حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي «قبيل مؤتمر بنزرت، وكما ذكرت آنفا، عند تعرّضنا الى أحداث سبقت سنة 1964، كنت متبنّى من الديوان السياسي للحزب، بقرار من رئيس الجمهورية، وعندما وصلت فترة الاعداد لمؤتمر الحزب الحرّ الدستوري، وتحديدا في فترة اعداد ملفّات مؤتمر بنزرت، كان من مسؤوليتي، وبطلب من الرئيس بورقيبة، أن أعد وثيقة فكريّة إيديولوجية... وقد تحدّثنا مع بورقيبة حول صيغة الحزب وتسميته... وأذكر أن عددا من المسؤولين في الحزب، اقترحوا اسما جديدا أو تسمية جديدة «للحزب الحر الدستوري»، ليصبح «الحزب الاشتراكي البورقيبي»... وما كان منّي إلا أن أقنعت بورقيبة وبالحجّة، أنه لو تقع تعثّرات في المسيرة، فإن اسمك هو الذي سيتحمّل المسؤولية... قلت له اذن لماذا تضع اسمك وتضمّنه في تسمية أو اسم الحزب، ليكن اسمه: «الحزب الاشتراكي الدستوري». وهنا سألت صاحب المذكّرات: كان مقترح الجماعة، بأن يكون حزب بورقيبة، من باب التزلّف والمزايدة، أليس كذلك؟ فقال بحزم وفي لغة الواثق الذي عاش التجربة بكاملها: «نعم، ربّما من باب التزلّف وأشياء أخرى... بالنسبة لي، الذي يهمّني طوال المسيرة، أن نخرج من «الشخصانيات» الى المبادئ والأهداف التي تعنى بمصير المجتمع». وهنا قلت ل «سي أحمد»: ماذا عن الوثيقة التي طُلب منك اعدادها للمؤتمر؟ فقال: «الوثيقة تطلّبت مني أسابيع لاعدادها... لم يشارك فيها، أي أحد في اعدادها، غيري... قدّمت النص النهائي الى الرئيس بورقيبة ووافق عليه، وعلى تطبيقه في الحال، عبر الديوان السياسي... والوثيقة، لا شك وأنها موجودة الآن في الحزب، وفيها على ما أذكر جيدا، مقدّمة مذهبية... من جهة أخرى، ولما كان عليّ وضمن البرنامج، أن ألقي محاضرة، أو تدخّلا طويلا أمام اللجنة السياسية للمؤتمر، كان لي ذلك، وقد ألقيت الكلمة المطوّلة شفاهيا، حيث لم أتعوّد أبدا أن أكتب خطابا من خطاباتي التي ألقيها في شتى المناسبات... لم يغب أحد من كبار المسؤولين في الحزب، عن تلك الجلسة، التي بسطت فيها محتوى التحوّل من «الحزب الحر الدستوري» الى «الحزب الاشتراكي الدستوري» وكانت حسب ما تبيّن واضحا من الحضور، حضور كلّ المسؤولين الاصليين في الحزب، لم تقع أيّة معارضة لما قلته». ابتسم «سي أحمد» ولم أعرف سرّ سكوته فجأة واطلاقه ابتسامة، وقبل أن أهمّ بالسؤال واصل كلامه: «الحقيقة وقعت معارضة واحدة، ممتازة جدا، وهي أن هذه المحاضرة، التي صفّق لها الكثيرون، والتي ألقيتها أمام اللجنة السياسية للمؤتمر، لم يقع تسجيلها... رغم وجود آلة التسجيل المخصّصة لذلك... وكنت أتكلّم في «الميكروفون» على أساس أنها تسجّل لكن في الحقيقة، لم يسجّل شيء، وكان المقرّر أي المكلّف بكتابة التقرير معوّلا على التسجيل، فلم يكتب شيئا... في حين كان المكلّف بالتسجيل قد نسي، وهكذا قال: نسيت أن أضع خيط الكهرباء وأوصله بآلة التسجيل عبر الميكروفون». قلت ل «سي أحمد»: هل تتذكّر أهم الافكار في هذه المحاضرة؟ فقال: «الأفكار الجوهرية تعيش بداخلي... ولا أبحث عنها بل أجدها عندما استقرئ ذاتي... ليست أفكارا مصطنعة، أعتقد أنني قدّمت ما يشبه الميثاق... لم يكن أمرا هيّنا... عبد المجيد رزق الله، كان مقرّر اللجنة، وقد أخذ بعض الملاحظات بخط يده، على أساس، كما ذكرت، أنه مطمئن للتسجيل... ربّما لاستصدار وثيقة عن تلك المحاضرة... ولكن حدثت طرفة مع بورقيبة، حول هذه المحاضرة». ما هي هذه الطرفة، وما حدود القصص التي تناولها المسؤولون وبورقيبة من مقترحات أحمد بن صالح في مؤتمر بنزرت؟ هذا ما سنراه في حلقة قادمة، ان شاء الله.