71٪ من النساء و52٪ من الرجال في تونس يعانون من زيادة الوزن.. وما لا يقل عن 10٪ من الأطفال دون ثلاث سنوات يعانون من السمنة. تصدّرت هذه الأرقام حصيلة مسح وطني حول الحالة الصحية والتغذية في تونس أعدّه معهد التغذية عام 2005 وتم تحيين بعض أرقامه عام 2006. ويتوقّع المختصون زيادة في هذه الأرقام خلال السنوات المقبلة... اذ صرّح الدكتور صابر الدخلي الاختصاصي في مرض السمنة والسكري وأمراض التغذية ونائب رئيس جمعية علوم التغذية أن أكثر من 7٪ من الأطفال في تونس يعانون من السمنة كمعدّل وطني. ما هي عوامل هذه الزيادة؟ وما الذي حرّك شهيّة الاستهلاك لدى الأطفال؟ إشهار غير مراقب؟ أم ثقافة غذائية مفقودة؟ يتم إعداد عمليات المسح حول الحالة الصحية والتغذية في تونس لفترات زمنية معيّنة أقصاها كان 7 سنوات (ما بين 1998 و2005). وانطلق منذ بداية 2009 إعداد مسح جديد سيكون «مختصرا» هذه المرة. ينتهي اعداد المسح بنهاية شهر فيفري المقبل حسب بعض المصادر. وسيتم الاعلان عن نتائجه نهاية العام الجاري. صفة «المختصر» أطلقها على المسح مصدر في القطاع الصحّي مشيرا الى أن هذه الدراسة الجديدة ستشمل عينة من إقليمتونس الكبرى فقط لتكون عيّنة وطنيّة. وذكر المصدر ان الكلفة الباهظة لإنجاز مثل هذه الدراسات والتواجد المكثّف لعدد السكان في العاصمة و«وفرة» الإشكاليات الصحية في الجهة كان الدافع لاقتصار المسح الوطني على إقليمتونس الكبرى فقط.. رغم اختلاف الخصوصيات الغذائية بين الجهات. ويتوقّع الاخصائيون صدور أرقام جديدة ستؤكد زيادة السمنة وزيادة الوزن في صفوف السكان بعد صدور آخر مسح عام 2005. لا حاجة للأرقام «لا نحتاج الى أرقام جديدة نطلب أفعالا» هكذا علّق نائب رئيس جمعية علوم التغذية ردّا على انتظارات ما سيقدمه المسح الجديد.. مشيرا الى ان ما بحوزتنا من أرقام يؤكد التقارب مع ما يتم تسجيله من إصابات بالسمنة لدى الأطفال والمراهقين في الدول الاوروبية. ويعاني حسب قوله 1 على 2 من الأطفال ما بين 3 و5 سنوات من زيادة الوزن وما بين 20 و25٪ من هؤلاء يعانون من السمنة... و«الارقام مرشحة للزيادة «حسب تعبيره». ويفسّر المختصون ارتفاع معدلات السمنة لدى الأطفال ولدى السكان عموما بعوامل عديدة أبرزها العامل الوراثي ثم الوسط المعيشي وقلّة ممارسة الرياضة والعامل الهرموني بصفة أقل. ويتفق أغلب هؤلاء على القول ان العامل الاستهلاكي يظل الأبرز في تحريك حجم البدانة بين السكان. اضطرابات السلوك الغذائي 37٪ من النساء و14٪ من الرجال و4٪ من المراهقين و10٪ من الأطفال دون ثلاث سنوات يعانون جميعا من البدانة حسب ما جاء في نتائج المسح المنجز عام 2005 وحسب ما تم تحيينه من أرقام عام 2006. ويرى الدكتور الدخلي الاختصاصي في أمراض السكري والسمنة وأمراض التغذية ان التونسي يعيش على وقع تغييرات في السلوكيات الغذائية متأثّرا بحجم الدعاية والإشهار. ويؤكد ان التثقيف الغذائي وحده اصبح حلاّ لا ينفع للحدّ من إصابة السكان بالسمنة اذ تأكدت الحاجة اليوم الى خطوة أخرى بديلة تساند جهود التثقيف الغذائي. وأشار