أحمد الجوادي في نهائي 1500 متر: سباحة تونس تواصل التألق في بطولة العالم    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    عاجل : النيابة الفرنسية تطالب بمحاكمة لاعب عربي مشهور بتهمة الاغتصاب    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025    مونديال الكرة الطائرة تحت 19 عاما - المنتخب التونسي ينهي مشاركته في المركز الثاني والعشرين    الحماية المدنية تحذر من السباحة في البحر عند اضطرابه رغم صفاء الطقس    توقعات موسم أوت - سبتمبر - أكتوبر 2025: حرارة أعلى من المعدلات واحتمالات مطرية غير محسومة    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    وزارة الفلاحة تدعو كافّة شركات تجميع الحبوب بأخذ كلّ الاحتياطات اللاّزمة والاستعداد الأمثل للتّعامل مع العوامل المناخيّة المتقلبة    الدخول لجميع المواقع الأثريّة والمعالم التاريخيّة بصفة مجانية يوم الاحد 3 اوت    تسجيل جامع الزيتونة المعمور ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟    وزارة التجهيز: تحويل وقتي لجزء من الطريق الوطنية عدد 8 بداية من يوم الاثنين القادم    طقس اليوم: أمطار رعدية متوقعة وارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بالجنوب    النادي الصفاقسي: لاعب جديد يغادر الفريق    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    موجة شهادات مزورة تثير تداعيات سياسية في إسبانيا    كولومبيا.. تعيين ممثل أفلام إباحية وزيرا للمساواة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    المعهد الوطني للرصد الجوي.. البحر قليل الاضطراب والسباحة ممكنة في النهار    محمد رمضان يرد على الشامتين بعد انفجار حفله الغنائي: "اللي معندوش كلمة طيبة يخرس!"    عاجل : القضاء الأميركي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين: تفاصيل    مباراة ودية: تغيير موعد مواجهة النجم الساحلي والنادي البنزرتي    البطولة العربية لكرة السلة - المنتخب الجزائري يتوج باللقب    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    النجم الساحلي: محمد الضاوي "كريستو" يعود إلى النجم الساحلي وصبري بن حسن يعزز حراسة المرمى    الحوثي يستهدف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي    عاجل : زلزال يهز أفغانستان    تحذير للتونسيين : برشا عمليات قرصنة ... ردّ بالك من التصاور والروابط المشبوهة    انهيار جزئي لأكبر منجم للنحاس إثر هزة أرضية بتشيلي    كريستيانو رونالدو يتحرك لعقد صفقة مدوية في الميركاتو    عرض كمان حول العالم للعازف وليد الغربي.. رحلة موسيقية تتجاوز الحدود    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    أعلام من بلادي: الشيخ بشير صفية (توزر): فقيه وأديب وشاعر درس في الجزائر وتونس    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار بولاية مونتانا الأمريكية    التوجيه الجامعي.. تلميذ متميز متحصل على معدل 18 /20 طلب شعبة الطب فوجه إلى علوم الاثار    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    حجز 735 كغ من الأسماك الفاسدة…    عاجل/ إضراب جديد في النقل..وجلسة تفاوض مرتقبة..    عاجل/ نقابة التعليم الأساسي تقرّر يوم غضب وطني وإضراب عن العمل..وهذا موعد..    على ركح مهرجان الحمامات الدولي .. لطفي بوشناق... يتسلطن    دكتورة في أمراض الشيخوخة تحذّر من اضطرابات المشي لدى كبار السن المؤدية إلى السقوط    رسميا/ الرابطة المحترفة الاولى لكرة القدم : برنامج مقابلات الجولة الافتتاحية..