تقول الخرافة: «إن شهر جانفي كان يهمّ بالمغادرة حين تهجّمت عليه العنز متفاخرة بصحّتها الجيدة «إنّك تغادر وإنني بخير»». ثم نطّت العنز متحدثة لشهر فيفري «كح كح يا عمّي فرار». غضب شهر جانفي وتوعّدها بالعودة «باش نتسلّف نهار من عمّي فرار يخلّفلك قرونك خلف الدار يلعبوا بيهم الصغار». وتقول الخرافة: «إن 13 فيفري من كل عام أصبح يعرف بتسمية قرّة العنز في الاجندا الفلاحية فتشتدّ برودة الطقس وتموت العنز خلال هذا اليوم». وتفسّر هذه الأجندا نقص أيام شهر فيفري بتداين شهر جانفي يوم عودته من أجل العنز، كما تطلق الأجندا على هذا اليوم تسمية يوم السلف الى جانب ڤرّة العنز. قرّة حيّان خرافة «زمنيّة» أخرى تفسّر ڤرّة حيّان أوغيلان تقول: «إن حيّان كان رجلا ثريا يمتلك قطيعا كبيرا من الأغنام... وكان متزوجا بامرأتين واحدة من المدينة وأخرى من الريف. كان حيّان ينقل أغنامه أيام البرد الى منطقة أكثر دفءا حتى لا تموت ويفقد رأس ماله. وحدث أن اصطحب زوجته الريفية معه بذريعة أنها كانت على دراية أكثر بالشأن الفلاحي وتستحق مرافقته في موسم هجرة أغنامه. شعرت زوجته الثانية بالغيرة فقال لها قبل أن يغادر «حين تزهر شجرة اللوز أرسلي إليّ قليلا من أزهارها مع الخادم سأعود». وحتى تزهر الشجرة بسرعة ظلّت زوجته تسخّن الماء وتسقيها به... فأزهرت الشجرة قبل موعدها. وبعد أن ارسلت إليه الازهار مع الخادم قفل حيّان عائدا وفي الطريق كسا الجليد أغنامه فماتت... وتحسّرا عليها ظل حيان يضرب رأسه الى أن مات. ويقول مثل شعبي وثّق الخرافة «ما تقول جديانك جديان وخرفانك خرفان الا بعد قرّة حيان». فطيرة اليهود خرافة زمنية ثالثة كانت سببا لتسمية ڤرّة الفطيرة تقول ان اليهود كانوا ينصحون جيرانهم المزارعين في الشمال الغربي التونسي من المسيحيين والمسلمين بأن يضعوا فطيرة اليهود على القمح فتكون الصابة جيّدة وتمنع الفطيرة نزول البرد كي لا تكسر السنابل. وردت هذه الخرافات الزمنية في دراسة أعدّتها أستاذة الفرنسية الباحثة في التراث السيدة فائزة المسعودي تحت عنوان «أساطرة التأسيس للرزنامة الفلاحية». وستصدر هذه «الأساطير» في كتاب تعكف الباحثة على اعداده سيحمل عنوان «هكذا كان يحسب غيلان». تقول الباحثة ل «الشروق» إن انجذابها للذهنية الريفية في تصورها للزمن كان الدافع الى البحث في تلك «الأساطير». التغيرات المناخية تقول الباحثة فائزة المسعودي: «إن تقسيم الزمن في الاجندا الفلاحية يضم الليالي البيض أولا ومدتها 20 يوما تبدأ من 25 ديسمبر أو 12 ديجمبر كما تطلق التسمية على الشهر... ثم الليالي السود ومدّتها 20 يوما أيضا تبدأ منتصف شهر جانفي ثم العزارة ومدتها 9 أيام تليها قرّة العنز يوم واحد وهو يوم 13 فيفري... تليها فترة نزول الجمرات الثلاث بداية من اليوم... وكل جمرة تدوم 7 أيام، تليها قرّة الحسوم (7 أيام) وقرّة حيان ثم قرّة الفطيرة وأخيرا أوسّو في 25 جويلية او 12 يوليو. كما تقول الباحثة فائزة المسعودي إن هذه الأجندا التي أخذت من ثقافات عديدة مثل الاجندا الرومانية والبربرية والأندلسية انطلقت من الحياة الريفية اذ قسّم الفلاح الزمن بحدود ما يعرف ومثّلت الأمثال الشعبية «القائد» لتلك الاجندا الخاصة. وذكرت ل «الشروق» أن تلك الأمثال لم تعدّ العلامة الموجهة للطقس في تغيراته كما كان يحتسب الريفي بسبب تغيّر المناخ... فالتغيرات المناخية مسّت أيضا أجندا التقويم الفلاحي ومسّت «فاعلية» الأمثال الشعبية وأصبحت تهدّد الذاكرة الشعبية... فجانفي مثلا لم يعد في حاجة لتداين يوم برد من فيفري.