الى تواصل اضطراب السلوك الغذائي لدى الطفل ما دام عرضة للدعاية والإشهار. ربع ساعة من الاشهار غير المراقب تبيّن احصاءات أحد المكاتب الخاصة ان الاشهار الغذائي تحوّز يوم 13 جانفي الجاري موعد المقابلة الأولى للمنتخب الوطني في أنغولا، على 835 ثانية من المساحة الاشهارية أي حوالي ربع ساعة على شاشة قناة تونس 7 وقناة 21.. وهي النسبة الأرفع من مجموع الاشهارات... قال عنها الدكتور الدخلي إنها «تخمة اشهارية». كما تحوّز في نفس اليوم على حوالي 6 دقائق من مجموع الاشهار على قناة حنبعل الخاصة وعلى حوالي دقيقة على قناة نسمة الخاصة. احتوت تلك المساحات الاشهارية دعاية لمنتجات الحليب ومشتقاته والشكلاطة والبسكويت والحلويات ودعاية خاصة بالفضاءات التجارية الكبرى. كما تشير احصاءات المكتب الى أن قناة تونس 7 الحكومية ماتزال تحظى بنسبة المشاهدة الأعلى اذ كانت خلال نفس اليوم (13 جانفي) قبلة حوالي 35٪ من مجموع المشاهدين في تونس. ولأنها الأكثر مشاهدة فمن يراقب الاشهار الغذائي على شاشتها؟ «طرد» وزارتي الصحة والتجارة سؤالنا عن المراقبة ظل عالقا برنين هواتف لا تردّ... وانتهى انتظار الردّ عليه الى البياض إذ لم نحصل على أية، معلومة من اللجنة المشرفة على الاشهار داخل القناة. وفي المقابل عبّر أعضاء سابقون أو طالبون لعضوية اللجنة عن ضبابيّة قرار تغيبهم عن مثل هذه اللجنة. وأجمع أغلبهم أن السبب قد يكون تجاريّا بالأساس وأن تغييب بعض الأعضاء مردّه «شحن» لعائدات الإشهار الخاصة بالقناة. السيد الحبيب العجيمي ممثل منظمة الدفاع عن المستهلك قال إن المنظمة تم منعها من دخول اللجنة المشرفة على الإشهار... وأن المراسلات التي تم توجيهها إلى الإدارة العامة لمؤسسة الإذاعة والتلفزة سابقا انتهت إلى الرفوف... دون رد. ممنوعون السيد إلياس بن عامر مدير الجودة وحماية المستهلك بوزارة التجارة الذي يتولّى المنصب منذ بضعة أشهر قال إن المسؤولة السابقة في المكتب كانت عضوا في اللجنة.. لكن «على حد علمي نحن لا نحضر اجتماعات اللجنة اليوم وربما منذ فتح «السوق» الإعلامية للمستثمرين الخواص». بدوره رفض متحدث باسم معهد التغذية، ممثل وزارة الصحة العمومية في اللجنة، التعليق عن سبب غياب المعهد عن لجنة الإشهار قائلا «سأتصل بكم».. ولم يتصل. ومن الواضح أن لجنة الإشهار داخل القناة أصبحت تتكون من الشركات المروجة والمشرفين على احتساب عائدات الإشهار من إدارة القناة فقط... فعن أية مراقبة سنسأل؟ وتشير مصادر إلى أن خوصصة الإذاعات والقنوات حولت لجنة الإشهار إلى لجنة داخلية في القنوات الحكومية وفقدت مثل هذه اللجان لدى القنوات والإذاعات الخاصة. فمن يحمي المشاهد والمستمع من اللوبي التجاري؟ ومن ينقذ الأطفال من غثّ الإشهار وقاية لهم من أمراض السمنة وزيادة الوزن التي أصبحت من أولويات الصحة العمومية؟ بيّن نائب رئيس جمعية علوم التغذية أن السمنة تمثل القاعدة للإصابة بالأمراض المزمنة.. وأن 20٪ من المراهقين التونسيين المصابين بالسمنة حاليا مهددون خلال السنوات القليلة القادمة بالإصابة بمرض السكري.