#خبر_عاجل    انتعاشة هامة للسياحة/ هذا عدد عدد الوافدين على تونس الى 20 جويلية 2025..    وزارة الصناعة تمنح شركة فسفاط قفصة رخصة البحث عن الفسفاط " نفطة توزر"    نتائج الدورة الرئيسية للتوجيه الجامعي 2025: تحسّن في نسبة الإستجابة لإختيارات المترشّحين    جندوبة: انطلاق أشغال صيانة طريق "سبعة مشايخ" الرابطة بين طبرقة وبوسالم    وزارة التجارة تعلن عن تحديد أسعار قصوى للبطاطا وهوامش ربح للأسماك بداية من 4 أوت    عاجل/ حجز أطنان من السكر والفرينة المدعّمة واعادة ضخها بهذه الأسواق..    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    للتوانسة: الصولد الصيفي ينطلق نهار 7 أوت... هذا هو اللي يلزمكم تعرفوه!    هام/ وزير الشؤون الدّينية يتّخذ إجراءات لفائدة هذا الجامع..    خمسة جرحى في حادث مرور خطير..#خبر_عاجل    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    اكتشاف فصيلة دم غير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    تطورات جديدة في كارثة حفل محمد رمضان في الساحل الشمالي    خطبة الجمعة: أمسِكْ عليك لسانك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الخمسين للعدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف (8 فيفري 1958)
نشر في الصباح يوم 08 - 02 - 2008

الدارس للتاريخ المغاربي يلاحظ منذ الوهلة الأولى تجذر فكرة الأخوة المغاربية في كيان أهالي المنطقة، وبالعودة إلى السيرورة التاريخية يمكن أن نستشف العمق التاريخي لفكرة الأخوة المغاربية التي عبرت عن كينونة سياسية اجتماعية واحدة لا يمكن الفصل بينها.
إلا أنه مع دخول المستعمر الفرنسي سنة 1830 إلى الجزائر. حاول هذا الأخير بشتى الطرق والأساليب الماكرة ضرب مقومات الوحدة المغاربية وفصم عراها المتجذرة في الهوية الحضارية للمنطقة وذلك بتفتتيها إلى كيانات سياسية واجتماعية متناحرة ولكنه فشل في مسعاه الدّنيء،انطلاقا من الوعي الحضاري للشعب المغاربي وتمسكه بهويته ووحدته الوطنية والحضارية.
لهذا يعتبر دور تونس في دعم الثورة الجزائرية من (1954 - 1962 ) و نصرتها في المرحلة الأخيرة والحاسمة لتصفية الاستعمار الفرنسي بالمغرب العربي.
إن البحث في الفكرة التاريخية للأخوة المغاربية يحيلنا إلى دراسة الثورة الجزائرية وعلاقتها بأهالي المنطقة لإخراجها من إطارها المحلي إلى إطارها الإقليمي حتى نتبين جدلية العلاقات الإنسانية والتاريخية بين تونس والجزائر.
كل هذا يقودنا الى إلقاء الضوء على هذا الجانب المهم والأساسي ودراسته بتمعن حتى نتمكن من الوقوف على روح التعاضد بين الأشقاء المغاربة في المحن فكانت الثورة الجزائرية ومن خلالها قضية الجزائر المحك الحقيقي الذي أظهر روح التعاضد وشد الأزر بالرغم من الصعوبات والضغوطات والتهديدات التي سلطتها القوى الاستعمارية.
ومن هذه التهديدات العدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958. ما أسبابه؟ وما هي نتائجه؟
وجدت الثورة الجزائرية الدعم الشعبي والحكومي، وتجسد ذلك في التنسيق بين الحكومة التونسية وجبهة التحرير الوطني الجزائرية في مؤتمر تونس المنعقد في أكتوبر 1956 الذي حاولت فرنسا إفشاله باختطافها القادة الجزائريين.
وقد زاد هذا الشيء في الترابط والتعاون بين تونس وجبهّة التحرير الجزائرية حيث أصبحت الثورة تحضى بالدعم السياسي والإعلامي واللوجستي الذي تمثل في تسهيل تهريب الأسلحة وإنشاء قواعد عسكرية يتم منها الانطلاق نحو الجزائر والدخول في اشتباكات مع الجيش الفرنسي.
