قال النقابي الأستاذ أحمد الكحلاوي أمس على منبر الذاكرة الوطنية بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات إن الحركة النقابية في تونس تميزت بالوحدة التنظيمية، وإن الوحدة النقابية هي سر استمرار اتحاد الشغالين وإن كل محاولات التعدد النقابي باءت بالفشل. وبين أن النقابات الإنشقاقية التي ظهرت على يد الحبيب عاشور سنة 1956 أو محمد الصياح ومحمد سعد سنة 1977 أو عبد العزيز بوراوي سنة 1983 ومحمد الطاهر الشايب سنة 1995 أو تلك التي قام بها الحبيب قيزة لم تنجح وأن دم الزعيم فرحات حشاد وروحه قد يكونا سبب فشل الاتحاد التونسي للشغل والاتحاد الوطني التونسي للشغل والجامعة الديمقراطية للشغل والجامعة العامة التونسية للشغل.. وذكر أحمد الكحلاوي أن اغتيال الزعيم فرحات حشاد على يد المنظمة الفرنسية الإرهابية المعروفة باليد الحمراء كان قرارا سياسيا اتخذه رئيس الوزراء الفرنسي «بيني» شخصيا ونفذته اليد الحمراء يوم 5 ديسمبر 1952.. وأضاف النقابي أمام عدد كبير من المهتمين بتاريخ الحركة النقابية في تونس :» لقد عوقب الزعيم فرحات حشاد لدعمه للثورة الفلسطينية.. وأسيلت دماؤه لزعامته حركة المقاومة المسلحة بتونس وكان الزعيم حشاد مستعدا للتضحية بروحه من أجل الوطن وكان ينتظر أن تسال دماؤه وهو ما ذكرته زوجته التي قالت إنه كان يقول لا بد أن يموت أحدنا ويقصد هو أو الحبيب بورقيبة أو صالح بن يوسف ولكنه هو الذي أريقت دماؤه». وتحدث الكحلاوي بإطناب كبير عن مآثر الزعيم فرحات حشاد وذلك بعد أن تطرق إلى مسيرة الوطنيين الذين ساهموا في تشكل الوعي السياسي والوطني والقومي والاجتماعي في تونس وخاصة عبد العزيز الثعالبي ومحمد علي الحامي والطاهر الحداد والفاضل بن عاشور. تكوين نقابة تونسية مستقلة قال الأستاذ أحمد الكحلاوي خلال منتدى الذاكرة الوطنية إن فرحات حشاد بدأ حياته المهنية سنة 1936 كعامل بشركة النقل بالساحل وأنه انظم في نفس السنة إلى نقابة عملة النقل التابعة لنقابة» س. ج. ت الفرنسية وفي سنة 1940 انتقل للعمل كموظف بإدارة الأشغال العمومية بصفاقس ثم انسلخ عن النقابة الفرنسية وكون نقابة تونسية مستقلة وشهدت نفس الفترة تأسيس النقابات المستقلة بالجنوب وبعدها تأسس اتحاد النقابات المستقلة بالشمال أما الجامعة العامة للموظفين التونسيين فقد كانت سباقة في فرض استقلالها عن النقابات الفرنسية وذلك منذ انسلاخ نقاباتها ( التعليم والأشغال العامة والبريد وما يناهز العشرين نقابة) وذلك في مؤتمرها الذي عقدته في أفريل 1945. وانعقد في 20 جانفي 1946 المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل بقاعة الخلدونية وانتخب فيه حشاد أمينا عاما والفاضل بن عاشور رئيسا وتحمل حشاد في جانفي 1952 مسؤولية قيادة حركة المقاومة المسلحة. وأكد الكحلاوي على أن الزعيم فرحات حشاد تميز بوفائه لنهج محمد علي الحامي المؤسس الأول للحركة النقابية وكان يرى أن الاتحاد يجب أن يكون مستقلا عن النقابات الاستعمارية وأن حرية البشر مرتبطة بحرية الوطن. وبين أن حشاد قاد الاتحاد في المعارك الاجتماعية وفي النضال من أجل الحرية وتبوأ مكانة هامة في تاريخ الحركة الوطنية وفي كفاحها من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية مشرفا بنفسه على المقاومة المسحلة.. كما شارك فلسطين في ثورتها خلال حرب 1948 وسهر شخصيا على تعبئة المتطوعين للمشاركة في الدفاع عنها وجمع الأموال لفائدتها وتشكيل اللجان لرعاية العائدين والعناية بعائلاتهم وأقام الجسور نحو المغرب العربي ودافع عن الأمة العربية.. ونظرا لهذه المواقف قررت سلطات الاستعمارية الفرنسية اغتياله. الخلاف اليوسفي البورقيبي عند تطرقه لمسألة الخلاف اليوسفي البورقيبي قال الأستاذ أحمد الكحلاوي الذي اضطلع بمسؤوليات نقابية في نقابة التعليم: «عقدت الحكومة التونسية في سنة 1955 اتفاقية الاستقلال الداخلي التي رفضها الدساترة والوطنيون بأغلبية ساحقة واعتبرها صالح بن يوسف خطوة إلى الوراء لكن بورقيبة قبل بها ودافع عنها بشراسة ونتيجة لذلك انفصل صالح بن يوسف عن الحزب وفعل ذلك بإرادته ثم شكل الأمانة العامة.. أما الحبيب عاشور فقد تطوع لتنظيم مؤتمر الحزب في نوفمبر 1955 بصفاقس ونظرا لأن أغلب الدساترة التحقوا بالأمانة العامة فقد فكر عاشور في دعوة «نقابة البطالين» لتأثيث المؤتمر وهكذا حضره نحو ألفي بطاّل إلى جانب ثلة من الورادنية أصيلي الوردانين الموالين لبورقيبة وانعقد المؤتمر بهؤلاء وأعطى شرعية لبورقيبة كي ينفّذ الاستقلال الداخلي». وأضاف: «في المقابل رفضت المقاومة تسليم السلاح واستمرت في القتال ولكنها تعرضت لجرائم شنيعة: لرصاص المحتل من جهة ورصاص لجان الرعاية التي شكلها مؤتمر صفاقس من جهة أخرى».. وقال متحدثا عن التصفيات المنسوبة للزعيم بورقيبة : «تواصلت تصفية التونسيين حتى بعد الاستقلال التام.. وإن كان لا يصح تسميته بالاستقلال التام لأن فرنسا لم تنسحب سنة 1956 من رمادة ولم تنسحب من بنزرت وأن الجلاء الزراعي لم يحصل إلا سنة 1964 وبالتالي فإن الاستقلال التام لم يقع إلا بعد الجلاء الزراعي.. فبعد خلافه مع صالح بن يوسف اختار بورقيبة تصفية التيار القومي العربي في تونس. وتحدث الكحلاوي عن الانشقاقات التي شهدها اتحاد الشغل وقال «إن الاتحاد عرف منذ مؤتمر الحزب سنة 1955 اتجاها مغايرا حيث انصب اهتمام بورقيبة عليه وترجم هذا الاهتمام بالبطش والتدخل في شؤون الاتحاد وعمل على إقالة أحمد بن صالح وقال للحبيب عاشور عندما عينه على رأس الإتحاد خذ مفاتيح الاتحاد وعندما أقول لك أعدها إليا عليك أن ترجعها.. وفعلا عمل على إقالته.. وتسبب بتصرفاته تلك في حدوث انشقاق كبير داخل اتحاد الشغل ودخل الحبيب عاشور واحمد بن صالح وأحمد التليلي في صراع كبير.. وكان المستفيد منه هو بورقيبة.