انتقل الحديث عن الحرب هذه الأيام من التلميح الى التصريح الى «التهديد الصريح» وتضاعفت المؤشرات الكلامية والميدانية على اقتراب موعد هذه الحرب الاسرائيلية الجديدة وسط تباين للرؤى بين من يراها ضد لبنان... وآخر يرجّح اندلاعها ضد ايران فيما تذهب تقديرات أخرى الى أنها قد تكون شاملة... الدكتور محمد أمين حطيط، العميد السابق بالجيش اللبناني والباحث والخبير العسكري الاستراتيجي البارز خصّ «الشروق» في لقاء ببيروت بحديث حلل فيه فرضيات هذه الحرب... وأبعادها... وخلفياتها... الدكتور أمين حطيط شدد في هذا اللقاء على ان اسرائيل «تريد» هذه الحرب لكنها تبدو عاجزة عن تحمّل نتائجها على الأقل في هذا الظرف الذي لم تتخلص فيه بعد من هزيمة عام 2006... الخبير اللبناني لاحظ ان حربا قريبة في لبنان مستبعدة على الرغم من الجنون الاسرائيلي الراهن. وفي ما يلي هذا الحديث: تشهد الفترة الاخيرة تكهنات متواترة بشن عدوان اسرائيلي جديد على لبنان... كخبير عسكري واستراتيجي... كيف تنظرون الى هذه التكهنات... وماذا عن احتمالات هذه الحرب اليوم؟ اسرائيل مازالت تعاني من مرارة هزيمتها عام 2006 وهي منذ أن توقّفت الاعمال القتالية اتخذت قرارا مزدوجا الاول العودة الى ميدان القتال لتعويض ما خسرته في الحرب... والثاني بناء قدراتها ووضع البيئة الملائمة لتدخل في حرب قصيرة.. وبالتالي يكون قرار الحرب متخذا أو يكون تنفيذه مشروطا بتوفير عناصر النجاح... وهذه العناصر حتى اللحظة لم تكتمل اذ ان اسرائيل رغم اعادة النظر في تنظيمها وفي بنيتها العسكرية واعادة النظر في تجهيزاتها واجراء أكثر من مناورة وبشكل تصاعدي وتكاملي فإن كل المراقبين الاسرائيليين والدوليين يجمعون على ان اسرائيل لم تكمل التحضيرات للحرب وتقرير فينوغراد نفسه يقول ان اسرائيل لم تعالج أكثر من 17٪ من الثغرات التي كشفتها حرب 2006 والمعضلة الرئيسية في اسرائيل هي ان الجبهة الداخلية تكمن في فشلها في توقّي نار صواريخ المقاومة والثانية الفشل في معالجة الاحباط والانهيار النفسي لدى العسكري الاسرائيلي والذي يتفاقم باستمرار الى درجة ان التقارير الاسرائيلية كشفت مؤخرا ان نسبة 40٪ من الشباب الاسرائيلي يتهرّبون من الخدمة العسكرية بعد ان كانت هذه النسبة 14٪... ولهذه الأسباب أقول إن حربا قريبة في لبنان لا تبدو متوقعة... انها أمر مستبعد حتى مع الجنون الاسرائيلي. إذا كانت فرضية اندلاع حرب مستبعدة كما تقولون فكيف نفهم التهديدات الاسرائيلية بشن عدوان شامل في المنطقة... ولماذا تقرع تل أبيب طبول الحرب في هذه الفترة من خلال تكثيف مناوراتها وتصعيد خطابها الحربي؟ نحن درسنا مليا هذا الامر وتوصّلنا الى نتيجة بأن اسرائيل في حاجة الى تهديدات وذلك للأسباب التالية: 1) حاجة اسرائيل الى إنتاج ستار دخاني يخفي عجزها الحقيقي عن الحرب فهي تهدد حتى تقنع العدو بقدرتها الوهمية غير المتوفرة. 2) أن اسرائيل بحاجة الى التهديد لإحداث بيئة غير مستقرة تمنع الخصم من الانصراف الى تطوير ذاته والبناء على انتصاره. 3) حاجة اسرائيل الى التهديدات ثم التراجع عنها ثم العودة الى التهديد من جديد وذلك من أجل ترويض الوعي لدى الخصم وجعله يدخل في دائرة عدم الاكتراث والاسترخاء حتى الاهمال... وهنا تعجّله بضربة صاعقة تحقق بها المفاجأة... 4) إن اسرائيل بحاجة الى التهديدات من أجل رفع المعنويات لدى جنودها لإقناعهم بقدراتها ومن أجل إرعاب الخصم وترهيبه وتضخيم الخوف لدى المدنيين في دولة العدو مما يؤدي الى ضغطهم على المقاومة بشكل أساسي... كما تظن اسرائيل لكن الذي يبدو في الافق أن اسرائيل فشلت في تحقيق أي من أهدافها التي ذكرت... إذا كانت التهديدات الاسرائيلية تعود الى هذه الاسباب التي عدّدتموها... فما هو تفسيركم إذن لخطاب قيادة المقاومة في لبنان والذي لا يستبعد بدوره نشوب حرب اسرائيلية جديدة؟ الذي يستمع الى قيادة المقاومة وعلى رأسها السيد حسن نصر الله يستنتج ما يلي: 1) أن المقاومة استفادت من الفرص والوقت المتاح لتبني على الانتصار وتفعّل قدراتها بشكل تصاعدي... وفعلا ليس سرّا اليوم أن عدد المقاومين تضاعف نحو خمس مرات مما كان عليه خلال حرب جويلية 2006... أما بالنسبة الى القدرات العسكرية فقد بات مألوفا القول بأن هذه القدرات توسّعت في الكم والنوعية والمدى والفعالية فيبدو أن المقاومة الاسلامية مرتاحة لامتلاكها أسلحة جديدة تسدّ بها ثغراتها في عام 2006... وأيضا مطمئنة الى امتلاكها صواريخ جديدة تتعدّى في مداها ثلاث مرات في عام 2006 حيث أنه لم تبق أي منطقة مغتصبة في فلسطينالمحتلة إلا وتطالها بما في ذلك المرافق الاقتصادية والاستراتيجية أي أنه مع القدرات الجديدة لم يبق مكان في فلسطينالمحتلة بمنأى عن التهديد... لكن في هذه الحالة، ألا ترون أن احتضان حكومة الحريري للمقاومة يمكن أن يشكل عنصر ضغط جديدا على هذه الحكومة... ويوفر ذريعة صهيونية للاقدام على مغامرة أخرى ضد لبنان؟ إن الوضع الحالي الذي آلت اليه المقاومة جعلها واثقة من السند والظهير بشكل أساسي فبعد أن كان هناك انقسام في عام 2006 حول جدوى المقاومة وضرورتها حصل الآن شبه إجماع على فكرة المقاومة وجدواها واعتبارها ركنا رئيسيا من أركان الدفاع الوطني التي حصرت في الجيش والمقاومة أما الاصوات التي تطلق ضد المقاومة فقد باتت معزولة ولا دور ولا وزن لها في السياسة الداخلية وحتى الخارجية .. ولهذا السبب اعتقد ان الوضع اللبناني الداخلي القائم يضيف عنصرا آخر من عناصر قوة المقاومة .. استبعادكم لعدوان اسرائيلي جديد على لبنان هل ينطبق ايضا على غزة وسوريا وايران؟ في المبدإ اسرائيل عاجزة اليوم عن خوض حروب في أي اتجاه .. ولكل جبهة خصوصيتها المانعة واستطيع ان أقول ان هناك استعجالا لضرب ايران أما بالنسبة الى غزة.. وبالرغم من أن كل المفاهيم تنطبق ايضا على الواقع الغزاوي فان هناك ثغرة في هذا الواقع الغزاوي قد تغري اسرائيل لضربها ومرد ذلك ثلاثة عناصر. 1) الواقع الفلسطيني المشتت والمشرذم والذي تتضرر منه القضية الفلسطينية بشكل جذري مع وجود أصوات على الساحة الفلسطينية تروج لثقافة المفاوضات وترفض المقاومة. 2) الواقع السياسي والجيواستراتيجي لغزة حيث انها تقف من دون ظهير جغرافي تستند اليه .. 3) الوضع العربي الذي يختزل في عمقه رغبة في التخلص من حماس وامتداداتها الإقليمية والدولية التي تعطل المشروع الغربي في احداث تبديل لوجهة الصراع من عربي صهيوني الى عربي ايراني ..لهذا السبب بالذات أخشى من أن تستفيد اسرائيل من هذا الواقع وتوجه ضربة محدودة لغزة تراقب نتائجها لتبني عليها في المستقبل لكن اعتقد انه مع ضعف هذا الاحتمال لو أقدمت اسرائيل على مثل هذه الخطوة فلن تحقق اهدافها لأن المطلوب في غزة غير المطلوب في ايران وسوريا.. فالمطلوب في غزة هو فقط الصمود والثبات.. والصمود والثبات متوفران اليوم في غزة.. ولهذا أرى ان نتائج اي عملية عسكرية على غزة محسومة بالفشل حتى قبل بدئها.. أما لجهة سوريا فاعتقد ان احتمال حرب اسرائيلية على دمشق لا زال بعيدا.. لأن المنطقة غير جاهزة لحرب جديدة.. ولأن اي حرب لن تكون الا بداية لحرب شاملة .. واسرائيل لن تتخذ مثل هذا القرار الا اذا تبين لها انها ستحقق النصر وأن «مواطنيها» بمنأى عن نار الحرب .. وهذا ما لم يتوفر بعد.. ولذلك لا أرى ان هناك حربا واردة في القريب.. ونفس الأمر ينطبق في اعتقادي على ايران فرغم الدرع الصاروخي الأمريكي في الخليج ورغم الوهج الاعلامي الذي يتوقع اندلاع حرب وشيكة على ايران فانني اعتقد ان ما يجري هو حملة سياسية نفسية...