يبدو أنه لم يكن أبناء تونس، يتوقفون في تاريخهم الحديث ومنذ الحماية على وجود المؤسسة ليفرضوا وجودهم كأفراد، وليبرهنوا على أن الفرد المنعزل عن المؤسسة INDIVIDU ISOLE، بإمكانه أن ينبغ، وقد كان مجال معرفة اللغات، والترجمة من لغة أعجمية أو أوروبية الى العربية من المجالات الدالة على هذا النبوغ التونسي. مترجمون عصاميون وندلي للقارئ بمعلومات عن أشخاص قد ألموا بلغات أجنبية غير اسلامية (أوروبية) وقد تعلموها خارج المؤسسة التعليمية الرسمية. ان عددا من التونسيين قد أحسنوا اللغات الاجنبية اللاتينية الى جانب اللغات الأجنبية الاسلامية. فلقد أحسن اللغة الايطالية، كل من الباش حامبة أحمد بن عمار (توفي سنة 1837م.) والسفير المتجول، حسونة المورالي (توفي سنة 1848م.)، ووزير البحر محمد خوجة (توفي سنة 1857م.). أما حسونة المورالي سابق الذكر، فلقد كان متعدد اللغات، فهو يعرف التركية، والفرنسية والانقليزية زيادة عن الايطالية. ولقد تأكد لنا صدق هذه المعلومة الأخيرة المتصلة بحسونة المورالي لأنها قد وردت في مصدرين مختلفين أحدهما، هو كتاب «الاتحاف» لأحمد ابن أبي الضياف وثانيهما هي مذكرات قناصل سردانيا بتونس للسنوات ما بين 1816 و1834 لأوقستو قاليكو A.Galico . الترجمة والمترجمون التونسيون في التاريخ الحديث ومجالي الاداريات والقانون في تونس: لئن كان موضوع بحثنا مقتصرا على الترجمة في مجالي الادارة والقضاء، فإنه لا مفر من الوقوف عند بعض الشخصيات البارزة في مجال الترجمة، سواء في تونس مع سليمان الحرايري، أو في مصر مع محمد قدري باشا. فإذا كان سليمان الحرايري (1824م. 1877م.) الذي تتلمذ على أيدي رجل الدين المسيحي فرانسوا بورقاد F.Bourgade قد نوع مواضيع ترجماته من الفرنسية الى العربية، فإنه لم يتخلف عن التعريب في مادة القانون، وفعلا فإنه والى جانب تعريبه في المجال الأدبي مثلا، حيث كان عرّب للافونتان La Fontaine ما اعتبره «خرافات» (Les Fables) وفي النحو الفرنسي فقد عرب تأليفا للمؤلف لومون (lomand) فإنه قد عكف أيضا على تعريب قانون العقوبات الذي سيطبق في الجزائر على الأهالي. وإذا كان التونسي سليمان الحرايري قد فعل ذلك فإن المصري محمد قدري باشا (المتوفي سنة 1306ه) قد كان واحدا من أبرز تلاميذ رفاعة الطهطاوي (1801م 1883م) بمدرسته التي اختصت بالترجمة، وهي المعروفة باسم مدرسة الألسن.... المترجمون التونسيون في الادارة والقضاء ان التونسيين الذين تولوا الترجمة في المحاكم التونسية ومجلس الدريبة ومحكمة الوزارة والمجالس الأفاقية (المجالس الجهوية) هم خاصة: رشيد بوعمود مترجم بمجلس الضبطية بالحاضرة والضبطية هي سلك شرطة أساسا على غرار الشرطة العثمانية ZAPTIYE، لكنها قد كانت لها صلاحيات قضائية جزائية محدودة على غرار ما كان يعرف، بمخالفات الشرطة Simples contraventions de police. في النظم القضائية الفرنسية: محمد شنيق العروسي الجزيري عثمان بن عبد الله وكان ثلاثتهم مترجمين بمجلس الدريبة بالحاضرة. محمد المالقي وهو مترجم بمحكمة الوزارة (أي محكمة الاستئناف التونسية غير الدينية). على أنه لا مانع من أن يكون المترجمون التونسيون العاملون خارج ميدان الترجمة القضائية، والمنتسبون لميدان الترجمة الادارية بصفة عامة قد ساهموا في نهضة الترجمة في البلاد التونسية وذلك من خلال ترجمة النصوص القانونية القضائية على غرار مجلة الالتزامات والعقود ومنهم: البشير صفر مصطفى الدنقزلي خليل بوحاجب محمد بن الخوجة الذين عملوا كمترجمين بالكتابة العامة للحكومة، وهم من الشخصيات المرموقة بعضهم ترأس «جمعية الأوقاف» وهي خطة شبه وزارية وهو البشير صفر، وبعضهم تولى الخطط الحكومية مثل خليل بوحاجب وقد عرف محمد بن الخوجة بكتاباته التاريخية المرموقة، أما مصطفى الدنقزلي فقد تولى «مشيخة مدينة» الحاضرة سنة 1913 بعد توليه خطة «عامل» الأحواز وهي خطة وزارية، ليصل الى الوزارة فيما بعد وحتى الوزارة الكبرى وهو يمتاز بذهابه لأنقلترا ودراسة اللغة الأنقليزية من منابعها. عن دراسة لمحمد بن صفر (العدد 26 من مجلة معالم ومواقع)