كالحمام الزاجل يحلق بعيدا طويلا ثم يعود. وعلى مشارف المدينة التي غادرها يطل عبر شعاع المغيب ينسج من خيوطها تصورات وخيال واسع بريشة مزدانة الألوان والضوء متعددة الأبعاد وبعض من ذكريات الصبا تعيد تشكيل كل شيء الفضاء والزمان والعمارة.. كذلك هي رحلة الفنان التشكيلي عبد المجيد بن مسعود قيرواني الهوى والهوية في معرض حوى ابداعاته احتفاء بالقيروان عروس المدائن. المعرض الذي تواصل الى غاية أمس بقاعة محمد الحليوي بالمركب الثقافي، بعنوان «القيروان مصدر للالهام» افتتحه والي القيروان ياسين بربوش الذي أعطى للثقافة من شغفه وحماسة الشباب ما تستقيم به غذاء للفكر والوجدان وحرصا على ان يكون المعرض امتدادا للنشاط الثقافي بالجهة وحسن سيره وصيرورته في مرحلة ما بعد القيروان 2009. في فضاء العرض يستقبلك الضوء متدرج القيم والابعاد. اثنتان وعشرون لوحة تراوح في الشكل والمضمون والمحمل بين الرسم الزيتي والمائي مع تنافس خفي في الرونق والوظيفة. «هدوء» و«حركة دائبة» هي بعض عناوين اللوحات المائية في لعبة اللون والشمس والشكل أحسن الرسام بن مسعود توظيفها ابرازا للقيم الضوئية من خلال لعبة التضاد ليهدي المشاهد صورا ثلاثية الأبعاد تعطي اللوحة بعدها الفني واستخراجه من داخل الفنان مخزونا وذكرى وحلما. لكل لوحة ذكرى من الطفولة التي قضاها بن مسعود بمدينته القيروان يرتع فيها ويتأمل ثم ها هو يعيد تشكيل الرؤى. لوحات على شاكلة «العازفة» و«فتاة القيروان» و«عبق المدينة» و«أعماق المدينة» هي بمثابة السفر الباطني في الذات. يعيد رسم صور التقطتها من مخيلته استرقتها أعين الصبا فيعيد تشكيلها الذهني دون ان يفسد رونقها. أستاذ الفنون الجميلة اقام منذ 1980 اكثر من 14 معرضا حاز عديد الجوائز (الجائزة الكبرى). الأستاذ بن مسعود ذكر ل«الشروق» بدايته مع الرسم. يوم كان يرتع في رداء الصبا شاهد سائحا «فرنسيا) يرسم المدينة فانبهر برسمه وامتلك ملكة الرسم. وما فاجأه هو انه عثر على ذلك الرسم على غلاف كتاب بعد نصف قرن فأعاد تشكيل الصورة على ضوء ذكرياته في لوحات تراوح بين التشخيصي والتجريدي. الشاعر والتشكيلي صادفنا وجود الشاعر القيرواني محمد الغزي متأملا للوحات المعرض يفك رموزها. وعن مدة تواشج الشعر بالفن التشكيلي، الغزي أكد انه لكل فن لغة خاصة بين الكلام والألوان. مضيفا انه اذا كان الشعر يستخدم لغة القول والكلام فان الفن التشكيلي يستخدم لغة الألوان وتتلاقى حسب الغزي في أصالة التعبير وعمق الرؤيا. ويؤكد الغزي ان المتأمل في لوحات عبد المجيد بن مسعود يلحظ ان هذه اللوحات في وجه من الوجوه ذات طابع «شعري» لأنها حاولت جمع أشياء لا نراها مجتمعة في الواقع، مبينا ان الفنان لا يحاكي الواقع وإنما يبتكره ويعيد صياغته انطلاقا من ثقافته العميقة. كذلك تشاء القيروان دوما ان تكون مصدر الالهام شعرا وتشكيلا. هي مدينة الفن رغم التهميش والاقصاء...هي الملهمة ولادة المعاني.