وكان من نتائج ذلك تدهور العلاقات التونسية الفرنسية،إذ سلكت الحكومة الفرنسية سياسة الترهيب تارة والترغيب طورا إذ تم إغراء تونس بالمساعدات المالية والفنية مقابل التخلي عن دعم الثورة الجزائرية.
ولكن من الملاحظ أن هذه السياسة فشلت،لذلك سلكت أسلوب الترهيب فقد تم قطع المساعدات المالية على تونس في ماي 1957 وتكثيف الاعتداءات والغارات على المناطق الحدودية ومنع بيع الأسلحة والتدخل لدى الدول الغربية بعدم بيع الأسلحة إلى تونس وصولا على تطبيق حق التتبع ضدّ اللاجئين الجزائرين داخل الأراضي التونسية.
وقد أثارت هذه السياسة حفيظة الحكومة التونسية ونلمس ذلك في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الحبيب بورقيبة يوم 26 ديسمبر 1957 طالب فيه بجلاء الجيش الفرنسي عن الأراضي التونسية.
وقد كانت المناطق الحدودية مسرحا لاشتباكات بين الجيش الوطني الجزائري والجيش الفرنسي وكان من نتائجه أن تكبد الفرنسيون خسائر باهضة في العتاد والأرواح. وإثر معركة "بجبل كوشة " يوم 11 جانفي1958 تم قتل خمسة عشر جنديا فرنسيا وأسر أربعة آخرين أثارت هذه المعركة غضب فرنسا وادعت أنها تمت بمباركة الحكومة التونسية وتزكية منها وأن الأسرى الأربعة الفرنسيين موجودون بتونس. وبادرت الحكومة الفرنسية إلى التشهير بالمعركة واتهمت السلطات التونسية بالتعاون مع الثوارالجزائريين وحجتها في ذلك أن الجنودالفرنسيين وهم يطاردون الثوار الجزائريين بصروا عددا من العربات التابعة للحرس الوطني وللجيش التونسي واقفة داخل التراب التونسي وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من حدود الجزائر وقد استخلص من ذلك أن هذه العربات انما كانت لتنتظر المقاومين الجزائرين لتعيينهم وترد عنهم هجومات الفرنسيين وهذا دليل على تواطؤ تونس مع الثوار الجزائريين ومشاركتها الفعلية في الحرب كل هذا حمل الحكومة الفرنسية على إرسال مبعوث خاص إلى تونس وتم اختيار الجنرال جورج بيشالي المستشار العسكري والفني لرئيس الحكومة " غايار " ليحمل رسالة إلى الرئيس الحبيب بورقيبة.
ولكن الرئيس بورقيبة رأى في رسالة هذا المبعوث العسكري ترهيبا وقرر عدم استقباله ولهذا تدخلت الخارجية التونسية لدى السفارة الفرنسية بتونس وتم إبلاغها بقرار بورقيبة وطالبتها بالتدخل لدى الحكومة الفرنسية لتغييرهذا المبعوث بشخص مدني ولكنها أصرت عليه وأضافت إليه رئيس ديوان الحكومة الفرنسية السيد "جاك لارش".
ووصل الوفد الفرنسي حاملا رسالة تنطوي على انذار نهائي من الحكومة الفرنسية قبل قطع العلاقات الديبلوماسية بين تونس وفرنسا والتقصّي على إختفاء أربعة جنود فرنسيين على الحدود التونسية الجزائرية. ولكن الرئيس بورقيبة أصرّ على عدم استقبال الوفد.و إثر مفاوضات عسيرة قبل باستقبال السيد جاك لارش وفي الآن ذاته يستقبل كاتب الدولة للدفاع السيد الباهي الأدغم الجنرال جورج بيشالي.
