حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يواصل صاحب المذكّرات كشف العلاقات المصرية التونسية، انطلاقا من الزيارة التي قام بها «سي أحمد بن صالح» بطلب من بورقيبة الى مصر... كان لقاء الوفد التونسي الذي يترأسه الاستاذ أحمد بن صالح، وقابل عبد الناصر... يضيف صاحب المذكرات بالقول: «هيّأنا الاسباب لزيارة بورقيبة الى القاهرة... وذلك خلال زيارة الوفد التي ذكرت تفاصيلها آنفا»... وهنا سألت صاحب المذكرات: وما هي المشاكل التي شابت العلاقة بين تونس ومصر؟ فقال: «نحن ذهبنا الى مصر لنجعل العلاقات طبيعية، بما في ذلك السند الاقتصادي من حيث التبادل التجاري والخبرات... وقد تم الاتفاق على أن تكون زيارة الرئيس بورقيبة زيارة رسمية الى مصر، والتي جاءت بعد عام تقريبا، من زيارتنا التحضيرية... وهي الاولى»... ويضيف دون أن أسأل عن فحوى زيارة بورقيبة وتركيبة وفدها، بالقول: «كانت زيارة موفّقة، تلك التي أداها الرئيس بورقيبة الى مصر، وكان ذلك سنة 1965، وقد شابها بعض «التشويش» أحيانا، من حيث العلاقة الشخصية، بين ناصر وبورقيبة»... سألت صاحب المذكرات عن مقصده مما تقدم من كلامه فقال: «وقعت بعض الاشياء مدة الاقامة، إقامة بورقيبة والوفد المرافق له... كنت معه ضمن الوفد الى مصر، وبعد المرحلة المصرية من جولة بورقيبة التي قادته الى «أريحا» كما هو معلوم، كانت لي مهمة في أوروبا، والتحقت بالرئيس في السعودية»... طلبت من «سي أحمد» مزيدا من المعلومات عن لقاء بورقيبة وعبد الناصر، خاصة، وأن اللقاء الذي جمع الرئيسين في بلغراد، سنة 1962 في مؤتمر عدم الانحياز، شابت أحد لقاءاته بين الرجلين، ما يشبه «التنابز» حين قال بورقيبة لعبد الناصر وهما على طاولة عبد الناصر لفطور الصباح، «أنك بعثت من سيقتلني»... فكان الجو ملبّدا... حسب ما وصف لنا صاحب المذكرات تلك الحصة، المهم يقول «سي أحمد» عن زيارة بورقيبة لمصر سنة 1965 إن و«في كلمة العشاء، ألقى بورقيبة كلمة، ذكر فيها كلمة «الغرور»... (وكان يقصد عبد الناصر على الارجح) ومن الغد، كان في برنامج الرئيس بورقيبة إلقاء محاضرة في الجامعة المصرية، غير أن المحاضرة وقعت، وعبد الناصر لم يحضرها... وكان الوزير الاول لدى عبد الناصر، سنة 1965 ( علي صبري) قد ربطتني معه علاقة طيبة... بحيث، دعاني في ذكرى «ثورة يوليو» لما كنت في المنفى، وكان منظم تلك التظاهرة (الصحفي الكبير) محمد حسنين هيكل، وكذلك ضياء الدين داوود رئيس الحزب الناصري... وعن المداولات بين الرئيسين، سألت «سي أحمد» عن: كيف تمت وبماذا تميّزت؟ وقد كان التوقيت مفصليا سنة 1965، فقال: «خلافا لما قيل، فقد حضرت الجلسات والمحادثات بين عبد الناصر وبورقيبة، وتحديدا أذكر أنني حضرت جلستين، من المحادثات بين بورقيبة وعبد الناصر، وكان يسودهما وئام على ما أتذكر... فقد حضر المشير عبد الحكيم عامر الى جانب عبد الناصر وكنت أنا حاضرا الى جانب بورقيبة، فقط، لم يكن هناك شخص خامس... هاتان الجلستان اللتان وقع فيهما تبادل للكلام من نوع ما وقع في بلغراد»... قلت في سؤال: من نوع ماذا؟ فقال: «كان بورقيبة يردد في موضوع فلسطين بهذا القول: هذا الموضوع (فلسطين) لازم تنهيه... يجب أن يكون له حل»... وكان عبد الناصر يرد على كلام بورقيبة: «وهو كذلك، سي الحبيب»... وقد أعادها بورقيبة ثلاث مرات، فما كان من عبد الناصر إلا أن قال له بالاخير: «طبعا يجب أن ينتهي المشكل... ولكن من منطلق قوة، يا سي الحبيب»... المشكلة تكوّنت، عندما ذهب بورقيبة الى «أريحا» بفلسطين، وألقى خطابه الشهير، وقال فيه: ... و«عبد الناصر موافق»... وذلك بدون تفسير وبدون أن يذكر أن عبد الناصر قال له: من منطلق قوة يحلّ المشكل. فقد قال بورقيبة: «نحن متفقون» فقط... ولكن هل تعكّر جو العلاقات بين تونس ومصر بسبب هذا العنصر فقط... الاستاذ أحمد بن صالح يكشف النقاب عن سبب آخر لتلبّد أجواء العلاقات بين البلدين... إضافة الى تفاصيل أخرى عن موضوع خطاب أريحا... وهذا ما سنراه، لاحقا، إن شاء الله...