أثارت المشاهد الخليعة في فيلم «الدوّاحة» للمخرجة السينمائية رجاء العماري ردود فعل متباينة، فرغم ذهاب البعض الى أن هذه المشاهد تخدم الجانب الفني للفيلم، فإن عددا كبيرا رفض هذه المشاهد وهاجم الممثلة «ريم البنّة» على هاتفها الشخصي، وعلى «الفايس بوك» بطريقة جرحت مشاعرها وأثّرت فيها تأثيرا كبيرا. ما حصل مع مشاهد فيلم «الدوّاحة» حصل قبل ذلك مع أفلام تونسية أخرى تضمّنت هذه النوعية من المشاهد، لذلك ارتأينا الخوض في هذه المسائل، فطرحنا الإشكال التالي: «هل ان المشاهد الاباحية او الجنسية في الأفلام التونسية تستخدم لغايات تجارية أم لغايات فنية؟» على مجموعة من المخرجين والممثلين السينمائيين فجاءت آراؤهم كالآتي: إعداد: وسام المختار ونجوى الحيدري الناصر القطاري: أنا مع العراء بشرط المخرج هو المسؤول عن مشاهد العراء في السينما وهناك من يوظف العراء بطريقة مكشوفة في حين يعتمد الآخر على ديكورات توحي بعلاقة حميمية داخل غرفة نوم، ولكل مخرج أسبابه الخاصة. أنا مع العراء عندما يكون له مغزى ومعنى وهدف سام واذا كانت غايته تفجير النفاق الاجتماعي فمرحبا به. واذا كان العراء من اجل العراء عندها يتحول الى ميوعة وتعبير عن فشل المخرج وعجزه. وللأسف المشاهد التونسي ومجتمعنا بصفة عامة يرفض العراء في السينما التونسية، لأنه يعاني من عقدة الحب والجنس وفي نفس الوقت وإن نبشنا في التاريخ لوجدنا ان أقل ثقافة كتبت عن الحب هي الثقافة العربية الاسلامية وكتاب «طوق الحمامة» خير دليل على ذلك، فإذا تصالحنا نحن كمجتمع مع الحب عندها يصبح العراء أمرا عاديا. لذلك يجب ان نتجاوز ثقافة التخلّف الجنسي وهذا المناخ (مناخ الازمة الجينية) يعطي فرصة للمخرج كي يتحدث عن الجرأة من منطلق العراء خصوصا بالنسبة الى المرأة. واذا كان هناك افراط وعدم تناسق عندها تُفتقد الجمالية ويفقد العمل الثقافي أهميته. فاطمة ناصر: وجودها فنّي بالأساس من خلال الأفلام التي شاهدتها أرى ان العراء في الأفلام التونسية ليس لغايات تجارية وإنما هو لدواع فنية بحتة مثلما شاهدنا وأحسسنا في «عصفور السطح» مثلا أو في «صمت القصور». فمثل هذه المشاهد من المفترض ان تخدم الجانب الفني للفيلم والا فإنه سيقع حذفها مباشرة. وبالمناسبة ، استغل فرصة الحديث لأسأل لماذا تهاجم الممثلة عند ظهورها في مثل هذه المشاهد في حين لا يهاجم الممثل حتى ولو كان مشاركا في نفس المشهد؟! محمد دمق: الكلام عن العراء أكثر من وجوده... أتصوّر أن الكلام أو الحديث عن العراء في السينما التونسية أكثر من وجوده، وكل ما في الامر ان السينما التونسية فيها نوع من الجرأة. وبالنسبة لهذه النوعية من المشاهد يجب أن نتساءل هل تخدم مصلحة السيناريو أم لا؟! فكل شيء موظّف ويخدم مصلحة الفيلم، مسموح به وما زاد على الفيلم والسيناريو لا قيمة ولا معنى له. وعموما العراء في الافلام التونسية يخلق حوارا في الشارع التونسي وهذا يخدم المصلحة التجارية للأفلام، ولو لم نتحدّث يوما عن لقطة في فيلم فإنه لا يمكن القول ان الفيلم قد نجح... طفي الدزيري: ليست ضرورة تجارية المشاهد الإباحية أو الخليعة أو الجنسية، في الأفلام التونسية لم تكن يوما ضرورة