من مشاهد «الحمّام» وجسد المرأة والعلب الليلية الى استهلاك المخدرات والتعرّي والمشاهد الجنسية والعنف اللفظي.. تلك هي المواضيع المطروحة في السينما التونسية التي باتت سيناريوهاتها تصبّ في نفس الخانة من الأفلام الطويلة الى الأفلام القصيرة.. قرابة 11 شريطا سينمائيا تدور أحداثها في الحمام 15 عنوانا أو أكثر تصوّر لقطات جنسية.. عنف لفظي تقريبا في جلّ الأفلام التونسية. حول أزمة السيناريو في السينما التونسية «الشروق» طرحت السؤال «متى تغادر السينما التونسية الحمّام»؟ وتتخلّص من عقدة الجسد والعنف اللفظي؟ كتاب سيناريو ونقاد سينمائيون يحلّلون. أزمة إبداع «الخشخاش»، «صمت القصور، «الحلفاوين»، «عصفور سطح»، «الدواحة»، Il était une foi à l'aube... «المشروع» بعض العناوين من جملة مئات الأشرطة السينمائية التونسية بين أفلام قصيرة وطويلة تدور أحداثها في «الحمام» وغرف النوم والمرحاض والعلب الليلية وتصوّر المرأة الجسد والرجل الشاذ والشاب المدمن.. مواضيع مستهلكة تتكرّر من شريط الى آخر باتت تؤرّق المشاهد وتعلن عن أزمة السيناريو في السينما التونسية ويقول في هذا الصدد السيناريست الناصر السّردي إن المشكل يكمن في أزمة الابداع مضيفا أن كتاب السيناريو في تونس يدرسون تقنيات الكتابة السينمائية فقط ويتغافلون عن معرفة الفنون الأخرى وهنا مكمن الداء يؤكد السردي «كتاب السيناريو اليوم تنقصهم الإحاطة بالفنون الأخرى لأن من يكتب للسينما يجب أن تكون له دراية بالموسيقى والفن التشكيلي والاقتصاد والسياسة لأن السينما فنّ شامل..». والمشكل الثاني يقول الناصر السردي إن المخرج هو كاتب سيناريو في نفس الوقت وهو ما يساهم في خلط المواضيع والسّعي الى طرح أغلبها في نفس الشريط مضيفا أن الفرق شاسع بين مهنة الاخراج وكاتب السيناريو.. و«للأسف» يصرّح السّردي أن السينما التونسية تفتقر الى كتاب سيناريو يملكون مرجعية سينمائية جيدة».. أزمة مضمون إلا أن الكاتب علي العبيدي يعارض ما يقال حول أزمة السيناريو في السينما التونسية ويرى «أن الأزمة الحقيقية» تكمن في صفوف الأفلام وخاصة من حيث التوجّه الايديولوجي للسينما السائدة هذه الأيام إذ يغلب على هذا الانتاج الوفير تجريد مقصود من الأبعاد الاقتصادية والسياسية والتاريخية للوطن ويصرّح علي العبيدي أن «ما هو سائد اليوم تلك النزعة التي تسرّبت لدى الشباب السينمائي بتجرّد الشخصية التونسية المطروحة من كل انتماء اجتماعي أو تاريخي أو حضاري وكأن الانسان التونسي معلّق في الهواء لا جذور ولا علاقة له بوطنه بل إنّ بعض الانتاجات الوثائقية يقول العبيدي «أصبحت تعمد الى إنشاء أفلام تسجيلية عن بعض الأقليّات من ذوي الأصول الفرنسية والايطالية.. المقيمة في تونس». وللتأكيد على هذه الظاهرة يقول علي العبيدي: «شاهدت منذ يوم شريطا وثائقيا بعنوان «دار أنجيلا» من إخراج ألفة شقرون وهو عبارة عن محاورة من البداية الى النهاية، بطلته امرأة عجوز من أصول ايطالية ومولودة بتونس تتحدث عن عائلتها الايطالية وكيف عاشت في تونس وهي مدة تجاوزت ال6 عقود بما يعني أنها عايشت أهم الأحداث التي مرّت بها تونس خلال القرن 20 وخاصة الاستعمار والثورة والانتفاضات الشعبية ورغم أن الفيلم يتحلى بصيغة الشهادة يضيف العبيدي إلاّ أنه لا يتعرض إلى هذه الوقائع الهامة التي عاشتها تونس في القرن ال20 فالشريط يسجل فقط بعض فترات حياة هذه العجوز.. وهذا النوع من الأشرطة الوثائقية يؤكد صاحب الشهادة بدأ في خلق أشرطة وثائقية مجرّدة من التحليل السينمائي.. فالأزمة إذن يقول علي العبيدي هي «أزمة مواقف وغياب للمعالجة الفكرية والجمالية والسيناريو هو تقنية لا غير، والسينمائي التونسي يحذق هذه التقنية»، حسب العبيدي لكنه يغض الطرف عن الظروف الاقتصادية والسياسية متوهما أنّ ذلك سيبقيه بعيدا عن التأويلات الايديولوجية لكن في الحقيقة يخدم الايديولوجية المضافة ويجرّد الانسان التونسي..». الخلط بين المخرج والكاتب السيناريست لسعد بلحسين يقول إن أزمة السيناريو في تونس ناتجة عن سببين رئيسيين الأول رغبة المخرجين في الاشتغال على أفكارهم أي نصوصهم الخاصة بهم.. ويضيف بلحسين أنّ نسبة 95٪ من الأشرطة السينمائية التونسية كتاب سيناريوهاتها هم المخرجون أنفسهم. أمّا السبب الثاني حسب لسعد بلحسين هو انعدام الخيال أو محدوديته في سيناريوهات الكثير من الأفلام التونسية المنجزة و«كأن أصحابها ليست لديهم ثقافة سينمائية أو ليست لديهم حكايات نابعة من مجتمعنا وحضارتنا». ويضيف بلحسين: «90٪ من المخرجين السينمائيين تكوينهم فرنسي وأغلبهم لا علاقة لهم بالأدب التونسي.. لأن لدينا في القصص والروايات التونسية الكثير من المواد الخام لسيناريوهات جيّدة..». ويضيف: لسعد بلحسين سببا آخر لأزمة السيناريو حسب رأيه يبقى أساسا في كيفية تصرّف المنتجين في منحة الدعم التي تقدمها وزارة الثقافة والتي تؤثر أحيانا كثيرة في جودة العمل. وذلك من خلال التقشف في الديكور والاكسسوارات وتغيير الممثلين.. ومن جهة أخرى يقول السيناريست لسعد بلحسين: أنا مع حرية التعبير الفني، لكن مع مراعاة اشكالية جمالية النص ويصرّح أن الفنان الحقيقي هو من يستطيع أن يقدم شريطا متميزا يتقبله الجمهور ويمكن أن يشاهده أفراد الأسرة الواحدة مجتمعين وذلك متى توفر له الخيال وامتلاك التقنيات السينمائية.. ويستشهد صاحب التصريح بالسينما الايرانية التي بامكانها أن تعطي درسا كبيرا في الجمع بين الحكاية الهادفة ذات الأبعاد الانسانية والتقنيات العالية.. مؤكدا أنه متى فكر المخرج التونسي (بعد كاتب السيناريو) في تصوير حكاية ذات مضمون إنساني نبيل سوف ترتقي السينما التونسية الى مصاف العالمية وستشهد النجاح الجماهيري وتعيد الحياة الى القاعات..