التفويت بالدينار الرمزي لفائدة مؤسسة مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان    تأجيل الإضراب في قطاع الفلاحة إلى 20 أوت المقبل بعد جلسة صلحية    الجيش السوري يبدأ بسحب قواته من السويداء تنفيذا للاتفاق مع شيوخ الدروز ووجهاء المدينة    شرب الماء من أجل التخسيس: خرافة أم حليف فعلي للرشاقة؟    التمديد في الايقاف التحفظي ضد هذه الشخصية..#خبر_عاجل    ردود فعل دولية تدعو إسرائيل لوقف الضربات وسوريا تطالب مجلس الأمن ببحث عواقب "العدوان"    هذا ما تقرر بخصوص اضراب قطاع الفلاحة..    رسميا: لامين يامال يرتدي الرقم 10 في برشلونة    مباراة ودية: الملعب التونسي يفوز على مستقبل المرسى 2-1    الجيش السوري يباشر انسحابه من السويداء: تنفيذ الاتفاق مع الزعامات الدرزية رغم القصف الإسرائيلي    من التعب إلى التنميل : 11علامة على ارتفاع السكر في الدم... لا تهملها!    يقنعون ضحاياهم بأنهم قادرون على مساعدتهم: ينتحلون صفة محامين ومسؤولين ويلهفون الملايين !    المركز الوطني للسينما والصورة يعلن فتح باب الترشح للمشاركة في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم عالمي    ترف للنّخبة أم احتكار للفرح؟...تذاكر المهرجانات تشعل الجدل    تاريخ الخيانات السياسية (17).. .مروان الحمار وخيانة صهره    سوسة القلعة الصغرى .. إلغاء محطة الاستخلاص    أخبار النجم الساحلي .. ربع مليار للبنزرتي وشروط الأهلي «تعجيزية»    عطر 24 وبوشناق ..وصابر الرباعي للاهتمام ...مداخيل فاقت المليار في الدورة الفارطة    الليلة: خلايا رعدية محلية وأمطار متفرقة بالوسط الغربي    الهوارية: إنقاذ طفلة عمرها 5 سنوات جرفتها التيارات البحرية بشاطئ المنطقة    الإعلان عن انطلاق الاستعدادات العمليّة واللوجستية "لأسطول الصمود المغاربي لكسرِ الحصار على غزَّة" (ندوة صحفية)    خلال 6 أشهر: المنطقة السياحية نابل-الحمامات تستقبل أكثر من 325 ألف سائح    فتح المنصة الخاصة بالتسجيل في خط تمويل بقيمة 5 ملايين دينار لفائدة الاشخاض ذوي/ات الإعاقة    بنزرت: " رحلة أجيال ، من خميس ترنان إلى فيصل رجيبة " تفتتح الدورة 42 لمهرجان بنزرت الدولي    "رَست" و"السارة و النوباتونز" يصدحان بأوجاع الاغتراب في المهجر على ركح مهرجان الحمامات الدولي    فتح باب الترشح أمام الناشرين للانتفاع بالنسبة الموحدة للدعم على جميع أنواع الورق المستعمل في صناعة الكتاب دورة 2025    كارفور تونس تواكب الدورة 59 من مهرجان قرطاج الدولي    الكاف: حجز كميات من المواد الغذائية غير صالحة للاستهلاك    بطولة قطر - نادي الغرافة يجدد عقد فرجاني ساسي لموسم واحد    تراجع عائدات صادرات التمور بنسبة 3،8 بالمائة إلى موفى جوان 2025    وزارة الدفاع تنتدب.. #خبر_عاجل    عاجل/ انقلاب شاحنة تُقل عاملات فلاحة.. وهذه حصيلة الاصابات    تجميع أكثر من مليون و300 الف قنطار من الحبوب بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    عاجل/ 61 نائبا يقدمون مقترح قانون لإحداث هيكل قضائي جديد    وزارة الشؤون الدينية تصدر مطوية "لا للمخدرات"    نابل:كهل ينتحر شنقا    الفيفا: بداية بيع تذاكر مونديال 2026 اعتبارا من 10 سبتمبر المقبل    لا تتجاهلها..علامة في يديك قد تدل على هذا المرض    يوم اعلامي حول "المتعامل الاقتصادي المعتمد" بمقر الادارة العامة للديوانة    تونس: اللحوم الحمراء قد يصل سعرها إلى 80 دينار!    شركة تونس للطرقات السيارة تعلن عن إلغاء محطة الإستخلاص "سوسة /القلعة الصغرى" إبتداء من الإربعاء    وزارة التجارة تعلن عن تنفيذ برنامج إستثنائي لتزويد السوق بمادة القهوة الموجّهة للإستهلاك العائلي    دراسة تحذر وتكشف: المُحليات قد تُسبّب البلوغ المبكر لدى الأطفال ومشاكل في الإنجاب..!