمتهم تتمثل في مراقبة التصرف المالي للدولة التونسية المتداينة انذاك لدولهم وكان هذا في أواخر القرن التاسع عشر. وتحول مقر هذه اللجنة فيما بعد إلى منزل زعيم الوحدة الإيطالية «G. Garibaldi» وقد سكنه مدة ثلاث سنوات ثم صار المنزل مقرا لمؤسسة الصليب الأخضر الإيطالي الموازي للهلال والصليب الأحمر. وباعتبار أن باب بحر كان يفتح قديما على البحيرة استقرت حوله الجاليات الأجنبية ومنها الجالية الإيطالية التي استقر عدد منها بحي الصباغين بمنازل قديمة كما بنوا أيضا منازل جديدة على الطراز المعماري الإيطالي أما البعض الآخر من أولئك الوافدين فقد كانوا يسكنون بالدكاكين التي يمارسون فيها أعمالهم الحرفية واليدوية المتنوعة. هذه الدكاكين كانت ضيقة في أغلب الأحيان ولا تحتوي على المرافق الصحية اللازمة. ومن الملامح القديمة أيضا لنهج الصباغين نذكر كيف كان سكان هذا النهج يستسقون من الحنفيات العمومية التي أنشأها الأمير محمد الصادق باي سنة 1861 بعدد من الأنهج والأزقة بالعاصمة، وقد كان معظم السكان يتزودون بالماء الصالح للشراب وغسل الثياب من تلك الحنفيات العمومية خاصة أولئك الذين لا يملكون صهاريج المياه أو مواجل في منازلهم، وكان «القرباجي» أي السقاء هو من يتولى توزيع المياه على السكان وكان يجول الأنهج والأزقة حاملا على كتفيه «القربة» المصنوعة من جلد الماعز المدبوغ، ولما كثر الطلب وندرت الجلود من جراء الحرب صار القرباجي يحمل الماء في وعاء معدني يسمى «القصديرة». ونواصل سيرنا فنجد أنفسنا أمام نهج المطيهرة المؤدي إلى نهج تربة الباي مرورا بالمدرسة الحبيبية التي أسسها الأمير محمد الحبيب باي وكانت مخصصة لإيواء طلبة جامع الزيتونة. ثم نجد الدار التي سكنها الإمام أبو الحسن الشاذلي وهي عبارة عن مسجد صغير مازال إلى اليوم تقام فيه الصلاة ويعرف بخلوة سيدي أبي الحسن الشاذلي ويقام فيه بعد صلاة المغرب من كل يوم سبت «العمل الدائم» وهو من العادات الصوفية البحتة. إعداد: ناجية المالكي المصدر: مجلة معالم ومواقع عدد23 جوان 2003 القرباجي بساحة حوانيت عاشور باب البحر ومن ورائه ساحة البياصة