الحبيب عاشور كان أول من دفع الثمن وأودع السجن في عام 1965 بعد أن انشق عن قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل وساهم في عزل أحمد بن صالح عندما قرر بورقيبة السيطرة على الاتحاد وتولى بنفسه تسليم مفاتيح مقر الاتحاد لعاشور طالبا منه إعادتها بمجرد أن يطلبها منه مرة أخرى وفي الوقت المناسب بينما لعب عبد العزيز بوراوي دور المساند لعاشور في هذه الفترة وكان يده اليمنى في كل ما يقوم به من تحركات وأنشطة. هذا قليل من كثير كشف عنه السيد أحمد الكحلاوي صباح أمس السبت في إطار اللقاءات الدورية لمؤسسة التميمي حول تاريخ تونس المعاصر وتاريخ الحركة التحريرية بتونس وذلك تمهيدا للقاء ثان في الاسبوع القادم سيخصصه السيد أحمد الكحلاوي للحديث عن دور النقابات التونسية في تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ تونس المعاصر. ومنذ البداية لم يتردد صاحب الشهادة في الدفاع المستميت عن دور كل من محمد علي الحامي وفرحات حشاد في مرحلة التأسيس الاولى لكيان الاتحاد العام التونسي للشغل والحركة النقابية التونسية عموما مؤكدا أنهما تمسكا الى آخر لحظة بالتوجهات التقدمية والقومية والاسلامية للاتحاد رافضين التخلي عن ركائز وأصول الحركة النقابية مهما كانت التضحيات (الاول وقع تشويه صورته من خلال الترويج الى أنه كان شيوعيا في حين استشهد الثاني دفاعا عن الوطن والعمال). وأكد الاستاذ أحمد الكحلاوي أن المنعرج الحقيقي بدأ منذ مؤتمر 1951 حيث اتخذ بورڤيبة وجهة جديدة نحو تكريس فكرة الاستقلال الداخلي ضاربا عرض الحائط بكل التوجهات والافكار والمشاريع التي كان يروج لها الاتحاد العام التونسي للشغل، وقد استنجد في هذه الفترة بالذات بعاشور ومن ورائه عبد العزيز بوراوي وآخرين لتدجين الاتحاد والسيطرة وانتهى به الامر الى التخلص من أحمد بن صالح وإرساء علاقة جديدة مع الاتحاد وجاء مؤتمر شهر نوفمبر 1955 الذي كان مفصليا وحاسما في تاريخ تونس المعاصر. دور سلبي وتحدث أحمد الكحلاوي عن تأسيس ما يسمى بUSTT في محاولة لمواجهة الاتحاد العام التونسي للشغل لكن هذه التجربة فشلت فشلا ذريعا والتحق أعضاء هذا الاتحاد بالاتحاد العام التونسي للشغل بعد أن قاموا بحل هذه المنظمة من تلقاء أنفسهم. وهنا يشير المتحدث الى أن قبول هؤلاء في الاتحاد كان بمثابة الفيروس الذي تمكن بجسم الاتحاد ولعب دورا سلبيا في ترهله وشيخوخته ومرضه بمرور الزمن، وكان دور هؤلاء سلبيا جدا لا سيما في فترة الستينات (نقابة التعليم العالي مثلا) وقد رفض المتحدث ذكر بعض الأسماء مؤكدا أن أغلبهم من الوجوه المعروفة في الساحة النقابية. ويضيف صاحب الشهادة في السياق ذاته أن بداية السبعينات شهدت عملية تدجين مدروسة للاتحاد بعد اغتيال بن يوسف واندلاع حرب بنزرت التي لم يفهم البعض الى حد الآن المغزى الحقيقي منها حيث ألقي بالمواطنين العزل في الصفوف الأمامية أمام الدبابات الفرنسية فاستشهد المئات في أيام معدودة. تيار معارض وفي اطار حديثه عن علاقة بورڤيبة ببن يوسف كشف السيد أحمد الكحلاوي أن حسين التريكي الذي كان اليد اليمنى لبن يوسف قال له ذات مرة ان بن يوسف بعث برسالة مصالحة الى بورڤيبة واقترح عليه أن يتحول تياره الى حزب معارض لكن بورقيبة رفض مجرد التفكير في الأمر واختار تصفية معارضيه دون هوادة سعيا الى القضاء على التيار القومي العروبي آنذاك. وقد شهدت هذه الفترة حسب المتحدث انقلاب بورڤيبة على كل خياراته السابقة مثل قضية فلسطين التي عمل من أجلها في مكتب المغرب العربي لكنه أصبح فيما بعد من دعاة السلام وخطب في أريحا داعيا الفلسطينيين الى القبول بالحلول الوسطى. وأكد أحمد الكحلاوي في سياق تشخيصه لتوجهات بورڤيبة كما يراها أن الرجل حاول استئصال التونسيين من إطارهم العربي الاسلامي وكان يقول: «مرسيليا أقرب إليّ من القاهرة» كما كان من المتأثرين جدا بالزعيم كمال أتاتورك. ولم يتردد في فرض الأمر الواقع وعزل تونس عن محيطها العربي الإسلامي.