أنيق، وقور، متحدث لبق... يوهم أبناء منطقته أن علاقاته كبيرة وموسعة وأنه قادر على التدخل في كل المواضيع... هو هكذا في الظاهر والجميع يصدقه باعتباره نجح في فض أكثر من ملف مع الادارات... لكن كيف؟... بخواتم مزيفة وإمضاءات مدلسة بلغ عددها أكثر من 20 ختما لادارات رفيعة المستوى ومدارس حرة وغيرها... صولات وجولات المتهم كشفها مركز حرس «نقطة» بصفاقس، فقد تمكن محققو المركز بحنكتهم وخبرتهم من الايقاع بالمتهم الذي ارتكب أكثر من 20 عملية تدليس اعتمادا على قدرته الفائقة في الرسم والتزويق وفنون الخط وهو البارع في المجال... فنان... لكنه متحيّل هو من المبدعين في فن الخط والتزويق والنقش، وهو من المحنكين في استعمال الحاسوب وتقنياته في الاستنساخ وغيرها، وقد اعتمد على كل هذه المهارات ليحوّل نفسه الى حلال للمشاكل في منطقته «نقطة» أو «الشفار القديم» الواقعة على بعد 20 كلم من مدينة صفاقس. في تلك القرية الهادئة والمعروفة بطيبة أخلاق أهلها، نشط المتهم وهو كهل في الاربعين من عمره متزوج وله طفلان، و«سوّق» نفسه على أنه صاحب علاقات موسعة في كل الادارات من ولاية وبلديات وإدارات تجهيز وكهرباء وماء ومدارس حرة وغيرها... وحتى يستكمل الصورة في أذهان الجميع، يعتمد المتهم على ملابس فاخرة وأنيقة، وسيارة «كراء» طبعا مع لسان «حريري» ينساب حلاوة في القول ووعود زائفة لتسهيل الصعوبات وتذليل المشاكل الادارية وغيرها مقابل بعض الدنانير التي لا تتجاوز المائة في أغلبها... علاقات وهمية وفعلا، واعتمادا على كل هذه المواصفات والمميزات نجح المتهم في التحيّل على العديد من الاشخاص لقضاء حوائجهم، وقضاء الحوائج عنده هو تدليس الاختام والامضاءات للمسؤولين ولأصحاب القرار في الادارات الرسمية والمعاهد الحرة... تدليس الاختام والامضاءات عنده ليس بالامر الصعب، فالكهل يمتلك مواهب هامة في المجال، وله من الحرفية في صنع الاختام وتركيبها ما لا تقدر عليه بعض الآلات... ختم الولاية، ختم البلدية، ختم المعاهد والمدارس الحرة، ختم إدارات التجهيز والكهرباء والماء... كلها ممكنة جدا مع المتهم... بكل هذه الوسائل نجح في إيهام البعض بعلاقاته، ونجح في تدليس الاختام والامضاءات، لكنه لم ينجح أمام أعوان حرس «نقطة» وهي الخلية الامنية النشيطة والمعروفة بحزمها وجديتها في التعاطي مع كل من تسوّل له نفسه التحيل وتجاوز القانون... فبعد أن انتشرت أخباره بين أبناء منطقته في «تجميد الماء» مع الادارات، وبعد شكوى نجح في التملص منها، وضع أعوان حرس «نقطة» المتهم تحت الانظار حتى وقع ليتم إيقافه للتحري معه في مجموعة من الشكاوى ومجموعة أخرى من القضايا لم يرفعها اصحابها ضده ربما خوفا من تبعاتها... المتهم الآن رهن الايقاف مترددا بين الاعتراف والانكار، والمحققون يمتلكون من الادلة والقرائن ما يورط الكهل في انتظار أن تنظر العدالة في شأنه بخصوص مجموع التهم الخطيرة التي علقت به.