حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي كان لابد وأن يعلم الاستاذ «أحمد بن صالح» بوصفه وزير التخطيط والمالية، الرئيس بورقيبة عن الخبر... خبر اكتشاف النفط في تونس (البرمة في الجنوب)... ولكن، وبعد انتظار رأى صاحب المذكرات أنه طال، ليتحصل على الرئيس عن طريق الهاتف، اتّجه الى قصر الرئاسة بقرطاج، وهناك يفاجأ بقصّتين... يقول «سي أحمد» بن صالح: «فوجئت وأنا أدخل القصر، وقرب مكتب بورقيبة، أن هناك من يتنصّت على محادثة بورقيبة والشقيري... وكان اثنان، وكان الباب، باب المكتب الذي به بورقيبة يستقبل ضيفه ويتحادث معه، نصف مفتوح، بحيث كان جدال أو حديث الرجلين يُسمع بوضوح...». سألت «سي أحمد» إن كان الشخصان المتنصّتان على المحادثة من داخل القصر، أي من الأمن مثلا؟ تردّد «سي أحمد» كثيرا (...) ثم قال بحزم لا يقبل أي استفسار آخر: «ليسا من الأمن (...) والسلام (...) وكفى...». قطع «سي أحمد» الحديث في هذه الجزئية، لكن عندما سألته، هل أن الشخصين لم يتفاجآ بوجودك، قال: لا أبدا... رافقني البروتوكول، الى هناك، وقال لي أحدهما: تفضّل اجلس هنا... ويضيف «بعد برهة من الزمن، لا يمكن الا ان أصفها بالقصيرة، ودّع بورقيبة الشقيري، وعندما دخلت على الرئيس فوجدته، مازال على وقع المحادثة التي طالت... بحيث، ولما صافحته وقلت له النبأ المفرح، بأن تونس فيها بترول، وجدته غير متجاوب في الفترة الاولى... وما هي إلا هنيهة، حتى عاد الرئيس الى مصافحتي من جد يد، «il a réalisé après coup»، كان الرئيس تحت وقع المحادثة مع الشقيري، إذ لم يكونا متفقين في النظرية والنظرة، ما «تبخّر» أن الشقيري يتكلّم كثيرا... ونظرية بورقيبة تتجه الى مكان آخر... طبعا وعندما عاد الى حقيقة النبإ فرح الرئيس بهذا الاكتشاف، وبالوقت، أسّسنا شركة كبرى مع الايطاليين وهي شركة في بنزرت، وكانت الشركة التونسية الايطالية (STIR)...». وهنا وقبل أن أسأله عن دور النفط المكتشف، في الاقتصاد التونسي بادر بالتعبير عن أنه و«بالنسبة لي كان حدثا... وتبين في آخر الامر أنه حدث بالنسبة لبورقيبة أيضا...». قلت: «البئر المكتشف في البرمة أليس كذلك»؟ «نعم هو البرمة، وكان مهمّا من حيث الكمّ...». قلت: وماذا غيّر النفط في مالية واقتصاد تونس؟ فقال: «هي مرحلة جديدة، وعلى ما أذكر، وقعت اكتشافات أخرى من جهة الوسط بين القصرين وتالة، وعلمت في ما بعد، أنه وبعد أن انشأنا ميناء قابس، أنجزنا المعمل الضّخم للمواد الكيمياوية، وقد علمت أنه وقع اكتشاف النفط في عرض البحر، لكن على كل حال، فإنه يمكن الجزم بأن الاقتصاد فترة الستينات، عرف ازدهارا... فمثلا في ميدان استعمالات النفط، سواء كان في معمل بنزرت (تكرير النفط) او البيع عبر المحطّات المخصّصة لتزويد السيارات بالوقود، والتي أنشئت وبها مقاه (تذكيرا بالقهوة الايطالية)... كانت أهم سمات تلك الفترة... المهم، أن بشرى اكتشاف النفط، هي بشرى لا بأس بها».