يبدو أن رياح الثورة لم تهبّ على منطقة دخيلة توجان وهي منطقة جبلية تابعة لمعتمدية مارث الواقعة جنوب ولاية قابس منطقة تقع في موقع استراتيجي حيث تحدها ثلاث مناطق هامة وهي مطماطة، عرام ومدنين إضافة الى ما تتميز به من طبيعة خلابة حيث الجبال وعيون المياه. غير انه ورغم كل هذه المميزات الطبيعية فانها بقيت خارج التاريخ تقريبا مما عكر صفو العيش فيها وجعلها إحدى أكثر المناطق السوداء في قابس. ورغم أنها تقع على مسافة 45 كيلومترا فقط من قلب مدينة قابس فان دخيلة توجان والتي تضم اكثر من 10 آلاف ساكن يتوزعون على أولاد مهلهل، الجماعين، ترهونة وأولاد يوسف فانها بقيت تعاني الحرمان والتهميش ولم يقع الالتفات اليها الى حد الآن من قبل السلط الجهوية ولا المحلية. * بنية تحتية متهالكة: في الوقت الذي يعتصم فيه مئات الشبان في قابس أمام المجمع الكيميائي للمطالبة بالتشغيل ويعتصم آخرون للمطالبة بتحقيق بعض المكاسب في العمل لا يزال أهالي دخيلة توجان يطالبون بأبسط مقومات العيش الكريم ألا وهي توفير منزل بسيط او حتى كوخ متين يقيهم برد الشتاء القارس وحرارة الصيف لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه لأنه في دخيلة توجان لا تزال والى حد الآن (2012) بعض العائلات تعيش على نمط إنسان العصور الحجرية، حيث تتخذ من المغارات تحت الجبال او ما يعرف هناك بالديار الحفر مساكن تأوي اليها رفقة أبنائها. من جانب آخر فانه ورغم وصول قنوات الماء الصالح للشراب لمنطقة دخيلة توجان فان مناطق واسعة منها لا تزال تعيش على مياه العيون الطبيعية رغم وقوعها على بعد أمتار من خزان المياه والمشاق التي تصاحب عملية تعبئة المياه يوميا. * خدمات إدارية متردية: الحرمان والتهميش الذي تعيشه دخيلة توجان يعود بالأساس الى انعدام الخدمات الإدارية وتقصير السلط المحلية وخاصة في العهد البائد في ابلاغ صوت واحتجاجات متساكني هذه المنطقة الى السلط الجهوية حتى تنال حظها في التنمية كمختلف مناطق البلاد ولا تبقى معزولة ورغم توفر دخيلة توجان على مدرسة ابتدائية وإعدادية ومعهد ثانوي وبعض المرافق الأخرى فإنها تواجه مشكلين على غاية من الأهمية الأول يتمثل في بناء مستشفى محلي والذي توقفت أشغاله منذ سنوات فتهالك البناء والمواد الأولية بسبب الإهمال ورغم الحاجة الضرورية لمستشفى يوفر الخدمات الصحية اللازمة مع تزايد عدد السكان فان الامر بقي على ما هو عليه والمشكل الثاني يتمثل في قلة وسائل النقل التي تربط المنطقة بوسط معتمدية مارث من جهة وبمدينة قابس من جهة أخرى وذلك بسبب نقص الحافلات وسيارات النقل الريفي. * بطالة مستفحلة: ثالث أضلاع مثلث المعاناة التي يواجهها أهالي دخلية توجان الى جانب التهميش والحرمان هو البطالة المستفحلة بشكل كبير فبالرغم من الموقع الاستراتيجي الذي تمتاز به ورغم التضاريس الطبيعية الخلابة من جبال ومياه فلم يتم الالتفات اليها لا من السلط الجهوية ولا رجال الأعمال للاستثمار فيها، فلا مشاريع ولا مصانع ولا شركات، وهو أمر دفع بشباب الجهة الى الهجرة خارجها والبحث عن شغل يكفل لهم العيش الكريم في مكان آخر في حين لجأ الرجال الى الفلاحة، فالمنطقة معروفة بغراساتها البعلية وخاصة التين والزيتون، كما كانت الصناعات اليدوية التقليدية (المرقوم) الملجأ الوحيد لنساء وبنات المنطقة لكسب قوت يومهم وإعانة عائلاتهم على مواجهة مصاعب الحياة اليومية. ياسين بوعبد الله
