قدّم السيد الباجي قائد السّبسي في تأليفه المذكور أعلاه الصادر عن دار النشر للجنوب (Sud Editions 2009) في الصفحات 256 إلى 264 رؤية عمّا جدّ في نيويورك إثر القصف الإسرائيلي لحمّام الشط. و للأمانة التاريخية تجدر الإشارة أنّي كنت وقتئذ سفيرا ممثلا دائما لتونس لدى الأممالمتحدة. حل السيد الباجي قائد السبسي بنيويورك بصفته وزيرا للخارجية في إطار الإعداد لحضور الجلسة العامة للأمم المتحدة التي تنعقد سنويا يوم الثلاثاء الثالث من شهر سبتمبر إلى غاية 20-21 ديسمبر. لئن لم يكن السيد قائد السبسي من أصدقائي ، فقد كانت تربطني به علاقات إحترام متبادل. و من هذا المنطلق و لتجنيب بلادنا تحمل مصاريف الإقامة بأحد النزل ، عرضت عليه النزول في بيتي و هو منزل جميل اقتنته الدولة التونسية بمبادرة طيبة من المرحوم المنجي سليم. إلاّ أن السيد قائد السبسي لم يعرّج في تأليفه ولا في أية مناسبة أخرى عن إقامته في بيتي و سنقف فيما بعد على أسباب هذا السّهو. و من المفيد أن نذكر أن السيد قائد السبسي قد سبق أن أدلى بتصريحات للأسبوعية حقائق بالفرنسية « Réalités » عدد 1111 من 12 إلى 18 أفريل 2007 و عدد 1116 من 17 إلى 23 ماي 2007. ذكر السيد قائد السبسي في الصحيفة 256 من تأليفه أنه بعد يوم من قصف حمّام الشط و هنا أستشهد بما ذكره «لقد بادرت بنشر تصريح موجز عن الإعتداء ثم قمت بزيارة الأمين العام للأمم المتحدة السيد بيريز دي كويلار و دعوته للإدلاء بتصريح و هذا ما حصل في اليوم نفسه فكان تصريحا مبهما « mi-figue, mi-raisin ». إنتهت الإحالة. لقد كانت المرة الأولى التي اطّلع فيها على هذه التصريحات ، فالسيد قائد السبسي لم يخبرني بتاتا بالمسألة و لمّا راجعت هوامش تأليفه لم أجد لها أثرا. إني أتساءل كيف أن السيد قائد السبسي عندما حاوره الصحفي السيد كريشان لم يذكر شيئا عما ورد آنفا ! (مجلة حقائق عدد 1111 من 12 إلى 18 أفريل 2007) فقد تحاشى الجواب عن ملاحظاتي التي أبديتها في (مجلة حقائق عدد 1116 من 17 إلى 23 ماي 2007). إن هذين التصريحين سواء الصادرين عن السيد قائد السبسي أو عن الأمين العام للأمم المتحدة السيد كويلار يكتسبان أهمية قصوى وكان المفروض على السيد قائد السبسي إعلامي بهما في الإبّان بصفتي السفير الممثل الدائم لتونس لدى الأممالمتحدة ، كما كان عليه أن يذكرهما في حواره مع السيد كريشان و هو ما لم يحصل و هكذا فإن التساؤل عن حقيقة وجودهما فعلا يصبح أمرا مشروعا. يتعرض السيد قائد السبسي في الصفحة 258 من تأليفه للأسباب التي جعلته يرفض الدعوة لمأدبة الغداء التي أقامها وزير الشؤون الخارجية الأمريكي جورج شولتز و قد أوضحت من جهتي في حديث أدليت به إلى مجلة «حقائق» عدد 1116 الصفحة 54 من 17 إلى 25 ماي 2007 ما يلي : «غداة الإعتداء الإسرائيلي و في الصباح الباكر هاتفني ممثل فرنسا الدائم بالأممالمتحدة السفير كلود دي كامولاريا ليخبرني أنه حضر مأدبة بالأمس و أن ضيف الشرف فيها كان الوزير الأمريكي للشؤون الخارجية شولتز و قد ألقى هذا الأخير كلمة نوّه فيها بمتانة العلاقات التونسيةالأمريكية و عبر عن أسفه لما وقع في تونس ذاكرا مدى تقدير بلاده للرئيس بورقيبة. و قد شكرت زميلي الفرنسي بحرارة لأهمية تلك المعلومة الثمينة التي سقتها بدوري للسيد قائد السبسي». كما طلبت من السيد قائد السبسي في الصباح أن يستعد لحضور مأدبة الغداء