إلا أن هذا المقترح تم رفضه من قبل الحكومة الفرنسية التي قررت دعوة مبعوثيها إلى العودة وطلبت من سفيرها "جورج قورس" العودة حالا إلى باريس للتشاور واعتبرت هذا التصرف منافيا لتقاليد الديبلوماسية وإهانة لشرف فرنسا.
وفي اجتماع للحكومة الفرنسية تمت الموافقة على مشروع تقدم به وزيرالدفاع الفرنسي"موريس شومان" يطالب بإطلاق الأسرى الفرنسيين وبإيجاد منطقة منزوعة السلاح بين الحدود التونسية الجزائرية على طول خمسين كيلومترا وفرض مراقبة على الحدود من طرف قوة فرنسية تونسية.
وفي هذه الأثناء تدخل الرئيس بورقيبة لدى جبهة التحرير الجزائري لكي لا تعدم الأسرى وربط اتصالات بينها وبين منظمة الصليب الأحمر الدولي وفي الآن ذاته رفض مشروع "موريس شومان" شكلا ومضمونا.
ولهذا قررت الحكومة الفرنسية الاستعداد للعدوان على ساقية سيدي يوسف علما وأنه تم إحصاء الاعتداءات الفرنسية على الأراض التونسية من جويلية 1957 إلى فيفري 1958 حيث وقع أربعة وثمانون حادثا منهم ستة وعشرون على خط الساقية.
لهذا أرسلت القيادة العسكرية الفرنسية في 2 فيفري 1958طائرة استطلاعية انقليزية صورت مراكزتمركز الثوار الجزائريين وفي 7 فيفري قامت طائرة استطلاع فرنسية بتصوير الأماكن التي سيتم قصفها وفي 8 فيفري 1958 أقلعت من قاعدة تبسة الجزائرية وخمس عشرون طائرة فرنسية منها إحدى عشرة طائرة من نوعB27 وستة طائرات من نوع كورس "Corais" وثمانية طائرات من نوع مسترال "Mistral" قذفت خمسة وأربعين طنا من المتفجرات وتزن القنابل بين مائتين وخمسين كيلوغراما وخمس مائة كيلوغرام.
وتم اختيار العدوان يوم السوق حيث تزداد فيه الحركية ويتوافد عليه الفلاحون وسكان المداشر المجاورة لبيع المحاصيل للتزود بالبضائع، وفي اليوم نفسه استدعت فيه مندوبية اللاجئين الجزائرين أن يأتوا بأطفالهم لتوزيع المساعدات الغذائية والكسائية التي تبرع بها الهلال الأحمرالتونسي ومنظمة الصليب الأحمر الدولي.
وعلى الساعة11 و5دق انطلق سرب من الطائرات الفرنسية قادما من الجزائر وتم قذف مقر المندوبية وعندئذ استولى الهلع على التجار والفلاحين واللاجئين الجزائريين الذين يقدر عددهم بعشرة ألاف نسمة فلاذوا بالفرار.
فكانت الطائرات المغيرة تتعاقب على القذف أسرابا حتى بلغ عددها في الجوّ ستة عشرة قاذفة وأربعة مطاردات تكفلت بمطاردة الهاربين العزل لترميهم بالقذائف اليدوية وبنيران رشاشاتها بعد أن تنزل حتى تقترب من الأرض لتصيب فرائسها.
واستمرت تطاردهم على بعد كيلومترين من القرية من مختلف الاتجاهات وفي الآن نفسه كانت الطائرات تقوم بغارتها المتكررة تارة على الساقية وتارة أخرى على قرية منجم الساقية ودام القصف ساعة زمنية.
أما ضحايا الغارة كانوا ثمان وستين شهيدا من بينهم تسعة نساء وإثني عشر طفلا والبقية من الرجال وتم العثور على سبعة وخمسين جثة محروقة وعشرة آخرون استشهدوا عند نقلهم إلى المستشفى وكان من بين الشهداء أحد أعوان الجمارك.