#خبر_عاجل    من بينهم تونس: تعرف على تصنيف متوسط دخل الفرد في الدول العربية وأعلى الأجور    بطولة العالم لكرة اليد: برنامج مباريات المنتخب الوطني لأقل من 19 سنة    عاجل : كينيث سيماكولا يُغادر رسميا النادي الإفريقي    عاجل/ في تصريح جديد المرشد الأعلى الإيراني يهدد..    عاجل/ اختراق صيني يستهدف شبكة الحرس الوطني الأميركي..    ديار جدودنا كانت تبرد، توا ديارنا تغلي... علاش؟    الليغا: أتليتيكو مدريد يتوصل لاتفاق لضم متوسط ميدان بوتافوغو البرازيلي    محرز الغنوشي: ''رياح قوية اليوم ولا ننصح بالسباحة''    ترامب: لست في عجلة للتحدث مع إيران.. والأسلحة تُرسل بالفعل لكييف    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تاريخ الخيانات السياسية (16) .. تآمر ابن سُريج مع خاقان    القيصر يطمئن جمهوره: لا تصدقوا الشائعات، أنا بخير    تاريخ الخيانات السياسية (15)نهاية ملوك إفريقية    لحظة مذهلة في مكة: تعامد الشمس على الكعبة وتحديد دقيق للقبلة    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    









8 فيفري 1958 يوم الدماء والدموع بالساقية
نشر في الشروق يوم 09 - 02 - 2010

شهدت قرية ساقية سيدي يوسف صبيحة يوم 8 فيفري 1958 غارة جوية نفذتها 24 طائرة فرنسية خلفت 79 شهيدا وأكثر من 100 جريح وتشريد الاف المتساكنين فكان لهذه الحادثة وقعها الشديد في نفوس المواطنين التونسيين والجزائريين لكن إيمانهم كان أقوى من الصدمة باعتبار أن هذه الأحداث ستنتهي يوما ما ويعود لهذه الربوع الأمن والطمأنينة.
منذ أن توارت الطائرات عن الأنظار وهدأ أزيزها ودوي الانفجارات هبت الجماهير من سكان المنطقة لنجدة إخوانهم الذين دفنوا تحت الأنقاض لانتشال الجرحى وجمع أشلاء الشهداء بمشاركة الحرس والجيش يتقدهم والي الجهة وأعوان الصليب والهلال الأحمر الذين لم يسلموا من هذا الاعتداء الغادر في وقت كانوا يقومون فيه بعمل إنساني واجتماعي تجاه اللاجئين الجزائريين.
وبالرغم من تواضع وسائل الإنقاذ البدائية فقد أمكن لهم بفضل ما تحلوا به من اندفاع وشجاعة و حماس من إنجاز مهمتهم الإنسانية قبل حلول الظلام وحتى الاستفزازات التي قامت بها طائرة فرنسية تعمدت اختراق أجواء القرية وتصدي دفاعات أرضية للجيش الوطني لهاوإجبارها على الانسحاب لم تمنع المشاركين من مواصلة نقل الجرحى بوسائل النقل الخاصة والعمومية إلى المستشفى الجهوي بالكاف وجمع الشهداء بمكان خاص في انتظار مواراتهم التراب في اليوم الموالي.
يوم الوداع
في جو مشحون بالغضب الشديد حضر مئات من المواطنين قدموا من مختلف جهات البلاد وأهالي الضحايا الوداع الأخير للشهداء الذين تم دفنهم بمقبرة سيدي عبيد البعيدة عن بلدة الساقية بحوالي 10 كلم في موكب رهيب وخاشع أشرف عليه المرحوم الباهي الأدغم ومفتي الجمهورية الذي تولى تأبين الشهداء التونسيين والجزائريين وحضر أيضا هذا الموكب الخاشع.. إطارات وطنية ودولية ورجال الإعلام من تونس والخارج.
التحدي بالتحدي
وحتى يتخلص المتضررون من الصدمة ومخلفات الاعتداء بادرت السلطة إلى توفير كل الإمكانيات المادية والترفيهية لفائدة سكان المدينة حيث تم إنجاز قاعة أفراح في ظرف قياسي لإقامة حفلات عمومية أسبوعية أحياها الفنانون التونسيون أمثال (علي الرياحي وعلية) وغيرهم من أهل الفن والموسيقى والتمثيل والسينما بصفة مجانية.
وبالرغم من أن مدينة الساقية أصبحت ميدان حرب وقتال على مدار الساعة فإن السكان لم يتخلوا عن حضور ومتابعة الحفلات بأعداد غفيرة جدا متحدين بكل شجاعة وإقدام نيران المدفعية التي كانت تدك المدينة كلما تعرضت الثكنة العسكرية الفرنسية الحدودية لهجوم المقاتلين الجزائريين.
