حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي في آخر حلقة أمس انّ أطرافا متعدّدة من تونس ومن خارج تونس، ساءها أن تكون تونس مثالا يُحتذى وأن تحقّق الانطلاقة بطريقة تونسية بحتة.. وهنا يضيف «سي أحمد» بن صالح: «كان يبدو لهؤلاء المناوئين المتربّصين، أن المشهد السياسي، سيؤول الحكم فيه بعد بورقيبة الى فلان» ويقصد أحمد بن صالح.. وهنا عاودت السؤال من جديد ولكن بطريقة أخرى: هل تظنّ أن هناك تنسيقا أو تكاتفا بين هذه الأطراف (التونسية)؟ فقال: «والسفارة الفرنسية أيضا.. وأقصد تقرير السفير الذي تحدثنا عنه سابقا، بخصوص العلاقات التونسية الفرنسية على ضوء تقرير هذا السفير «سوفانيارق».. وطبعا لهؤلاء (الفرنسيين) أعوان في تونس.. إن استعمال «أهل النّهم» كما أسمّيهم أنا، هو ما جعل بن صالح يتعرّض الى ما تعرّض.. فقد تكونت كتل خاصة للقضاء على بن صالح.. وكانت المعركة الأصلية تتمثل في أن الدولة في ذاك الوقت كانت تريد أن تبني مجتمعا متوازنا.. ليس فيه طبقة محتكرة ولا طبقة مهضومة.. وساعدنا الحظ أولا: باسترجاع بعض الثروات وثانيا: أننا وجدنا دولا صديقة تفهّمت، ربما ولأول مرة، معنى الدخول في معركة تصفية الاستعمار.. فدولة تستقلّ وتتبع خط التوازن بين الطبقات الاجتماعية وبين المناطق الجغرافية للبلاد.. وتجد التفهم من بلدان عديدة في العالم، من العالم المصنّع والمتقدّم.. لا بدّ وأن تكون ملفتة.. أقول هذا الآن، لأنني وعندما خرجت من تونس، واشتغلت في العديد من المعاهد والمؤسسات العالمية، كان الأمر يتطلّب فترة معيّنة، لا كما حصل في تونس، وفي وقت قياسي.. وهذا لا أدّعيه أبدا، بل ان من تونس ومن خارج تونس، تحدث أهل الذكر عن إيجابية هذه التجربة».. التي وقع الالتفاف عليها عبر أزمة، مازال «سي أحمد» بن صالح يصرّ على أنها مفتعلة، ولم تكن تعني الخيارات الاقتصادية بقدر ما كانت تعني الخلافة في الحكم، وامكانية أن تؤول الى أحمد بن صالح، خاصة بعد مرض بورقيبة سنة 1967.. ولكن «سي أحمد» يواصل كلامه بالقول: «أقول هذا الآن، لأني عندما كنت في مراكز ومعاهد دراسات في الخارج، كان الأمر (التنمية والاقلاع) يتطلّب فترة أطوال وأعسر مما شهدناه في تونس.. كنت أتنقّل بين الهند و«سري لانكا» وإيطاليا وفنزويلا والسويد وسويسرا وفرنسا، وكانت المحاضرات التي أقدّمها، تحوم كلّها حول السياسة التنموية التونسية في الستينات.. فقد كانت سياسة تنموية شاملة لجميع المجالات، من مقاومة الأمية الى الفلاحة والصناعة.. كان كل ذاك الحراك، استعدادا للديمقراطية الصحيحة، لأنه وقبل الديمقراطية كان يجب توفير قسط وافر من التوازن وقسط أوفر من الحريات وقسطا أكثر وفرة من التعليم حتى تكون الديمقراطية سليمة».. ولكن ما يقال عن تلك الفترة أنها كانت تتميّز بالجفاف الديمقراطي؟ عن هذا السؤال يقول صاحب المذكرات: «كان هذا رأي كتل لم يعجبها أن تكون تونس هكذا.. وأن يكون هذا الأمر منسوبا لفلان، بينما كنا، وفي أوج التجربة، ننسب كل ذلك الانجاز للرئيس وللشعب التونسي ولحزب التحرير وللنقابات الوطنية، خاصة أننا كنا أبناء تلك النقابات.. وهذا رأي أو هي تعلّة اليسار المتطرّف.. فنسبة الأمية كانت كبيرة جدا، والأمية الاقتصادية أعمّ.. إذن من ذا الذي سيستفيد من الديمقراطية.. هي تلك «النخبة» وذاك النزر القليل الذي أمكن له التعلّم.. فقد كان هؤلاء، يعتبرون أن الاقتصاد مزدهر بمجرّد كثرة الدكاكين (العطّارة)!.. فإلى الحلقة القادمة إن شاء الله وفيها كشف لخيوط «المؤامرة».. غير أن سي أحمد بن صالح، ينأى بنفسه عن القول إنها مؤامرة.. رغم أن تفاصيلها تقول ذلك..