في مثل هذا العصر بالذات عصر العلم والتحديات يرسي سيادة الرئيس زين العابدين بن علي قواعد «مجتمع المعرفة» على أسس حضارية سامية قوامها «الحوار وحرية إبداء الرأي» وليس أدل على ذلك من إقراره ل«سنة الحوار مع الشباب» وبعث «برلمان الطفل» وإحداث «مجلة حماية الطفل» التي ينصّ الفصل 10 منها على ما يلي: «تكفل هذه المجلة للطفل حق التعبير عن آرائه وتؤخذ هذه الآراء بما تستحق من الاعتبار وفقا لسن الطفل ودرجة نضجه ولهذا الغرض تتاح له بوجه خاص الفرصة للافصاح عن آرائه وتشريكه في الاجراءات القضائية وفي التدابير الاجتماعية والتعليمية الخاصة بوضعه». ولقد تمّ تشييد صرح هذه القيم النبيلة والمبادئ الانسانية المثلى والأبعاد التربوية الواعدة من خلال القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي عدد: 82 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002 حيث ينص الفصل 57 منه على ما يلي: «إكساب المتعلمين كفايات سلوكية تتمثل في تنمية روح المسؤولية والاعتماد على النفس والتعاون مع الآخر وتقبّل النقد والرأي المخالف» تعزيزا لهذا، ورد في الأمر المنظم للحياة المدرسية عدد: 2437 لسنة 2004 المؤرخ في 19 أكتوبر 2004 صفحة: 3 ما يلي: «يمثل القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي المرجعية التي تمّ الاستناد إليها في وضع هذا الأمر بما يتضمنه من مبادئ وأسس ومفاهيم يمكن أن تقام عليها الحياة المدرسية باعتبارها امتدادا طبيعيا للتعلّمات وإطارا لتنمية شخصية المتعلم ومواهبه علاوة على التمرّس بالعيش الجماعي ومجالا يكتسب فيه المتعلمون كفايات ومهارات عامة أهمها «كفايات المبادرة والكفايات السلوكية». تكريسا لهذه التوجهات التربوية الرائدة أدرج المشرّع لأول مرّة في البرامج الرسمية للدرجتين الأولى والثانية من التعليم الأساسي مادة «الحوار المنظم» حتى ينشأ الطفل منذ نعومة أظافره على قيم التسامح والحوار وإبداء الرأي واحترام الرأي المخالف والتواصل مع الآخرين وتتبلور لديه معالم السلوكات التواصلية السامية، وتمّ إفراد هذه المادة التعليمية «الحوار المنظم» بحصة زمنية ضمن جداول الأوقات اليومية مدتها 30 دقيقة أسبوعيا. وجعل لها في المقابل محتوى بالبرامج الرسمية وأبعادا لتقييم أثرها في عمل المعلّم من خلال تقرير التفقد في شكله الجديد والمعمول به حاليا وفق هذه البنود على الأخص: 1 الوضعيات المقترحة: تشجّع التواصل بين المتعلّمين. 2 الوساطة البيداغوجية: الإفصاح عن التمشّي الشخصي. مقابلة التمشّي الشخصي مع بقية التمشّيات. التقييم الذاتي المتبادل. فصار تبعا لذلك شعار العمل بأقسامنا اليوم «المعرفة تُبنى ولا تُلقّن»، هنا نتساءل كيف يمكن للمتعلّم أن يساهم في بناء المعرفة وهو غير متدرّب على أساليب الحوار؟ ألا يصحّ القول بأن الحوار هو جذوة تذكي فعاليات التعليم والتعلّم؟ ألا يصحّ القول بأن مادة «الحوار المنظم» هي القلب النابض للتعليم والتعلّم؟ استنادا الى ما تقدم وفي اطار إعداد مشروع تربوي لتصنيف المعلمين الأول «أ 3» الى الصنف الفرعي «أ 2» تقدّم مترشح بمشروع عنوانه: «تطوير السلوكات التواصلية لمتعلّمي السنة الثالثة من التعليم الأساسي من خلال الحوار المنظم والأنشطة الشفوية». فقُوبل بالاستخفاف من قبل المتفقد المكون بالمركز الجهوي للتربية والتكوين المستمر بالكاف يوم 20 أكتوبر 2009 بحضور مجموعة من المعلمين، حيث قال بالحرف الواحد: «هل الحوار المنظم مادة تعليمية؟ هل له أهمية حتى ينجز من أجله مشروع؟».. متجاهلا القيم والقوانين والأوامر الآنفة الذكر، بل حتى محتويات البرامج! أنجز المشروع وسخرت له طاقة عمل جبار أفرغت فيه خبرة 32 سنة من الأقدمية في التدريس على أمل أن يكون أداة بيداغوجية ناجعة لمساعدة المعلمين على تحدي الصعوبات التي يجدونها عند تدريس هذه المادة، لا سيما أن المتصفح لأنشطة بعض المتفقدين سواء من خلال تقارير التفقد أو زيارات المرافقة أو رزنامات اللقاءات التكوينية يكاد لا يقف على أثر البتة لهذه المادة الهامة. إلا أن المشروع رفض من طرف لجنة الاصلاح التي كان المتفقد الرافض ل«الحوار المنظم» عضوا فيها: ولسائل أن يسأل كيف يرفض الحوار في سنة الحوار وفوق أرض تونس أرض الحوار؟!