حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي كان الاقتبال باهرا، ذاك الذي خصّت به صفاقس صاحب المذكّرات.. وكما ذكر «سي أحمد» بن صالح في عدد الأمس، كانت جماهير صفاقس بمختلف طبقاتها ومكوّناتها حاضرة ومستقبلة للمسؤول الذي بدأت تقدّ حوله وله، ظروف جديدة يمكن أن تسمّى مؤامرة.. أو أزمة.. لماذا أحسّ «صاحب المذكّرات» بإيجابية هذا الاقتبال في صفاقس، إيجابية مشوبة بأسئلة، سوف تتملكه لاحقا.. بالموازاة مع ذلك، تملك «سي أحمد» سؤال حيرة حول هذه الحفاوة وهذا التنظيم في الاستقبال، لكنه يرجع فيقول إنّ «شعورا تملّكني بداخلي.. واعتبرت شخصيّا أن ما شاهدته وما عشته في صفاقس، هو شهادة قوية وواضحة على أننا نسير في الطريق الذي يجب أن نتبّعه.. وكان اجتماع اختتام الزيارة، اجتماعا باهرا في صفاقس، آلاف الحضور من كل الطبقات، وكنت أعرف البعض منهم، من ذلك أنني أذكر أنه حضر معنا في المنصّة الأخ عبد المجيد شاكر، وكان سفيرا لتونسبالجزائر وقتها وهنا أفتح قوسا لأقول إنني علمت بعد ذلك أنّ الرئيس بورقيبة هو الذي طلب منه أن يحضر ذات الاجتماع وعلمت أنه خاطبه عبر الهاتف مرتين وهو في الجزائر لكي يأتي إلى تونس ويحضر إلى الاجتماع.. كان اجتماعا متحمّسا جدا وبلا أي حرج أو جوّ بعيد عن الثقة في المسيرة أو الحماس لها.. وكان يوما مشهودا، اجتماع صفاقس، لسبب آخر، ذلك أنني كنت ألقي خطابا على الجماهير ووضعت أمامي في وقت من أوقات الخطاب، ورقة وضعها مسؤول جهوي بصفاقس، فيها إعلام بما حدث بالقدس، حيث هجمت قوات الاحتلال على القدس.. وأحرقت المسجد الأقصى، لذلك خرجت في كلامي عن المواضيع الجهوية والوطنية التي كنت أطرقها لأعبر عمّا يختلج في نفوسنا جميعا، من ثورة ونقمة على ما يجري في فلسطين وبالخصوص ما يجري في القدس (حرق المسجد الأقصى).. ثم وبطبيعة الحال، واصلنا اجتماعنا وواصلنا التطرق الى مواضيعنا الوطنية، وكان يوما قويّا ومنعشا إلى درجة أنني أعترف بأنني تساءلت: إذا كان هذا معناه زخم وتثمين لمسيرة تونسالجديدة، فالحمد للّه على مثل هذا التشجيع وعلى مثل هذه الثقة في المستقبل.. ولكن تساؤلا آخر تملكني في نفس الوقت: هل كانت هذه البهجة الملفتة والمتواصلة ستُستعمل لأمر آخر؟». قلت ل«سي أحمد»: تقصد أن تُستعمل تلك البهجة وذاك التشيّع للمسيرة، لأمر «سيُدبر بليل» صمت قليلا عن الكلام وأعدت على مسامعه السؤال.. فقال وهو يضحك: «لأمر آخر.. والعياذ باللّه». وهنا سألت «سي أحمد» عن صفاقس ووزنها السياسي والاقتصادي، بين 1955 (مؤتمر الحزب) و1969، اللقاء الجماهيري الحاشد الذي كان فيه بن صالح المسؤول الضيف والخطيب، فقال: «وزن صفاقس فيما يخصّ الاقتصاد والاصلاح كان معروفا.. فهو دور مهم وأساسي طبعا.. وقد قبلت الدعوة بعناية واعتناء مني، لمعرفة رأيها في العملية.. ولكن الشيء الهام الذي عشته في صفاقس، هو أنّ القطيعة بين بداية الغليان في تونس، وابتهاج وروعة الاقتبال في صفاقس.. كان تضاربا كبيرا لا يمكن أن يمحى، فقد خرجت من تونس نحو صفاقس لأستمع تشويشا على بن صالح وأن بن صالح هو صالح بن يوسف ثان، وفي صفاقس، عشت بهجة قابلني بها الحاضرون بكل فئاتهم العمرية والاجتماعية، تكذب الوشوشة والكذب والتهويل والحنق على بن صالح..! تعجبت من هذا الأمر. ففي صفاقس، لم أسمع ولو نبرة واحدة فيها تشاؤم وغضب.. التصفيق والنداء بحياة «المجاهد الأكبر»، كان متواصلا من بداية الخطاب الى آخره».. هكذا بدأت الشكوك تدبّ في مخيلة ورأس «سي أحمد» بن صالح.. فما الذي حصل بعد صفاقس، وقد طلب منه، وهو عائد إلى تونس التوقف في قصر هلال لتدشين أحد الانجازات؟