جلس على الكرسي صحبة ابنه لمتابعة المسرحية الحدث... طلبا للابتسامة بعد رتابة في الحياة التي جعلته يحس بالضجر ومع بداية العرض انتفض من مكانه ولعن ما يقدمه الكوميدي ليخرج صحبة ابنه وفي النفس شيء من المرارة... وفي جانب آخر طأطأ شاب رأسه بعد سماعه للكلام المنافي للأخلاق في حين احمرّ وجه مرافقته... مثل هذه المشاهد أضحت مألوفة للعديد من المسرحيات الهزلية من نوع «الوان مان شو» وتفشت بشكل يدعو للريبة فهذا الكوميدي يلمس أماكن عفته وذلك ينطق بالكلام البذيء وأخرى تلمّح لعلاقة جسدية. استفهامات عديدة وأسئلة تظل في المخيّلة لعديد العروض الكوميدية هل هي أزمة نص؟ أم حرية للتعبير وهل يمكن تجريم الممثل؟ وماهي الدواعي النفسية لطرح هذه المسائل على الملأ..؟ لإيجاد اجابة شافية ومبررات علها تقنع المتفرج... ما لاحظناه خلال متابعة العروض الكوميدية من نوع «الوان مان شو» هو الاهتمام المبالغ فيه لإثارة غرائز المتفرج والتطرق الى المكبوتات ليكون الهدف الوحيد هو اضحاك الجمهور في عرض لطفي العبدلّي «مايد إين تينيزيا» تحدث عن المثليين ولمس أماكن عفته وتحدث عن مواقف محرجة وشخصية. وبدورها فإن ريم الزريبي في عرض «إيجا وحدك» وهو عنوان كان يدعو الى عدم المجيء في شكل مجموعات عائلية لتتحدث كذلك عن العلاقات الجنسية وتلمح الى الاعضاء التناسلية... وضمن نفس الخانة في عرض توفيق العايب «مستر ميم» وأمام الجميع تكلم عن أشياء أحرجت الحضور بل تعدّى ذلك ليظهر للجميع لباس داخلي... هذه العروض وغيرها كانت في نفس الاتجاه وأضحت ظاهرة متفشية بشكل جلي جعلتنا نتوجه الى أصحاب الاختصاص في ميدان المسرح. إعادة النظر المسرحي المنصف السويسي أوضح بأنه مع حرية التعبير وفي المقابل يتمسك بالقانون الذي يضمن حق المواطنة ويستدرك ان العروض التي تمس من حياء المتفرج تستدعي المراقبة والمتابعة المستمرة من لجنة التوجيه التي تمنح التأشيرة حتى لا يتجاوز الفنان ما هو مسموح به ليؤكد السيد المنصف السويسي ان الرقابة الأساسية تكمن في مراقبة الضمير من قبل الفنان حتى لا تصبح هذه الظاهرة متفشية. وبالتالي لا تحصل الاساءة داخل المجتمع المدني...وضمن نفس السياق فقد ذكر الممثل عبد اللطيف خير الدين أن هذه الظاهرة أضحت مستفحلة في جل العروض مما يؤدي الى فساد الذوق. ويرى أن الفنان الحق كان لزاما عليه ان ينهض بالذوق العام ويحاول اصلاح الاعوجاج الأخلاقي لا أن يسقط في الابتذال وعن وجود أزمة نص فقد أوضح عبد اللطيف خير لا لوجود لها إلا أن الأزمة يخلقها الفنان إذ يتحول الى مخرج وكاتب سيناريو وموظب ركح.. ويختم عبد اللطيف حديثه أنه لا بد من الوقوف لهذه الظاهرة من إعلاميين ومسرحيين وصرامة من لجنة المراقبة. المسرحي نور الدين سعيد بيّن أن ظاهرة تفشي الألفاظ السوقية أضحت مألوفة في السنوات الأخيرة وهي نمط من أنماط التعبير وحرية الآراء لكن هذه الحريات سقطت في الابتذال ومسّت من حياء المتفرج في بعض عروض «الوان مان شو» ويوضح السيد نور الدين سعيد أن لغة جني الأموال بأيسر الطرق جعلت عديد الكوميديين ينتهجون هذا السلوك دون مراعاة المعايير الأخلاقية المتعارف عليها.. ويضيف أن هناك فراغ رهيب في النصوص المسرحية مما جعل البعض منهم يتوجهون الى لغة الابتذال إن صح التعبير. آراء أهل الاختصاص كانت تنادي بوجوب إعادة النظر لكن ما هي الدواعي النفسية التي جعلت هذه الظاهرة متفشية؟ عن هذا السؤال أجابنا السيد عماد الرقيق مختص في علم النفس الذي أفادنا أن الفن الحق لا بد أن يكون راقيا من ناحية ومن ناحية أخرى لا يمكن فصله عن الواقع فالفنان لا بد أن يحتكّ بالواقع ويعايش المنظومة ولكي يتطرّق الى المواضيع غير المباحة في مجتمعنا لا بد أن يقوم بالإيحاء دون الغوص أو التحدث مباشرة عن لغة الجنس.. وعن تفشي هذه الظاهرة يؤكد السيد عماد الرقيق أن الحديث عن هذه المسائل تصبّ في خانة لفت الانتباه لا غير ويؤكد أنه لا بد من التأطير فالكوميدي عليه أن يلتجئ الى عالم نفس وعالم اجتماع حتى يؤدي رسالته عن حقّ كذلك لا بد من قراءة نفسية المتفرج وتهذيب النص حتى يندثر الاحراج وتحصل المتعة الترفيهية..