وقدّر عدد الجرحى بثمان وسبعين جريحا من بينهم عدد كبير من النساء والأطفال وجنديين وعونين من الحرس الوطني وأما الخسائر المادية فتمثلت في تدمير خمس سيارات عسكرية وخمس سيارات مدنية منها سيارة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدولي.
وتم تهديم مقر مندوبية الساقية وثلاثة وأربعين مسكنا وأربعة وثمانين متجرا ومركزين للحرس الوطني ومركز الجمارك وإدارة البريد والمدرسة الإبتدائية بالجهة.
وأما في قرية منجم الساقية فقد تم تهديم مركز الحرس الوطني ومركز إدارة الغابات وإدارة المنجم وستة وتسعين مسكنا وتم إلحاق أضرار بسبعة مساكن وتحطيم سيارتان واحدة من نوع جيب وأخرى سيارة نقل تابعة للجيش الوطني التونسي.
اشتعلت النيران في عدة أماكن ومتاجر جرّاء استعمال القنابل المحرقة وأصبحت ساحة السوق بحيرة من الزيت الممزوج بالدماء كما امتزج القمح والشعير بالحصباء واختلطت الخضر والغلال بالتراب وانتشرت الملابس والخيام مقوضة هنا وهناك.
و على إثر الإعتداء الفرنسي على الساقية اجتمعت الحكومة التونسية واعلنت منع الجولان الليلي بالساقية من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة السابعة صباحا واتخذت الإجراءات التالية:
- 1 - دعوة السفير محمد المصمودي من باريس للالتحاق بتونس للتشاور
- 2 - إحاطة السيد المنجي سليم سفير تونس بالأمم المتحدة علما بما جرى للقيام بالإجراءات اللازمة
- 3 - التحجير على الوحدات العسكرية الفرنسية مغادرة ثكناتها دون ترخيص خاص من الحكومة التونسية حفظا على النضام وتفاديا لوقوع ما لا يحمد عقباه
- 4- ضرورة جلاء الجيش الفرنسي عن كامل التراب التونسي بما فيه بنزرت.
وفي يوم 9 فيفري 1958 رفعت تونس قضية القصف إلى الأمم المتحدة وفي يوم 11 فيفري 1958.
حصل تصويت داخل مجلس الأمن وتحصلت القضية التونسية على ثلاثة مائة وخمسة وخمسين صوتا مقابل مائة وتسعة وسبعين صوتا.
ولتجسيد قرارتها أقامت الحكومة التونسية الحواجز والسدود والمتاريس لمنع جولان الجيش الفرنسي وأغلقت خمس قنصليات في قابس وقفصة والكاف وسوق الإربعاء ومجاز الباب وأطردت عددا كبيرا من المعمرين غير المرغوب فيهم وقد بلغ عددهم أربعمائة معمر وفي هذا الإطار أيضا قرر الديوان السياسي للحزب الحرّ الدستوري التونسي والمنظمات القومية إحداث لجنة قومية لإسعاف الضحايا وجمع الأموال والمواد الغذائية والملابس وتقرر كذلك أن يكون يوم 14 فيفري يوم إضراب عام بكامل التراب التونسي للتنديد بالقصف.
وفي هذه الأثناء تدخلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لدى تونس لقبول الوساطة حيث شكلت لجنة المساعي الحميدة مكونة من السيد"روبر مورفي" وكيل كاتب الدول للخارجية الأمريكية والسيد " هارولد بيلي"مستشار بالخارجية البريطانية وطلبت فرنسا أن يتم حصر مهمّة هذه اللجنة في مشكلة الجيش الفرنسي المرابط بتونس وحقه في التجول بحرية داخل التراب التونسي ومراقبة الحدود وفي استئناف المحادثات التونسية الفرنسية وإن بنزرت مسألة لا يمكن الخوض فيها.