تجارية، وكذلك في أفلام بلدان العالم الثالث، فالضرورة التجارية تعني أفلاما جنسية كاملة ولا تعني بعض المشاهد التي يظهر فيها ممثل أو ممثلة عارية. وبصراحة يجب أن يكون الإنسان نزيها بعض الشيء، ففي الواقع الشارع أقبح بكثير من الشاشة، كما أن السينما قاعة، والمشاهد هو الذي يختار الدخول إلى هذه القاعة لمشاهدة فيلم من عدمه، ولكن عندما يتعلق الأمر بالشاشة الصغيرة فإنني أكون ضدّ هذه المشاهد لأن التلفزة تدخل إلى كلّ البيوت والعائلات، ومن ثمة لا يمكن قبول هذه النوعية من المشاهد. واليوم نحن في سنة 2010، وأصبح الوقت مناسبا لتفادي مثل هذه الأمور، فالرموز والايحاءات، التونسي مثقف وقادر على فهمها، ومشهد عراء لا يمكن له أن يكون حلاّ تجاريا لفيلم ما. وهذه الاشكالية التي طرحتموها، في نظري تأخذنا إلى إشكال محوري وذو أهمية كبيرة مفاده «هل يحق لمخرج تونسي أن يخرج شريطا سينمائيا طويلا حسب غاياته وفلسفته حتى لو كانت فلسفته مختلفة مع فلسفة غيره من التونسيين»؟! أو بمعنى آخر: «هل يحقّ أن تكون لنا مواقف ورؤى فنية؟!». وأضيف شيئا مهما أن السينما والمحافظة كما نفهمها لا يلتقيان، ومن المفترض أن يسبقها الفن، والتربية لها دورها في هذا السياق، فالتربية لا تستطيع بمفردها أن تثقف المجتمع، والفن كذلك لا يمكنه بمفرده تثقيف المجتمع، فالمسألة إذن مسألة تكامل. «رشيد فرشيو»: المشاهد الجنسية في الفيلم دليل على ضعفه بالنسبة إليّ ادراج مشاهد إباحية أو جنسية في فيلم تونسي، لا هو ضرورة فنية ولا هو أيضا ضرورة تجارية او يمكن القول انه يدخل في نوع من التجارة السخيفة اذ ان الفيلم في حالة ضعفه او ضعف موضوعه فإن الاتجاه يكون مباشرة الى المشاهد القبيحة. فالفيلم الذي يكون مركّبا تركيبا جيدا بمعنى أن يكون السيناريو جيد والتصوير كذلك والاخراج في المستوى، فإنه لا يحتاج الى أشياء تافهة كهذه المشاهد التي حتما أكون ضدّها في مثل هذه الحالات. ثم اذا كانت هناك كيفية لإيصال المعلومة الى المشاهد دون عرض المشهد كاملا يكون أفضل، او بمعنى أوضح استخدم التلميح وأنا سأفهمك. وأود الاشارة الى شيء هام وهو أنه لا يجب محاسبة ممثلة على ظهورها في دور خليع او ما شابه ذلك لأنها اختارت اختيارا خاطئا وذلك لا يعني ان سلوكها في الحياة كظهورها في فيلم، فالمخرج هو الذي يفرض الدور، ومن هذا المنطلق اذا أردنا محاسبة المعني بالامر فإننا نحاسب المخرج ولا نحاسب الممثل. عبد المنعم شويّات: للعراء وظيفته الجمالية العراء في السينما هو في وجهة نظر المخرج وهذا أمر عادي بالنسبة إليّ لأن الممثل إن لم يتجاوز الانسان العادي عندها تنتهي السينما. والسينما هو الفضاء الوحيد الذي يجد فيه الممثل الحرية المطلقة، أنا لست ضد العراء بالعكس يجب أن يكون لأن هذا الانغلاق الفكري هو ضد السينما ورقيّها. في سنوات ال60 وال70 كان هذا الأمر عاديا لكن اليوم أصبح العراء قضية في الوقت الذي أعتبره وسيلة لخدمة فكرة وفن.. وحتى إن وظف العراء لأغراض تجارية فهذا لا أعتبره عيبا بل بالعكس العراء في كل الحالات هو في خدمة السينما وهو خيار جمالي للمخرج من أجل الانفتاح على أفكار وتأويلات أخرى وللمتفرّج حرية التأويل.