التي دعينا إليها كغيرنا من وزراء الخارجية و الممثلين الدائمين للدول الإفريقية بالمنتظم الأممي من قبل شولتز و قد فاجأني موقف السيد قائد السبسي الذي أعلمني بأنه لن يحضر المأدبة لأن شولتز حسب رأيه غير جدير بالإحترام (ما يصلحشي). و قد قلت للسيد قائد السبسي بأن مشروع اللائحة التي كنّا بصدد إعداده لإدانة إسرائيل من قبل مجلس الأمن ليس له أي حظ في نيل التبني من قبل مجلس الأمن لو أن الولاياتالمتحدة استعملت الفيتو و أنه ينبغي علينا التحدث إلى المسؤولين الأمريكيين و منهم في المقام الأول وزير الخارجية الأمريكي الذي من حسن الحظ أنه دعانا إلى المأدبة ممّا يتيح لنا فرصة هامة للتحدث معه خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار ما كان قاله في مأدبة الأمس. و لكن السيد قائد السبسي أصر على رفضه ممّا جعلني أذهب بمفردي لحضور المأدبة و قد رتبت جدول أوقاتي حتى أصل في الوقت المناسب لأتمكن من الحديث مع شولز قبل وصول المدعوين. و فعلا وصلت في الوقت المناسب و تحدثت إلى الوزير الأمريكي و شكرته عمّا صرح به بالأمس وطلبت منه بعد تنويهه بعلاقات الصداقة بين بلدينا أن يجسّد معنى تلك الصداقة من خلال إعطائه التعليمات للبعثة الأمريكية لدى الأممالمتحدة حتى تصوت لفائدة مشروع اللائحة التونسية التي ستقدمها إلى مجلس الأمن كما ذكّرته ببعض الحقائق من بينها أن بلاده طلبت من تونس إحتضان الفلسطينيين على أرضها إثر غزو لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي كما ذكّرته بمجازر صبرا وشتيلا. ولقد أعلمت طبعا السيد قائد السبسي بحديثي مع شولتز. إن السيد قائد السبسي برفضه الدعوة نسي أنه لا يمكن تغيير جوهر الموضوع إلاّ عن طريق التحاور و المفاوضة مع الإصرار على وجوب احترام ميثاق الأممالمتحدة و القانون الدولي فيما يخص «القضية التونسيةالأمريكية» كما شرحت له أنه بفضل هذه الطريقة يمكننا الحصول على نتائج إيجابية. فذلك ما تقتضيه الدبلوماسية و هي أفضل الوسائل للدفاع عن بلدنا. يذكر السيد قائد السبسي في الصفحة 258 الفقرة الثانية من تأليفه بخصوص رفضه لدعوة شولتز فيكرّر ما كان صرح به في حديث سابق للسيد كريشان نشرته مجلة «حقائق» و هو أمر لم أتطرّق إليه من قبل. و يؤكّد : «إن موقف الرئيس بورقيبة الذي دعا في الصباح الموالي للعدوان السفير الأمريكي في تونس و احتجّ على الدور الذي قد تكون لعبته الولاياتالمتحدة في عمليّة العدوان مؤكدا أنه سوف يقطع العلاقات الدبلوماسية إذا تمسّكت الولاياتالمتحدة بموقفها». إن السؤال المطروح هنا هي كيفية علم السيد قائد السبسي في صبيحة 2 أكتوبر 1985 بمقابلة الرئيس بورقيبة للسفير الأمريكي بينما كنا معا في مقر إقامتي و لم نتلقّ أيّة مكالمة هاتفية من تونس و لا برقية عن طريق جهاز التيلكس تفيدنا بأن الرئيس بورقيبة تقابل قبيل سويعات بالسفير الأمريكي و هدّده بقطع العلاقات الدبلوماسيّة !! لم نكن نعلم في ذلك الوقت بموقف الرئيس بورقيبة و لا يمكن أن يكون السيد قائد السبسي على علم بذلك عندما قرّر رفض دعوة شولتز و إنما تلك تعلّة لتبرير موقفه الذي يدل على عدم إلمامه بالمسائل الدبلوماسية. إن موقف السيد قائد السبسي يبقى لغزا محيّرا!! و يمضي السيد قائد السبسي في تأليفه فيعبّر عمّا كان صرّح به للسيد كريشان (مجلة «حقائق» عدد 1111 من 12 إلى 18 أفريل 2007)!! و يعود للموضوع