حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي بين تونس (بورقيبة) ومصر (عبد الناصر) مرّت سحب شابت العلاقات.. وتلبدت أجواء بين البلدين، وصلت حدّ التشنّج.. هذه الأجواء التي عرفت ذروتها سنة 1965 بمناسبة خطاب بورقيبة في أريحا، حول قرار تقسيم فلسطين.. كان صاحب المذكرات حاضرا الى جانب بورقيبة، في محادثات رئيس الدولة مع الرئيس جمال عبد الناصر في مصر.. وقال في الحلقة الماضية، كيف ان بورقيبة كان يكرّر لعبد الناصر انه لابدّ من حل القضية الفلسطينية وكيف كانت موافقة الرئيس المصري مشروطة بأن يكون الحل «من منطلق قوة» يقول عبد الناصر.. وعندما وصل بورقيبة الى مدينة اريحا الفلسطينية، ولم تكن محتلّة وقتها، حيث كان ذلك سنة 1965 قال انه متفق مع عبد الناصر على الحل، والحل الذي قاله بورقيبة كما هو معلوم قبول قرار التقسيم.. وهنا يضيف «سي أحمد» قبل ان يلقي مزيدا من الضوء على مسألة خطاب «أريحا» اما الأمر الثاني الذي كان مثار تشنّج في العلاقة فهو موضوع الاعتراف وقتها، بألمانياالشرقية.. بطبيعة الحال، بورقيبة لم يكن موافقا.. وما علمناه، أنه، وفي الأول، لم تكن مصر مستعدة.... ولكن لا أعرف إن كان حال وصولنا أو خلال مدة اقامتنا في مصر بمناسبة الزيارة المذكورة اعترفت القاهرة بدولة ألمانياالشرقية.. ولعلّ هذا الأمر الى جانب العبارات المنقوصة من هذا وذاك (بورقيبة وعبد الناصر) مما سبّب بعض التشنّج.. الخلاصة هي ان زيارة بورقيبة الى مصر كانت ناجحة في الجملة... مع تأزمات قارّة. قلت ل «سي أحمد»: تأزمات ايديولوجية أم شخصية؟ فقال: «لعل الأمور النفسية تراكمت مع اختلاف في التوجهات والعلاقات الايديولوجية لأن مصر في ذلك الوقت، لم تر بدا من التعاون مع الاتحاد السوفياتي في ما يتعلق بمشاريعها الكبرى.. وهذا جرّاء تلدّد القوى الغربية فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى في مصر.. قلت في سؤال: هل يمكن اعتبار ان الجلستين بين الرئيسين خلال زيارة بورقيبة الى القاهرة كانتا حاسمتين؟ فقال في معرض ردّه: «هو كل ما حصل..» اي ما ذكره... قلت ل «سي أحمد» انت كنت حاضرا في الجلستين الحاسمتين اللتين تم فيهما الحديث عن حلّ القضية الفلسطينية، ولم يكن التفاهم قد وقع وفق ما ذكره بورقيبة، أي بدون شرط عبد الناصر، ان يكون الطرف العربي قويا... اي من منطلق قوة تحلّ.. وهذا الموضوع نفسه أثير في جلسة «بلغراد» عندما دعا عبد الناصر بورقيبة (1962) على طاولة فطور الصباح... وقد تحدثنا عن ذاك الأمر .. لكن هل سمعت عبد الناصر موافقا على قرار التقسيم 181؟ لا.. لم أسمع هذا... ما اعرفه هو انه مستحيل ان يعلن بورقيبة عما سيقوله من قبل.. هو يحبّ المفاجآت. قلت: يعني لم تكونوا على علم لا بخطاب أريحا وفحواه، ولا بما قاله لعبد الناصر في بلغراد وفي القاهرة؟ قال «سي أحمد»: أبدا... ان شيئا من هذا لم يحدث.. بورقيبة يحبّ، كما قلت الآن، إحداث المفاجآت.. ثم إن الزيارة الأولى كانت مريحة ولكن الزيارة الثانية لم تكن صافية تماما.. كأنه خلاف مذهبي او جوهري بين عبد الناصر وبورقيبة.. وهذا ليس غريبا، لأن الخيارات التي كانت مفروضة على مصر وقتها وعلى عبد الناصر بالذات، لا يؤمن بها بورقيبة»... قلت ل «سي أحمد» مقاطعة: وربما هناك خيارات كانت مفروضة على بورقيبة، اي الخيارات الأخرى (وكنت أقصد التوجه نحو الغرب).. فقال صاحب المذكّرات وبسرعة: «ولكن أنا خرقتها.. ذهبت الى موسكو من أجل مسألة جلب الماء من بنزرت الى الوطن القبلي.. اذ ان البنك الدولي رفض حتى ان ينجز دراسة جدوى لقناة تمتدّ من بنزرت الى الوطن القبلي.. وهنا عاودت السؤال قبل ان ندخل في هذا الملفّ الذي يرويه بن صالح بكل تفاصيله، وقلت له: ماذا حدث في أريحا، وأعرف أنك لم تكن مع بورقيبة وقتها؟ فقال: «بورقيبة وعندما قال «إننا متفقون» على الحل، لم يذكر ان عبد الناصر قال له بشرط ان يكون من منطلق قوّة... وعندما استثنى بورقيبة تلك العبارات ثارت ثائرة عبد الناصر..