لم يعد خافيا على أحد أن فلاحتنا بدأت ومنذ سنوات تفك ارتباطها بالعوامل المناخية وأساسا بكميات الأمطار المسجلة والمجمّعة أو المستغلّة للريّ، إذ توسعت نسبة الفلاحة المروية أو السقوية على حساب الفلاحة البعلية، وهو توسع رافقه نمو خدمات الميكنة الفلاحية. ولا شك ان العاملين أديا إلى زيادة حجم الانتاج والارتقاء بجودته وتقليص كلفته سيّما بعد استفادة مختلف القطاعات الانتاجية بنتائج البحث العلمي الفلاحي وبزيادة تأطير ومرافقة المنتجين وتحديث وسائل وآليات انتاجهم. وإذا كانت فلاحتنا توفقت في تنمية المساحات المروية أو السقوية فإن ذلك كان نتيجة إدراك مبكر ووعي ثابت لأهمية تعبئة الموارد المائية والاستثمار في إنجاز السدود والبحيرات الجبلية وغيرها من المنشآت التي تثمن وتجمّع مياه الأمطار، إضافة إلى نتائج البحث والتنقيب عن الموارد المائية وإيصالها إلى المستغلات الفلاحية. ورغم هذه الجهود فإن الاستفادة من هذه الموارد المائية ظل دون المأمول إذ بقي عديد الفلاحين بعيدا عنه لارتفاع كلفة التجهيزات أو لتشتت المستغلات أو صغرها وأيضا لارتفاع كلفة مياه الريّ وعدم تكافؤ الفرص والحظوظ عند عمليات التوزيع وتقسيم ساعات الري. ويبدو مطلوبا اليوم، ومثلما أورده الرئيس بن علي في برنامجه للخماسية القادمة ووفق ما أعلنه أمس في المجلس الوزاري، القيام بدراسات استشرافية لقطاع المياه إلى أفق 2050 خاصة وأن كل الدراسات العلمية الدولية تشير وفي ظل التغيرات المناخية إلى أن العالم مقبل على مرحلة ندرة في المياه بل أن عديد الخبراء يتوقعون بأن تكون الحرب القادمة حرب مياه بامتياز وخاصة في منطقتنا. وقبل ذلك فإن المطلوب اليوم مواصلة جهود تعبئة الموارد المائية وحسن توظيف وتجميع مياه الأمطار التي تذهب في أغلبها في مجاري الأودية والبحار، وأيضا وخاصّة الاقتصاد في استهلاك المياه وفي تأهيل منظومات الري والحرص على تقليص عشب الكميات الضائعة نتيجة تقادم القنوات أو الأنابيب ونقص الصيانة والمتابعة. إن الفلاحة السقوية هي قدرنا ومستقبلنا وهو ما يحتم اعداد الأرضية الملائمة لانتشارها ونجاحها وخاصة في ما يتعلق بالموارد البشرية والكفاءات لأنها قد تكون مخزنا مهمّا للتشغيل وللتصدير بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي في عديد المنتجات.