السيد قائد السبسي في الصفحة 260 الفقرة الثانية فيذكر : «تلقيت مكالمة هاتفية في نفس الليلة من الرئيس بورقيبة ...» و الليلة المقصودة هي مساء 2 أكتوبر ويضيف لمجلة «حقائق» : «تلقّيت في المساء مكالمة تليفونية من الرئيس بورقيبة الذي كان منفعلا و أعلمني أنه سيقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة». أذكّر مجددا في هذا الصدد أن السيد قائد السبسي كان مقيما عندي بنيويورك و أنه لو تلقى مكالمة هاتفية لرن التلفون و لأخذت السماعة أو لرفعتها زوجتي و لو حصلت تلك المكالمة لكنّا علمنا بها أنا و زوجتي خاصّة أنها صادرة عن بورقيبة بالذات. أؤكّد أنه لم يحدث في تلك الليلة قبول أية مكالمة علما بأنه في تلك الفترة لم يكن هناك هاتف جوال و لم تكن عندنا عاملة لتوزيع الهاتف. و حتى لو افترضنا أن حدثت المكالمة من بورقيبة و أن الحديث جرى بينه و بين السيد قائد السبسي فكيف يتصور ألاّ يعلمني بها السيد قائد السبسي ؟ و لماذا يا ترى أخفى السيد قائد السبسي ذلك عن الممثل الدائم لتونس الذي يأويه في بيته؟ و لماذا يعرض عن إعلامه بفحوى تلك المكالمة الهامة مع بورقيبة؟ إن هذه المعلومات التي أذكر بها هنا نشرتها لي مجلة «حقائق» عدد 1116 من 17 إلى 23 ماي 2007. إن السيد قائد السبسي الذي تمعن في قراءة تلك المعلومات ذكر في الصفحة 54 من نفس العدد من المجلة جوابا لم ينف فيه ما أكدته في تلك المعلومات التي نفيت فيها حدوث مكالمة وردت من تونس كما أكدت عدم وقوع أي اتصال مع بورقيبة و هنا وجب التذكير بالمثل القائل: «بأن السكوت علامة الرضا» اللهم إذا كان اتصالا متناقلا أو إيحاءً. لكن السيد قائد السبسي لم يفصح و لم يوضح. و بالرغم من كل هذه البيانات و التوضيحات الجليّة فإني أتساءل لماذا يصرّ السيد قائد السبسي على التأكيد على وقوع المكالمة مع بورقيبة متجاوزا بذلك الحقيقة؟ (صفحة 260 الفقرة الثانية من تأليفه). إن هذا التمسك بشيء لم يقع يبقى لغزا يتعذر فك رموزه كما هو الشأن بالنسبة للغز آخر يتعلق بمقابلة بورقيبة مع السفير الأمريكي وهي مقابلة لم نكن نعلم بها لا أنا ولا السيد قائد السبسي و قد اتّخذ من ذلك ذريعة لرفضه حضور مأدبة غداء شولتز. إن فقرة أخرى من التأليف قد وردت في الصفحة 258 من تأليف السيد قائد السبسي ذكر فيها رفضه حضور المأدبة و هي فقرة جديرة بأن أبدي فيها بعض الملاحظات إذ يعيد ما كان صرّح به لمجلة «حقائق» (العدد 1116 الصفحة 55) فيذكر : «لو كان الوزير الأمريكي و مساعدوه المعينين لأدركوا بوضوح الجواب التونسي بالنسبة لتلك الدعوة و لاكتشفوا مغزاه في حين أن ذلك الرفض جعلهم يقررون تكليف كاتب الدولة المساعد لمنطقتنا يطلب مقابلتي وقد تمت المقابلة فعلا بمقر سكنى السفير الممثل الدائم لتونس لدى الأممالمتحدةبنيويورك و تم الخوض في مسألة العدوان الإسرائيلي». و لقد نسي السيد قائد السبسي أن السفير الممثل الدائم لتونسبالأممالمتحدة حضر مأدبة الغداء التي أقامها شولتز وأن السفير التونسي شكر الوزير على خطابه الودي تجاه تونس و تجاه رئيسها طالبا منه أن يقدّم برهانا يكرّس تلك الصّداقة من خلال اسداء التعليمات لبعثة بلاده في الأممالمتحدة لتصوّت لفائدة مشروع اللائحة التونسية المقدمة إلى مجلس الأمن ... الخ (مجلّة «حقائق» عدد 1116 من 17 إلى 23 ماي 2007 الصفحة 54). يتبع () ممثل تونس الدائم لدى الأممالمتحدة سابقا