تعمد وزير خارجية الكيان الصهيوني افيغدور ليبرمان اهانة تركيا عبر الايعاز لنائبه بإذلال السفير التركي لدى تل أبيب. ومع ان اسرائيل اعتذرت رسميا لتركيا، الا ان حالة التوتر لا تزال قائمة، لأن المواقف التي كانت وراء الأزمة لا تزال قائمة أيضا، فلا وزير خارجية الكيان ومن شابهه، غير موقفه من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ولا أردوغان نفسه تخلى عن مواقفه المنتقدة لإسرائيل وجرائمها بحق الفلسطينيين ولن يخلو المشهد من التصعيد المتبادل وان خفت حدته بعد الاهانة والاعتذار. يقول المراقبون إن ليبرمان السياسي الأكثر تطرفا وعنصرية يرى في تركيا تحت حكم عبد الله غول ورجب طيب أردوغان خطرا على اسرائيل. وفي المقابل تعتقد القيادة التركية ان من الواجب الانساني والأخلاقي ألا تبقى مكتوفة الأيدي وملتزمة بالصمت ازاء الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين. ولا يختلف اثنان في أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وجه لإسرائيل وقادتها صفعات متتالية ليضع الجميع في سلة الثمار العفنة لكيان غاصب نشأ بالقتل والإرهاب. ولا يبدو ان ليبرمان نسي لأردوغان تلك الصفعات، ولم يجد على الأقل في الوقت الراهن الا اذلال السفير التركي لدى تل أبيب، لكن سهامه المسمومة إرتدت إليه، ليظهر في حجمه الحقيقي : حارس حانات وتاجر مومسات رخيص، أبعد ما يكون عن السياسة، والأعراف الديبلوماسية، فالطبع غلاب في أحيان كثيرة. رجل المهمات الصعبة اختارت إسرائيل - مع كل أزمة ديبلوماسية - التهدئة مع تركيا حفاظا على مصالحها، لكن رجب طيب أردوغان لم تكن تعنيه المصالح ما دام الأمر يتعلق بكرامة أمة وشعب وعلى اعتبار ان النطق بالحق فضيلة، اختار أردوغان الشرف والكرامة حتى لو تضررت المصالح. يقول المقربون من أردوغان انه من الشخصيات المعتدلة والمتزنة، ومن المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية لذلك لا يفوت فرصة الا ويذكر ويذكّر بالجرائم الاسرائيلية، ليكون في كل مرة الأكثر عرضة للانتقادات الدولية والاسرائيلية وحتى التركية (من قبل العلمانيين الحريصين على التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل). بدأ حياته السياسية مبكرا وعايش التقلبات السياسية في بلاده منذ سبعينات القرن الماضي، لكن بفضل خبرته وحنكته تمكن من انتزاع مكانة لحزبه «الإسلامي» في دولة علمانية يحرص الجيش على عدم خروجها عن ذلك الإطار. واجه الرجل بذكاء عاصفة الانتقادات ونجح في احتواء غضب العسكر عبر سياسة رشيدة فلم يمس بعلمانية الدولة، ولم يفرط في مبادئه ومبادئ حزبه. ولعل أبرز المعضلات التي واجهته هي انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، الملف الذي لا تزال المفاوضات بشأنه متعثرة، ولكنه أدرك انه بالامكان تجاوز هذه المعضلة عبر توجيه دفة تركيا الى عمقها الاقليمي والاسلامي، ليعزز تحالف بلاده مع دول الجوار وليبني تحالفات متينة مع سوريا وايران ودول الخليج. وقد وجه بذلك رسالة قوية لأوروبا بأن بلاده لاتستجدي الانضمام، وان قدر لها وان انضمت الى الاتحاد الأوروبي فمن موقع قوة وكرامة. لم تثنه الضغوط الخارجية عن صفع الصهاينة كلما اقتضت الضرورة ذلك، فالرجل أهان رئيس الكيان في 29 جانفي من عام 2008 في مؤتمر على هامش مؤتمر «دافوس»، حين نعته وقادة اسرائيل بقتلة الأطفال والعزل، وحين غادر الجلسة احتجاجا على منح شيمون بيريز اكثر من الوقت المخصص له للدفاع عن الجرائم الإسرائيلية بحق أهالي غزة، وأعاد الكرة لاحقا بأن طالب بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة وقال إن قادة اسرائيل يجب ان يجروا الى المحاكم الدولية، ثم زاد على ذلك بأن دافع عن برنامج ايران النووي وحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية، منتقدا النفاق السياسي الغربي وسياسة الكيل بمكيالين، بالقول ان على المجتمع الدولي ان يحاسب اسرائيل فهي من يمتلك مفاعلات وقنابل نووية تعد بالمئات. شجاعة الرجل وجرأته جعلتاه بطلا قوميا في بلاده ورفعتا من شعبيته عربيا واسلاميا بوصفه حارسا وحاميا للكرامة العربية والاسلامية. رجل المهمات القذرة وان كان أردوغان الثائر حارسا وحاميا للكرامة ونصيرا لقضايا أمة فرط اصحابها في حقوقهم فان ليبرمان المعروف بأنه حارس «بارات» (حانات) قبل هجرته الى الكيان الصهيوني مصنف حتى في الأوساط الإسرائيلية ضمن بارونات الفساد وثمة قضايا تلاحقه الى اليوم رغم انه التحف بعباءة الخارجية علها تحميه من الملاحقات لكن في كيان كإسرائيل، ترتفع فيه أسهم الفاسدين والأكثر تطرفا وعنصرية، وليبرمان جمع كل صفات الخسة والاجرام، ويكفي ان هذا المنبت القادم من جمهوريات الاتحاد السوفياتي (سابقا)، لم يصل الى منصبه الحالي الا عبر التصعيد والعنصرية، فهو الداعي الى قصف مصر وإلقاء العرب في البحر وهو الذي غطى جرائم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو (في السابق) وهو الأداة القذرة لتنفيذ المهمات القذرة. بين سجل أردوغان المنحدر من عائلة فقيرة والمناضل السياسي والرجل الشجاع في زمن عزّت فيه الجرأة والشجاعة، وبين سجل ليبرمان الإجرامي، بون شاسع، فشتان بين حامي الكرامة والمدافع عنها، وبين حارس الحانات، تاجر الأعراض.