شيئا فشيئا غرق الترجي في فخ أزمة كبيرة كان بالإمكان تفاديها وتجاوز آثارها السلبية بما أن بوادرها كانت واضحة للعيان ولا تحتاج إلى ذكاء كبير لتوقعها.. الأزمة أصبحت حقيقة قائمة رغم تصدر الفريق حتى الآن لطليعة البطولة وتحقيقه سلسلة من الانتصارات منذ بداية الموسم وعلى الرغم أيضا من أن المسيرة في كل الفروع إيجابية جدّا إن لم نقل متازة إلى أبعد الحدود. الأصداء الواردة من المحيط القريب للترجي تؤكد على أن رحيل فوزي البنزرتي أضحى مسألة وقت لا غير وتحديدا مرتبطا بالوجه الذي سيظهر به الفريق في المباراة المقبلة مع الأولمبي الباجي ونجاح الترجي من عدمه في إيقاف نزيف العثرات وإضاعة النقاط في سباق البطولة وإذا كان عدد من الوجوه المؤثرة في حياة شيخ الأندية التونسية يحمّلون فوزي البنزرتي جزءا هاما من المسؤولية في ما وصل إليه زملاء نوارة مؤخرا انطلاقا من المرحلة التي سبقت «كان» أنغولا وصولا إلى الفترة الحالية حيث يُعاب عليه ضعف اهتمامه بما احتاج إليه الفريق على صعيد التحضيرات لمرحلة الإياب وكذلك الانتدابات إضافة إلى طريقة تصرفه مع المجموعة الحالية فإن هيئة السيد حمدي المدب حسب أطراف أخرى في عائلة الترجي تتحمّل بدورها جانبا من المسؤولية لأنها تركت الباب مشروعا أمام رياح هذه «الأزمة» ولم تحاول معالجة الموضوع منذ البداية وإلزام مدربها بتحديد خياره الأخير قبل الذهاب إلى بطولة إفريقيا أي البقاء في الترجي أو تدريب المنتخب الوطني وبالتالي عدم القبول بمبدإ الجمع بين الترجي والمنتخب في الآن نفسه خصوصا وأن الجميع لاحظ رغبة البنزرتي في أخذ فرصته كاملة مع المنتخب وهو أمر أمكن قراءته من تصريحاته التي سبقت كأس افريقيا للأمم عندما أكد على قصر مدة التحضيرات وعلى أن بناء المنتخب يحتاج إلى وقت علما بأن هذه التصريحات تكررت بعد نهاية ال«كان». ماذا عن مسؤولية الهيئة المديرة إذن في ما حدث؟ ألم تستقرئ فعلا ما سيحصل لاحقا وهي التي لم تتردّد مطلقا في البحث عن بديل لفوزي البنزرتي بعدما بدأت سهام الانتقادات تلاحق هذا المدرب من بعض الأطراف الفاعلة وحتى من الأحباء العاديين. نقاط تحسب لحمدي المدّب قلنا بداية أن الترجي سقط في فخ «الانتظار» والتردّد وحصد النتيجة الطبيعية لتردّده في حسم الأمور لكن «الأزمة» الحالية يمكن أن تنتهي سريعا إذا ما تم الخوض في الاشكالات المطروحة وتحديدا اتخاذ قرار نهائي بشأن فوزي البنزرتي وتوضيح خلفياته لجماهير الفريق ومن ثمة فتح صفحة جديدة سواء في وجود هذا المدرب أو في غيابه مع التأكيد على أن السيد حمدي المدب (وحتى نعطي لقيصر ما لقيصر) تصرف من منطلق وطني بحت عندما انصاع لمطلب الشارع الرياضي المتمثل في تعيين مدرب ناديه على رأس المنتخب الوطني. ما يحسب أيضا لرئيس الترجي هو تحليه بحكمة «الكبار» بعد مباراة حمام سوسة حيث لم نسمع تصريحات متشنّجة من هذا الطرف أو ذاك وتم حماية خالد القربي الذي ارتكب هفوة لا تغتفر في حق نفسه أولا وحق ناديه ثانيا فيما اتسم ردّ فعل فوزي البنزرتي بالهدوء مباشرة بعد المباراة حيث رفض بكل لطف التصريح لوسائل الإعلام وفضل «تفريك الرمانة» صلب عائلة الترجي وليس على الهواء مباشرة. البنزرتي هو الأنسب رغم ما يقال في فوزي البنزرتي فإنه يظل في نظر الكثير من الفنيين الأقدر على فهم عقلية اللاعب التونسي ومن خيرة المدربين التونسيين إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق وبالتالي يصبح تعويض هذا المدرب مسألة صعبة جدا في هذا الوقت الذي تتراكم فيه المواعيد وتتلاحق أمام الترجي ولعلّ إنجازات البنزرتي تتحدث عن نفسها فهو الذي قاد النجم إلى الفوز بالبطولة بعد 10 سنوات من «الجفاف» وهو أيضا من رفع الألقاب مع كل الأندية الكبرى التي دربها بما فيها الترجي وصعّد إلى الأكابر أجيالا من اللاعبين الشبان وربما كانت النقطة السلبية في مسيرته عدم نجاحه بما فيه الكفاية على الصعيد القاري. المنطق السليم يفرض مثلما يتضح الاحتفاظ بفوزي البنزرتي إلى نهاية الموسم الحالي على الأقل لكن القرار بلا أدنى شك ليس فقط في يد حمدي المدب ولا في يد رئيس الجامعة كمال بن عمر بل هو في يد فوزي البنزرتي نفسه فهو الذي سيحدّد في نهاية المطاف وجهته وسيختار الترجي أو المنتخب.