ضبط أمر ترتيبي صدر مؤخرا، شروط ممارسة مهنة «عون في الإحاطة الحياتية» (Auxiliaire de vie) وهي مهنة معروفة في عدة دول متقدمة خاصة الأوروبية وتتمثل في العناية بالمسنين سواء في محيطهم الطبيعي (البيوت) او في الفضاءات المخصصة لهم .. وقد حدد الأمر المذكور الإطار العام لدراسة هذا الاختصاص وشروط تحصيل شهادة فيه حيث أسند مهمة التدريس والتكوين واسناد الشهائد الى مدارس علوم التمريض (المدارس المهنية للصحة العمومية سابقا) والبالغ عددها 13 حاليا .. ونص الأمر على أن القبول لدراسة هذا الاختصاص يكون بناء على مناظرة يضبط شروطها وتنظيمها قرار من وزير الصحة وتدوم الدراسة سنتين (كل سنة 9 أشهر) على شكل دراسة نظرية وتطبيقية وتربصات ويكون الحضور فيها اجباريا. وسينطلق العمل بهذا الاختصاص الجديد بداية من السنة الدراسية 2010-2011 وبذلك يكون تخرج الدفعة الأولى سنة 2012 ليشرعوا بذلك في ممارسة هذه المهنة الجديدة في بلادنا بشكل منظم ومقنن .. هذا التوجه فرضه اليوم أكثر من أي وقت مضى التغيير المنتظر في التركيبة العمرية للمجتمع التونسي والذي يقول عنه المختصون انه سائر نحو التشيخ .. مجتمع يشيخ يمثل المسنون (فوق 60 عاما) حاليا حوالي 9.6% من عدد السكان على ان تصبح هذه النسبة 11% سنة 2014 و 17،7 % سنة 2029 و 19.8 % سنة 2034 بعد ان كانت لا تتجاوز 4% سنة 1956 وهذا ما يعني ان المجتمع التونسي سائر نحو الشيخوخة خاصة في ظل ارتفاع سن مؤمل الحياة (74 سنة حاليا وقد يصل الى 80 في قادم السنوات) ولا بد بالتالي من عناية خاصة بهذه الشريحة الاجتماعية في المستقبل وهو ما تسعى الدولة الى تحقيقه عبر ارساء هذا الاختصاص الدراسي الجديد بعد ان سبق ان دعمته في السابق من خلال مراكز ايواء المسنين ومن خلال الجمعيات والفرق المشغلة للاحاطة بالمسنين التابعة لوزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين. خاص وعام ستكون ممارسة هذه المهنة في القطاعين العام والخاص اذ ان اصحاب الشهائد بامكانهم العمل اما في مؤسسات الدولة التي تهتم بإيواء المسنين والعجز البالغ عددها 11 حاليا او في المستشفيات أو بصفة فردية لدى طالبي هذه الخدمة في منازلهم او لدى الشركات الخاصة المنتصبة لتوفير هذه الخدمة. شركات فتحت الدولة منذ سنوات أمام الباعثين الخواص المجال لاحداث شركات خاصة تقدم خدمات طبية وشبه طبية واجتماعية لكبار السن بالبيت عددها الآن حوالي 5، اضافة الى وحدة اقامة قارة لايواء كبار السن تابعة لمؤسسة خاصة .. خدمات تقدم شركات الخدمات هذه عن طريق أعوانها خدمات مختلفة داخل البيوت بشكل لا يؤثر على النسق اليومي والعادي لحياة المعني بالاحاطة وعاداته الغذائية وغيرها، وهي الخدمات نفسها التي يقدمها أعوان الاحاطة الحياتية في أوروبا وذلك وفق ما ذكره ل «الشروق» مصدر من احدى الشركات المختصة في المجال. ومن هذه الخدمات يوجد مثلا تحضير وجبات الطعام وتنظيف الملابس وترتيب الغرف وشراء الحاجيات اليومية ومراقبة المسن عند النوم والنهوض و طوال الليل والنهار ومساعدته على الدخول الى بيت الراحة وعلى ارتداء الملابس وعلى التنزه وقراءة الصحف وغيرها من العادات المعيشية الأخرى للمسن دون التأثير على حريته ودون اشعاره بالحرج .. كما تقدم هذه الشركات أيضا خدمات التمريض وتقديم الدواء فضلا عن امكانية توفير خدمات النصح بالعلاج عن طريق طبيب مختص. اختصاص تنشط الشركات المذكورة حاليا بناء على تراخيص من وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين. وعلمت «الشروق» أنه هناك توجه نحو اعداد كراس شروط ينظم القطاع .. ومن المنتظر ان ينص الكراس على ضرورة توفر شرط الحصول على شهادة عون في الاحاطة الحياتية من احدى مدارس علوم التمريض لممارسة هذه المهنة سواء في القطاع العمومي أو لدى الشركات الخاصة او عند ممارستها بصفة فردية .. وهو ما «سيؤدي الى الارتقاء بجودة الخدمات في هذا القطاع و الى مزيد تنظيمها بما يكسب ثقة الناس فينا» حسب ما ذكره المصدر المتحدث من احدى شركات خدمات الاحاطة الاجتماعية الناشطة الآن مضيفا «ننتظر تطبيق مثل هذا الاجراء لانه سيحد من الدخلاء على القطاع وسيعزز الثقة في شركاتنا خاصة ان الاختصاص جديد على مجتمعنا وحساس للغاية بما انه يهم فئة حساسة بدورها وهي المسنون الذين هم في نهاية الأمر آباؤنا وأمهاتنا، ولا أحد سيرضى بوضع والديه او احدهما بين أياد غير أمينة وغير مختصة». تباعد يرى كثيرون أن مثل هذا التوجه من شأنه التأثير على العلاقات العائلية اذ قد يشجع على ترسيخ التباعد بين الآباء والأبناء بما أن الإبن قد يرتاح لوجود مكلف بالاحاطة الحياتية بوالديه فيقل اهتمامه بهما وزياراته لهما في منزلهما خاصة عندما يكون قاطنا بعيدا عنهما ويكتفي فقط بالتنسيق مع مسدي الخدمة ودفع الأموال له .. عن هذا التخوف يقول المتحدث باسم احدى شركات خدمات الإحاطة الحياتية انه غير مبرر، بما ان عون الاحاطة سيكون بعد تكوينه بمثابة الإبن الحقيقي للمسن، اذ ستكون لديه المعارف والقدرة على عدم ترك المسن يشعر بابتعاد أبنائه عنه .. وفضلا عن ذلك يواصل محدثنا - لا يمكن ان نتصور في مجتمعنا الذي عرف عنه التآزر العائلي وقوة صلة الرحم وحب الأبناء لآبائهم واحترام تعاليم الدين الاسلامي في هذا المجال (عكس بعض المجتمعات الغربية) أن ينسى ابن والديه بسبب وجود عون احاطة متكفل بهما، او ينقطع عن زيارتهما.. فكل ما في الأمر هو تغير في نسق الحياة وخروج الأبناء ذكورا واناثا للعمل وكثرة مشاغلهما بشكل يجعلهما غير قادرين على التوفيق بين هذه المشاغل والاعتناء طوال الليل والنهار بالوالدين المسنين ..