الفلاحون يهجرون أراضيهم بسبب «الخنزير» في الوقت الذي يتحدث فيه الفلاحون في مثل هذه الفترة من السنة عن الصّابة وعن بوادر موسم فلاحي واعد خاصة مع الأمطار التي تهاطلت بكميات كبيرة في المدة الأخيرة، فإن محور الحديث في قابس هو عن ظاهرة الخنزير البري الذي اجتاح الغابات وأفسد المحصول الزراعي وأقلق راحة الفلاح خاصة مع انتشاره على امتداد غابات الولاية في الميدة ووذرف شمالا الى كتانة جنوبا والأخطر أنه أصبح يتواجد في مناطق قريبة من وسط المدينة مثل غابات غنوش ، المنزل، بدورة وتبلبو وهي مناطق آهلة بالسكان ويمكن أن يكون الخنزير مصدر خطر على السكان هناك، على غرار ما حدث في المدة الأخيرة في جهة العبارات عندما قطع خنزير من الحجم الكبير الطريق. وكاد يتسبب في كارثة لولا ألطاف الله وأمام هذه الوضعية زارت «الأسبوعي» منطقة وادي الخشان الواقعة على الطريق السيارة من جهة تبلبو والمدو والتي تمتد فيها الغابات نظرا للأراضي الخصبة التي تتميز بها، وهناك التقينا الفلاح مبروك الحافي الذي حدثنا عن معاناة الفلاح خلال السنوات الأخيرة جراء تواجد الخنزير البري والذي بدأ ظهوره منذ أربع سنوات تقريبا لكنه تكاثر في المدة الأخيرة بشكل لافت للانتباه، فأصبحت تشاهد قطعانا من الخنزير دفعة واحدة وذلك بعد ان تكاثرت في الغابات والأودية المحاذية لمنطقتنا وخاصة جهة وادي السراق، وعن الأضرار التي ألحقها بغاباتهم فحدّث ولا حرج فقطعان الخنزير أتلفت جميع المحاصيل الزراعية وخاصة الزراعات الورقية والنباتات الأرضية حيث يقوم الخنزير بالدوس على هذه المزروعات والنباتات بأرجله كما يقوم باقتلاعها وإتلافها، فهو يقوم أساسا بالبحث عن الديدان الحمراء التي تتكاثر في التربة المبللة ومن أجل ذلك يقوم بتحضير الأرضية بواسطة أنفه الذي يمثل مصدر قوته الأول. وأمام هذه الوضعية الصعبة يضيف الفلاح مبروك الحافي ان فلاحي المنطقة اضطروا الى هجران اراضيهم بعد ان اصبح الخنزير يتلف مجهوداتهم واصبحت أتعابهم تذهب أدراج الرياح فالفلاحة في منطقتهم تقوم على السقي والريّ المتواصل وهو ما يسهل عملية حفر الأرض بالنسبة للخنزير ما جعلهم في حيرة من أمرهم. . ياسين بوعبد الله
سبيبة ضعيات مزرية.. وتقاسم للغرف مع الحيوانات بعيدا عن السائد هذه الأيام من الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية... فإن النقائص منتشرة في ربوع بلادنا بشكل متفاوت ومن مكان الى آخر ومن أجل رصد البعض من مناطق الفقر والخصاصة بنسبية قامت «الأسبوعي» باستطلاع للأوضاع المزرية بحي الشابي وولجة عقيل فكان ما يلي: تحولنا إلى هناك والتقينا ببعض المتساكنين الذين أكدوا لنا أنهم يعيشون الخصاصة ولا أحد يبالي بما آلت اليه الأوضاع... تصوروا هناك من يتقاسم الغرفة مع عنزة أو خروف بالسكن.. على غرار عم الشاذلي زلفاني الذي أكد لنا أنه صاحب عائلة وزوجته مقعدة (بعد