كم يخشى الغزاة من الذكريات , كم يرعبهم استحضار التواريخ وسرد الحكايات.. بالأمس فقط دعت حكومة المالكي الأردن إلى منع المؤتمرات والندوات التي تمجد الرئيس الشهيد صدام حسين بعد أن أحيى الأردنيون مؤتمرا لدعم المقاومة العراقية.. وقبله ارتعدت فرائص سلطة المنطقة الخضراء بعد أن علمت بعزم عمّان على تسمية إحدى طرقها الرئيسية باسم الراحل صدام حسين.. لم تجتهد سلطة المالكي كثيرا في سرد الحجج الواهية لتبرير موقفها.. فذات الحجج الأمريكية والبريطانية ل«شرعنة الغزو» استعملتها.. ونفس المتهم كيلت له التهم كذبا وزورا وبهتانا.. بيد أن هذه المرة غير كل مرة.. فصدام حسين انتقل إلى جوار ربه.. والبعث غادر السلطة.. وعائلة صدام حسين استشهد أبناؤها.. وعراق اليوم مرتع لكل التدخلات الإقليمية ومساحة حرة لتصفية الحسابات الدولية.. فلماذا يخاف الغزاة والعملاء من الذكريات ؟ ألأنها تعيد للذاكرة مشاهد الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والتربوي, أم لأنها ترجع العراقيين إلى زمن السيادة والأمن والمناعة , أم لأنها تستحضر العراق المشروع.. والنموذج.. والعروبة ,أم لأنها تذكر الماجدات بلحظات الأنفة والشموخ وتعيد للمدن تسمياتها وللثورة نارها وأوارها.. لعل المالكي أراد من هذه الخطوة أن ينسى العراقيون أنه محكوم بالإعدام من قبل قضاء العراق المستقل السابق, وأن يتناسوا كيفية دخوله في جنح الظلام إلى العراق ليلة العدوان الغاشم على أرض الرشيد.. أو أنه تعب من المقارنات بين عراق البعث , وعراق العبث وأرهقه تذكر وقفة الرجال على حبال المشانق فلا استطاع أن يكون منهم ولا استطاع أن يمحوهم من أذهان العراقيين.. مؤتمر واحد فقط , غنى للمقاومة وانتصر لقائدها وملهمها حيا وميتا.. مؤتمر يتيم كان قادرا على أن يقض مضاجع عملاء الاحتلال في برهان بليغ على هوان «المدفعية الإعلامية» التي تطبل «للعراق الجديد» وعلى عجز مئات القنوات الطائفية والقبلية عن تشويش الذاكرة العراقية الأبية.. وعلى فراغ شعارات الديمقراطية الجوفاء.. مؤتمر واحد باعتمادات لا تبلغ معشار اعتمادات قناة تلفزيونية طائفية , وبحضور لا يتجاوز المئات ,دفعت المالكي على إعلان الطوارئ وعلى تجييش جوقته الدعائية.. ذلك أن المؤتمر حرك سواكن العراق واستحضر الرموز.. ومن استحضر العلا احتقر الحفر.. 7 سنوات على الغزو إلا قليلا , و3 سنوات على اغتيال صدام ,والغزاة لا يزالون يخافون من الذكريات، يتوجّسون من إسم صدام وشكله ولباسه وتوجهه وصيحته ووقفته وضحكته ودمعته وحتى.. كفنه وقبره.. هم يريدون عراقا بلا ذكرى وبلا تاريخ حتى يتسنى لهم أن يفعلوا بالحاضر والمستقبل ما يشاؤون.. ولكن عبثا يحاولون فصدام الرمز والبعث التوجه سيبعثان في كل جنين وسيولدان مع كل وليد، يكفي أنهما صدقا وعدلا وضحيا وفديا العراق ببؤبؤة العين.. حتى يحفظا في التاريخ ويحفظا من تدليسات مؤرخي الاحتلال.. لذلك ولغيره ,,هم يخافون من الذكريات. والعراقيون الشرفاء يخافون على الذكريات ويقولون على هذه الأرض ما يستحق الاستشهاد والحياة..