تصفحت مؤخرا التقرير العربي الاول للتنمية الثقافية الذي بلغ حجم صفحاته 700 صفحة وهو من إعداد مؤسسة الفكر العربي بمشاركة المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا ومركز الخليج للأبحاث، التقرير بكل ما احتوى مؤلم جدا لأي قارئ عربي بحيث كشف تراجع خير أمة أخرجت للناس وهذا التراجع على كافة المستويات الثقافية ولعل من أهمها الاعلام العربي المقروء الفضائي والالكتروني والنشر والتأليف في 16 دولة عربية ومن بين المحاور التي أبرزها التقرير: التعليم العالي فمعدل الالتحاق بالجامعة في البلاد العربية لا يتجاوز 21٪. فيما بلغ في كوريا الجنوبية 91٪، برنامج بلا مجاملة الذي يبث مساء الاحد عبر قناة حنبعل أبرز في حلقته الاخيرة وبكل غبطة وسرور إصدارين لتونسي مهاجر (لو كان بتونس لما أصدر اثنين) لا لشيء لأن الاصدارات تبقى في الرفوف دون أن يقرأها أو حتى يلتفت اليها أحد فالاصدارات في تونس وفي الدول العربية بشكل عام شحيحة جدا قياسا بالدّول التي سبقتنا وصنعت الحضارة الحديثة التي ننعم بثمارها كل لحظة على غرار الفايسبوك فالعرب وحسب التقرير يصدرون كتابا واحدا لكل 12 ألف إنسان بينما هناك كتاب واحد لكل 500 انقليزي ولا ننسى أثناء المقارنة بأن عدد العرب يزيد عن 200 مليون نسمة، في بلا مجاملة سئلت ريم قيدوز من قبل وليد الزرّاع عن آخر كتاب قرأته فقالت: معطف لهذا الشتاء يعني أن ريم قرأت إصدارها وبالتالي قرأت نفسها ولم يقرأها الآخرون من المؤلفين الذين يعانون نفس معاناتها ومعاناة كل مبدع سئل البقية فقالوا نعيد قراءة إصدارات قديمة، فبلا مجاملة ولئن سلط الضوء على الكتاب والعزوف عن المطالعة فإنه لم يأت بالجديد باعتبار أن نسبة القراءة في العالم العربي لا تتجاوز 4٪ ومادمنا نتحدث عن الوضع الثقافي لابد من الحديث عن ظاهرة الفضائيات العربية التي استولت على العقول والأفئدة فمجموع الفضائيات العربية وصل الى 462 فضائية وهذا الرقم مرشح للزيادة تحتل منها قنوات الاغاني والرقص «ع الوحدة ونص» وعلى عقول البسطاء من المراهقين والمراهقات تحتل 16٪ وقنوات الأدب والثقافة 4،6٪ (يا خيبة المسعى) والبقية للقنوات الدينية، فكيف السبيل لتجاوز هذه السلبية وهذا المستوى البائس، سبيل وحيد وعلى مستوى البلاد التي نحبها كما لا يحبها أحد صباحا مساء ويوم الاحد وهو إرادة سياسية قوية لتنفيذ الخطط والبرامج حتى تبقى تونس منارة ثقافية على الدوام. فالترفيع في اعتماد وزارة الثقافة والمحافظة على التراث الى 1.5٪ من ميزانية الدولة وتخصيص نصف هذه الزيادة للتنمية الثقافية ودفع الابداع والانتاج الثقافي بكل الجهات وإقامة خماسية للثقافة بوضع برنامج سنوي لكل فن وغيرها من القرارات الجريئة كلها تهدف لوضع الاصبع على الداء وإبراز السلبيات، فسيادة الرئيس لم يدخر جهدا في دفع القطاعات، فهل يمكن أن ننهض بالصناعة السينمائية وبين أسبوع وآخر نكتشف غلق قاعة سينما، هل يمكن أن نؤهل المكتبات العمومية ونثري رصيدها دون وجود قرّاء، هل يمكن استكمال إنجاز الخريطة الوطنية للمعالم والمواقع الاثرية وهذه الاخيرة في كل مرة تشهد حفريات عشوائية وسرقات؟ كيف نحدث موقع على شبكة الانترنيت يعرف بهذه المواقع المتصلة بالحضارات بعد نهبها؟ كيف يمكن إحداث متاحف جديدة في ظل غياب زائريها؟ في حين تركز الفضائيات على المتاحف القديمة المعروفة دون الالتفات للبوادر الفردية فمتحف ذاكرة البحر بجرجيس والذي انفرد برسائله البحرية وأثثه صاحبه من ملفوظات البحر ودخل بمحتوياته موسوعة «قيناس» للارقام العالمية وأنجز شريطا وثقائقيا حول «قوارير الحكمة» وتحصل من خلاله على عدة جوائز في مهرجانات سينمائية عالمية تخلى صاحبه عن جزء كبير منه لقلة الاحاطة والتشجيع، كيف نروّج لثقافتنا بالخارج قبل أن نطلع عليها من بالداخل، أين سيعرض محمد الزرن «زرزيس» وقاعة السينما مغلقة منذ نصف قرن من الزمن، إن ما يطرحه بلا مجاملة من مواضيع هامة ضعف أضعافها تعاني منه ولايات الجنوب، أين أعمال مركز الفنون الركحية والدرامية بقفصة وأين أعمال مسرح التجريب بمدنين وأين مهرجان الفنون التشكيلية بالمحرس وجرجيس، وأين مهرجان الاسفنج الذي تأسس سنة 1969، كل الأسئلة موجهة لكل مواطن تونسي غيور على هذا البلد العزيز وكل الأسئلة موجهة الى قناة حنبعل التي لابد لها أن تغوص في أعماق الولايات ولا تكون الكاميرات الخاصة بها موجهة الانظار على تونس العاصمة وأحوازها حتى نشاهد أنفسنا في مرآتها وحتى تكون قناة الناس وصوتهم في كل شبر من تونس الحبيبة.