اللعب مدخل أساسي لنمو الطفل عقليا ونفسيا ومعرفيا... وهو وسيط تربوي هام يعمل على تكوينه فهي المرحلة الحاسمة من حياته.. كما يساعد على التخفيف مما يعانيه من القلق ولم لا التخلص منه.. هذه التعريفات هي بعض من الايجابيات التي يتوفّر عليها اللعب الأمر الذي يجعله حقا طبيعيا مشروعا وضروريا لكل الأطفال، والسؤال ماذا لو غاب هذا الحق بغياب وسائل الترفيه وفضاءاته؟ وماذا لو حادت فضاءات الترفيه بسبب الترفيع الصاروخي في الأسعار عن دورها النبيل لتتحوّل بسبب «جشع» اصحابها ورغبتهم في استغلال الأطفال وأوليائهم الى آلة حاسبة لعدّ المال؟ ومتى يتم تأهيل الفضاءات العمومية وتحديث أجهزتها حتى تتمكّن من تعديل الأسعار؟ انتهت عطلة فيفري ولم يتمكّن العديد من الأولياء من الخروج صحبة أبنائهم من المنزل وتحوّل التلاميذ من مؤسسة المدرسة الى مؤسسة المنزل اي من المكوث ليوم كامل بين «الحيطان الى الحيطان» ومن المكان المنغلق الى نظيره ولا عزاء للضغط النفسي الذي يعيشه الطفل ويتعذّب به يوميا والوليّ المغلوب على أمره غير قادر على فعل شيء بسبب عدم قدرة الميزانية المتعبة على استيعاب الغلاء الفاحش لفضاءات الترفيه. وفؤاد العبيدي هو وليّ لطفلين تحدّث بمرارة شديدة عن غياب الترفيه في حياة الأسر التونسية بسبب الغلاء قائلا: «نحن كبار وتعوّدنا على تحمّل الضغط النفسي لكن ما ذنب أطفالنا الذين يعانون من الضغط النفسي وهم براعم. وأضاف ان الألعاب الموجودة بفضاءات الترفيه لا يتمّ تجديدها منذ انطلاقها في العمل وفي المقابل الأسعار ترتفع تباعا. وأوضح ان كلفة الذهاب الى فضاءات الترفيه التي تعدّ على الأصابع في تونس تصل الى 50 دينارا في المرة الواحدة وتتوزّع على ثمن كنّش الألعاب الذي لا يقل عن 10 دنانير وثمن التنقل سواء عن طريق السيارة او التاكسي وثمن «السندويتش» والقهوة. وأشار نفس الوليّ الى أن الكلفة تزداد بتمسّك الطفل بمزيد اللعب وإلحاحه الذي لا يجد الوليّ امامه غير الخضوع والاستجابة فينجرّ عنها اختلال في الميزانية. وحول فضاءات الترفيه العمومية ومساهمتها في تمكين الطفل من اللعب بأسعار مناسبة قال: «هذه الفضاءات لا تجلب الأطفال ولا تجعلهم يشعرون بالتمتّع باللعب لأنها تتوفّر على تجهزات قديمة ومهترئة». وذكرت نجلاء رمضاني «موظفة» ان ابناء العاصمة محرومون من فضاءات الترفيه فحتى حديقة البلفيدير تغيّرت ملامحها في اتجاه الرداءة. وأضافت ان أطفال العاصمة محرومون من اللعب وكذلك من ممارسة هواياتهم كالرسم والموسيقى وغيرها والخواص انتعشوا كثيرا بسبب الفراغ الذي تركته الدولة بعدم توفيرها لفضاءات ترفيه عمومية مؤهلة لاستيعاب الأطفال. وذكرت عربية دخيلي ان أبناء المناطق الداخلية أصبحوا أفضل حال لأنهم قادرون على اللعب في الفضاء الرحب وممارسة حقهم في الحركة والجري ولكن أطفال العاصمة غير قادرين على ذلك بسبب عدم توفّر الفضاءات المفتوحة بالقرب منهم. وأوضحت ان الولي مجبر على التنقل من العاصمة الى فضاءات الترفيه عبر «التاكسي» او السيارة ومجبر على شراء لعبة بثمن مضاعف لأن البائع المتجوّل انتصب امام الباب ومعلوم ان الطفل الصغير يتمسّك باللعبة حين يراها. وذكر توفيق رابح (موظف) ان فضاءات الترفيه في تونس لا تتماشى مع ميزانية ربّ العائلة التي يتجاوز عدد أفرادها الاربعة. وأضاف انه لم يتمكّن من حمل أطفاله الى فضاءات الترفيه خلال عطلة فيفري بسبب الغلاء الفاحش للألعاب المتوفّرة وأنه سيترك الأمر لحين ميسرة حيث تكون الميزانية في صحة جيدة. وأفاد بأن الكثير من الأولياء يصطحبون أطفالهم الى فضاءات الترفيه من «العيد الى العيد» بسبب الكلفة المرتفعة فلا يستطيع الطفل التمتّع بأي شيء جرّاء الضغط الكبير للمواطنين والزحمة التي لا يمكن وصفها بكلمات وفي هذا الظرف يجد صاحب فضاء الترفيه المجال لاستغلال الجيوب المتعبة فيرفّع في الأسعار حدّ الشطط. استغلال فاحش كانت هذه شهادات لمواطنين يرفضون الوضع وينادون بتدخل الدولة لوضع حدّ للاستغلال الفاحش للخواص الذين يضعون معاليم خيالية نعم خيالية وأكبر مثال على ذلك ان تذكرة اللعب بدراجة نارية إلكترونية يتمّ شحنها بالكهرباء تكلّف الوليّ 5 دنانير للطفل الواحد ليتم استغلالها فقط لخمس دقائق فماذا لو كان لهذا الوليّ أكثر من طفل راغب في اللعب بهذه الدراجة المغرية؟ وكم يربح صاحب هذه اللعبة في الساعة اذا كان معلوم الخمس دقائق خمسة دنانير وماذا لو رغب الطفل في استعمال اللعبة مرة أخرى لأن المدة غير كافية لإشباع رغبته في التمتع بها؟ وماذا لو كان الدخول الى فضاء الترفيه الذي يتوفّر على هذه الدراجة بمعلوم؟ مسكين ربّ الأسرة... وعموما هذه هي ملامح واقع الترفيه بالعاصمة وحق الطفل فيه في ظل عدم توفّر الفضاءات العمومية على تجهيزات متطوّرة وجديدة. والسؤال من يراقب أسعار الفضاءات الخاصة رأفة بالأطفال والمواطنين؟