أيام العسر
بعد حادثة 8 فيفري أصبحت الساقية كالبركان وتحليق الطائرات ودوي الانفجارات والاشتباكات لن تهدأ على امتداد سنوات المقاومة الجزائرية خاصة منذ النصف الثاني من سنة 57 وإلى غاية إعلان استقلال الجزائر.
كانت سنوات العسر على سكان الساقية الذين كانوا عرضة لانتقام العدو ردا على عمليات المقاومة الجزائرية وهو ما حدا بالسكان إلى مغادرة منازلهم في كل ليلة والإقامة بالمناطق الريفية المجاورة والأكثر أمنا والعودة صباحا هروبا من جحيم الحرب والتهديدات التي كان يطلقها العدو بواسطة المناشير.
وبمرور الأيام تعوّد السكان على أجواء الحرب وتعايشوا معها حتى أصبحوا لا يعيرون الاهتمام بما يجري على ساحات المعارك التي باتت جزءا من حياتهم اليومية وأدركوا أنه لا مفر من البقاء بمدينتهم الطاهرة التي فيها نبتوا وعلى أديمها وخيراتها عاشوا فأنجزوا فنادق بمنازلهم يلجؤون إليها أثناء العارك.
وعلى هذا الأديم قضى سكان البلدة حوالي ست سنوات من حياتهم في الخلاء والرعب أحيانا والحسرة على فقدان عزيز عليهم طورا آخر متقاسمين في الأفراح والأتراح مع أشقائهم الجزائريين.
عودة الحياة تدريجيا
ولتأمين عودة آمنة للمنكوبين إلى مدينتهم التي هجروها وتحصنوا بالجبال خوفا من احتمال تجدد القصف قامت فرق الجيش الوطني بنصب الخيام في ساحات المدينة استعدادا لاستقبال المتضررين وإيوائهم بها وفي ذات الوقت كانت مختلف المساعدات العينية تصل تباعا إلى المنطقة بما يفي بحاجيات المتضررين الحياتية والمتأكدة.
ومن جهة ثانية كانت جهود الإطارات منصبة على إعادة الحياة وحيوية المدينة عبر استئناف العمل بالمؤسسات الإدارية والصحية والتربوية والاجتماعية وفتح المحلات التجارية وذلك بهدف تحفيز النازحين على تعمير المدينة وعدم مغادرتها بعد أن توفرت لهم كل ظروف الإقامة الملائمة.
إعادة تعمير البلدة
وفي مجال التعمير شرعت الحكومة مباشرة بعد الاعتداء في بناء مساكن تعويضية لفائدة المتضررين والمؤسسات الإدارية والصحية والثقافية وفي ظرف وجيز أصبحت قرية ساقية سيدي يوسف مدينة جديدة وعصرية تتحدى بشموخ واعتزاز العدو الفرنسي وفي هبة تضامنية لشباب العالم وشباب تونس أقيمت المدرسة الابتدائية 8 فيفري وعاد التلاميذ إلى قاعات الدراسة في يوم مشهود سنة 1960 بحضور وزير التربية ووفود الدول الأجنبية المشاركة ووسائل الإعلام الوطنية والعالمية متحدين شبح الحرب المخيّم على المنطقة.
تخليدا لأرواح الشهداء
وهكذا بعد مرور 52 سنة على حوادث ساقية سيدي يوسف يستقبل أهالي الساقية أشقاءهم الجزائريين بالزغاريد والأهازيج والأفراح لإحياء ذكراهم المشتركة ككل سنة مثل ما اسقتبلوهم أيام المقاومة الجزائرية وهم لاجئون فارون من جحيم الحرب بالأحضان والقبلات تحت وابل القنابل قائلين لهم بكل حب حللتم ببلدكم الثاني تونس أهلا ونزلتم بربوع الساقية مرحبا إنكم اليوم بين بني عمومتكم معززين مكرمين مع بعضنا في السراء والضراء.
لقد كان شعبا تونس والجزائر بالأمس معا من أجل رفع الظلم والقهر والهيمنة والاحتلال وهما معا اليوم من أجل تنمية هذه المناطق الحدودية التي أبلى سكانها البلاء الحسن في المقاومة والصمود ونالها ما نالها من قتل وخراب وتشريد لذلك آن لهم أن يعيشوا في أمن ورفاهية وازدهار وفاء لشهداء قدموا حياتهم قربانا من أجل تحرير واستقلال تونس والجزائر وردا لجميل مواطنين ضحوا بالغالي والنفيس وبالروح والدم من أجل عزة بلديهما ومناعتهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.