سقوطها من على شجرة) وهو يعمل من حين لآخر كحارس بالمنازل وحتى الحضائر حرم منها بعد أن رفض المعتمد تسجيله فيها قائلا له: «أنت يلزمك ماندة متاع شيخوخة» لكن الى حد الآن لم ير شيئا من ذلك. منازل آيلة للسقوط أما أم هاني بليلي (ولجة عقيل) فإنها تقطن منزلا آيلا للسقوط ولا يوجد فيه لا ماء ولا كهرباء وهي تعمل من حين لآخر في الحقول.. وهي تطالب بشغل يقيها ويلات الدهر أما لطيفة غ (قرب حي الشابي) فقد قالت لنا «زوجي مريض بالأعصاب ولولا أولاد الحلال لتهت وسط زحام المشاكل والفقر المدقع.. وغير بعيد عن لطيفة توجد الأخت ربح ف أرملة ولها أبناء تعمل على حساب الآلية لكن ماذا تعمل مائة دينار في هذا الزمن.. أكواخ وأنت عائد الى المدينة يعترضك منزل عم يونس حيث يقطن وهو عبارة عن مسكن مغطى بأعواد الأشجار.. ورغم الفقر فإنه صابر على حكم الله. أما دخله اليومي فهو من مصب الزبلة.. عدنا إلى المدينة ونحن نتبادل: هل عاصمة التفاح بها مثل هذه الوضعيات.. قال أحدهم «أش شفت»؟ خالد الخضراوي
قرية «الإصلاح» عين دراهم : أكواخ بدائية ..ومعاناة يومية قرية «الإصلاح» بعين دراهم عرفت الجوع والتهميش والإقصاء طيلة أكثر من نصف قرن فلا تشغيل لأصحاب الشهائد العليا ولا موارد رزق للعاطلين عن العمل ولا دفاتر علاج للعائلات المعوزة ولا منح للأسر المحرومة .. هذه القرية مازالت تعاني الى حد اليوم من غياب الماء الصالح للشرب حيث يضطر أبناؤها لجلبه بواسطة الحمير والبغال من الأودية والشعاب والآبار التي يتقاسمون فيها الماء مع الحيوانات الأهلية والبرية فيكون الماء عامة يصلح لكل شيء إلا للشراب وحتى المحاولات في بعث جمعيات مائية وحنفيات عمومية باءت بالفشل بسبب صعوبة الضخ. معاناة متساكني هذه القرية تعمّقت أكثر مع موجة البرد الأخيرة. خاصة أن لا منازل لائقة تقيهم قر البرد سوى أكواخ بدائية شيّدت من قش وطين. تعيش المنطقة عوامل طبيعية قاسية جدا جرّاء طول فصل الشتاء وكثرة الأمطار وحتى الثلوج والتضاريس المرتفعة وقد زادت من حجم المعاناة في غياب تعبيد الطرقات ورداءة المسالك مما جعل التنقل صعبا والمنطقة تعيش عزلة حقيقية خاصة شتاء فيصبح التزود بالمواد الغذائية شبه مستحيل ويتطلب مجهودات خاصة وتضحيات جساما بتحمل مشقة السفر نحو مدينة عين دراهم للتزود بالمواد الغذائية وسط الفيافي والجبال والمسالك الوعرة يكون فيها الرفيق حمارا أو بغلا. إذا كانت الظروف المعيشية قاسية جدا وتحكمها الطبيعة وقلة ذات اليد فإن المنطقة تعيش بطالة شملت جميع الشرائح وهو ما نجم عنه التنقل للفتيات للعمل معينات بمنازل بالعاصمة والمدن المجاورة وهنّ يعانين ظروفا قاسية واستغلالا فادحا. أما من بقوا من الشباب بالمنطقة فإنهم يقتاتون من بيع بعض أكياس الفحم من حطب الغابة وكلها نتائج لغياب مواطن الشغل بالمنطقة. متساكنو قرية «الإصلاح» يطمحون الى تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ويترقّبون لفتة كريمة تخلّصهم من معاناة طالت لسنوات ولم يجن منها الجميع سوى الوعود التي عادة ما تذهب أدراج الرياح فكانت النتيجة هي التهميش والفقر والجوع والبطالة. محمد الهادي العبيدي