وأما تونس فقد رأت في لجنة المساعي الحميدة أن تشمل المسألة الأساسية المتمثلة في الحملة العسكرية الفرنسية لإخماد الثورة الجزائرية وهي ترمي من وراء ذلك إلى تدويل القضية الجزائرية.
وانطلقت الوساطة الأنجلو - أمريكية حيث تحادثت مع الرئيس بورقيبة الذي أكد وجوب جلاء القوات الفرنسية عن تونس وتأثير حرب الإبادة في الجزائر على تونس لا سيما بعد تزايد عدد اللاجئين الجزائريين بعد أن قررت فرنسا إنشاء منطقة محرّمة على الحدود التونسية الجزائرية وهي تشمل:
1 - قطاعا يسمى قطاع الخراب أو تخريب عرضه كيلومتران يمتد مع طول السكة الحديدية التي تربط بين عنابة وتبسة وخط موريس حتى بئر العاتر وتقام وسط هذا القطاع أسلاك شائكة وفخاخ وألغام وطرق واسعة تمر منها قوات التدخل والمدد السريعة.
2 - قطاعا آخر يشبه الأول ويقع شرقه.
3 - منطقة تقع بين هذين القطاعين الخاليين يجمع سكان القطاعين وعددهم يتراوح بين سبعين ألفا وثمانين ألف نسمة حول المراكز المقامة داخلها
4 - مراكز احتماء ودفاع مجهزة خصّيصا لحمل قنابل مدافع الهاون والمدفعية الخفيفة علما وأنّ الأعمال تتطلب عشرة فيالق عسكرية وتفسح المجال لإستخدام عدد كبير من المدنيين.
والملاحظ أنّ تونس سعت لفضح هذه الممارسات اللاانسانيّة،أمام الرأي العام الدولي من خلال الندوات الصحافية والأحاديث الإذاعية والتلفزية للرئيس بورقيبة وأعضاء الحكومة والسفارات التونسية بالخارج.
وفي هذا الإطار وجه السيد المنجي سليم سفير تونس بالأمم المتحدة مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يلفت فيها نظره إلى العواقب السيئة التي قد تنجر عن إنشاء مثل تلك المنطقة ينتج عنه طرد حوالي مائتين وخمسين ألف نسمة من أراضيهم وتشريدهم
علما بأن تونس استقبلت اللاجئين الجزائريين على أراضيها ووفرت لهم مستلزمات الحياة من خيام وأحذية وأدوية وملابس.
والملاحظ أن الحكومة الفرنسية سلكت سياسة فرق تسد بين جبهة التحرير الجزائرية والحكومة التونسية وذلك ببث الشقاق والفرقة والتناحر إلا أنّ هذا المسعى فشل حيث ازداد التنسيق والتفاهم وتجسد ذلك في المؤتمر الذي انعقد في المغرب بمدينة طنجة في يوم27 أفريل 1958 بين الحزب الحرّ الدستوري التونسي وحزب الاستقلال المغربي وجبهة التحرير الجزائرية لمدة ثلاثة أيام لوضع أسس الوحدة للمغرب العربي وطرق تحقيقها والتصدي للسياسة الفرنسية.
وتم إصدار بيان تقرر بموجبة بعث المغرب العربي الاتحادي وأوصى بتأليف حكومة جزائرية وبتوجيه نداء إلى بعض الدول الغربية للكف عن إعانة فرنسا في حربها ضد الجزائر والإسراع بتصفية المخلفات الاستعمارية، علما وأن لجنة المساعي الحميدة عقدت عدة اجتماعات مع كل من الحكومة التونسية والحكومة الفرنسية ووصلت إلى طرق مسدودة.
وبعد الضغوطات التي مارستها الحكومة الأمريكية والبريطانية على فرنسا،تم الاتفاق على النقاط التالية:
1 - تجميع القوات الفرنسية ببنزرت
2- فرض رقابه محايدة أو تابعة للحلف الأطلسي على المطارات العسكرية بالجنوب (رمادة، قفصة، قابس، صفاقس) العوينة.
3- فرض مراقبة على حدود التونسية الجزائرية تقوم بها لجنة مختلطة أو محايدة
4 - إلغاء الإجراءات المتخذة ضد المدنيين الفرنسيين والقنصليات الفرنسية بتونس
5 - جلاء قسم من القوات الفرنسية عن تونس
ونتيجة الضغوطات التي سلطت على الحكومة الفرنسية من طرف الصحافة واليمين المتطرف والجيش قررت عرض نتائج المساعي الحميدة على الجمعية الوطنية الفرنسية وبعد التصويت الذي أكد على رفض المبادرة مما تسبب في سقوط حكومة "غايار"
كل هذا أدى إلى دخول فرنسا في أزمة سياسية مما نتج عنه فراغ سياسي، انتهى بتمرد المعمرين والجيش الفرنسي بالجزائر بقيادة الجنرال ماسو القائد الأعلى لجيوش المضلات بالجزائر، على إثره تقرر
تشكيل لجنة الإنقاذ القومي وأسندت رئاستها إلى الجنرال "سلان" وانتهى هذا التمرد بسقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة وبتسلم الجنرال شارل ديغول الحكم بداية الجمهورية الخامسة، والملاحظ أن تونس نجحت في تدويل القضية الجزائرية من خلال التحركات الديبلوماسية في الدول الأوربية وفي مجلس الأمن ولجنة المساعي الحميدة التي اقتنعت بأن الحرب الجزائرية تفضي إلى تهديد السلم العالمي ويظهر ذلك من خلال الرسالة التي وجّهها الرئيس الأمريكي إلى الرئيس بورقيبة ويقول فيها بأن لجنة المساعي الحميدة لن تقف عند هذا الحدّ بل أنّها ستشمل بعد ذلك الدخول في محادثات بين البلدين والقضية الجزائرية.
وفي هذا الإطار كذلك ذكرت جريدة "لوموند" الفرنسية أن الرئيس بورقيبة تحصل على وعود من الأمريكيين في خصوص رغبتهم في التدخل في القضية الجزائرية لإعانة فرنسا على إيجاد حل لها.
وفي هذا المجال أيضا علقت الجريدة على عملية الانقلاب في الجزائر بأنها وطّدت اعتقادا لدى حلفاء فرنسا في ضرورة إيجاد حل سريع للقضية الجزائرية.
هكذا امتزج الدم التونسي بالدم الجزائري في أحداث ساقية سيدي يوسف وازداد التضامن مع الثورة الجزائرية من خلال الدعم السياسي والعسكري والمالي والديبلوماسي واللوجستي وأكّدت على المصير المشترك بين تونس والجزائر
وضربت كذلك موعدا مع التاريخ لا فقط لتجسيم النضال المغاربي المشترك في أسمى معانيه بل وخاصة لتكون المنعرج الحاسم في تاريخ تونس والجزائر المعاصر.
فلا غرو إذا كانت الانطلاقة الأولى بالمطالبة بالجلاء التام عن كامل التراب التونسي إثر أحداث الساقية وتواصلت المواجهة بين التونسيين وقوات الاحتلال إلى أن أجبرت هذه على مغادرة التراب التونسي بلا رجعة يوم 15 أكتوبر 1963 ولا غرو اذ اتخذ الكفاح المسلح داخل الجزائر شكلا جديدا أكثر عتادا وعدة بداية من سنة 1958.
واستطاع أن يحبط كل محاولات غلاة الاستعماريين برفض الحل العسكري وأمكن تحرير الجزائر في جويلية 1962 لتنعم بالحرية بعدما رزحت تحت ابشع استعمار عرفته البشرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.