في لقائه الثاني برواد مؤسسة التميمي صباح أمس السبت 27 مارس الجاري كان الاستاذ أحمد الكحلاوي كاتب عام نقابة التعليم الثانوي سابقا واضحا وجليا وشفافا وهو يتحدث بتفصيل وإطناب عن بورقيبة وعاشور وعن دور نقابات التعليم في الدفاع عن اتحاد الشغل وعن الخط العروبي والقومي والاسلامي بالبلاد التونسية وعن الهوية الوطنية التونسية بشكل عام. وأكّد المتدخل في البداية أن الهدف من تناول تاريخ بلادنا هو الدفاع عن أمتنا من قبيل الواجب الوطني عبر ذكر ما هو ايجابي والتعرض للسلبيات في آن واحد، وليس الهدف من كل هذا التركيز على الأشخاص بل المساهمة في توعية الاجيال الجديدة بأهمية المحافظة على استقلال تونس والدفاع عن الأمة. وهنا يشير الأستاذ احمد الكحلاوي الى أن ما ذكر حول دور الحبيب عاشور في مؤتمر حزب الدستور في 15 نوفمبر 1955 وقد أمضيت اتفاقية الاستقلال الداخلي ثم جاء تنظيم المؤتمر بصفاقس كان من قبيل التذكير بحقائق تاريخية معروفة ومن الأحداث الدالة على دور عاشور في تلك الفترة أنه اعترف أثناء محاكمته في عام 1985 عندما سئل عن علاقته بصالح بن يوسف وبورقيبة قائلا: «صالح بن يوسف أعرفه جيدا وبحثت معه مسائل كثيرة لكنني اختلفت معه أما بورقيبة فقد خدمته كثيرا لكنه دفع بي أمام العدالة ثلاث مرات ورماني في السجن وهددني بالقتل». حقائق إن هذه الحقائق يقول الاستاذ أحمد الكحلاوي مهمة جدا في رصد دور كل الأطراف الفاعلة في تاريخ البلاد وأولهم اتحاد الشغل وقد اتخذ هذا الاتحاد بعد نوفمبر 1955 وجهة جديدة بعد أن تمكن بورقيبة من اختراقه وأصبح يتحكم فيه ويوجه قراراته بصفة مباشرة. لقد تعرض أحمد بن صالح آنذاك لمؤامرة حقيقية فبورقيبة أمر بالانشقاق واستجاب الحبيب عاشور بتكوين اتحاد جديد وأنصح كل من يريد الحصول على المزيد من المعلومات ان يقرأ كتاب «حماس وخيبة أمل» حيث ذكر عبد العزيز بوراوي ان الحبيب عاشور أسس «UNTT» بموافقة أنصاره وبالتنسيق مع بورقيبة. وفي السياق ذاته شدد أحمد الكحلاوي علىأهمية تثمين دور الاتحاد منذ مؤتمر ليلة القدر الذي ضم كل الاحزاب والمنظمات والاتحاد لكن بعد 1955 انحرف الاتحاد عن مساره ولم يعد اتحاد حشاد والحامي. وأشار أحمد الكحلاوي الى ضرورة الاعتراف بدور كل القيادات والأبطال في تاريخ تونس فصالح بن يوسف كانت له علاقة جيدة ببعض قيادات الحزب الوطني القديم (القليبي مثلا) وهذا الحزب هو أب الوطنية التونسية وأسسه الثعالبي الذي كان له دور مركزي هام. والمهم في هذه المرحلة هو الاشادة بدور الشهداء والأبطال والدفاع عن استقلال البلاد ودعوة الاجيال الجديدة الى التصدي الى الاستعمار القديم الذي بدأ يعود بقوة. وذكر أمثال فرحات حشاد وغيره ليس سوى تجذير للانتماء الوطني والقومي وقد قال حشاد ذات مرة إنه يجب أن يموت أحدنا ويعني نفسه وبن يوسف وبورقيبة واستشهد الرجل دفاعا عن الوطن والكرامة والبلاد. هجمة منظمة وبعد مؤتمر 1955 كما يقول المتدخل بدأت الهجمة على التيار القومي والعروبي والاسلامي (الإجهاز على الجامعة الزيتونية بدعوى العلمنة وتصفية المدّ القومي والمدافعين عن هوية البلد). ويقول الأستاذ أحمد الكحلاوي في هذا الشأن: «لقد وقع طمس تاريخ تونس والتركيز على مسائل ثانوية لذا لابد من مراجعة الأمر وكتابة تاريخ تونس الحقيقي حتى تستفيد الأجيال الجديدة منه، فصالح بن يوسف وعبد العزيز الثعالبي لم يأخذا حقهما من الاشادة والحديث والتذكير بمناقبهما ودورهما في تاريخ الحركة الوطنية وبناء تونس الحديثة. ويرى الأستاذ أحمد الكحلاوي أن مؤتمر نوفمبر 1955 الذي تبنى برنامج التعاضد المستوحى من توجهات محمد علي الحامي كان الهدف منه على ما يبدو هو تمرير قرار الاستقلال الداخلي وقد تمّت المصادقة على برنامج التعاضد نفسه في مؤتمر الاتحاد عام 1956 لكن عندما اقترح أحمد بن صالح أن يدخل الاتحاد في تحالف مع الحزب الدستوري بدأ العدّ التنازلي لإقصاء الرجل من طرف الزعيم الحبيب بورقيبة وهذا ما حصل بعد فترة وجيزة». وتحدث أحمد الكحلاوي في مداخلته عن موقف بورقيبة مؤكدا أنه كان في البداية مع المقاومة وساند مكتب المغرب العربي وأغلق ممثلية المؤتمر اليهودي العالمي وأغلق إذاعة «صوت اسرائيل» لكنه انقلب تماما على مواقفه وأفكاره ودعا في «أريحا» الى القبول بالتقسيم مناشدا العرب رفع أيديهم عن فلسطين وتدهورت بذلك علاقات تونس بالدول العربية التي كانت ترفع لواء العروبة. كما تمّ تحت شعار «العلمنة» فرنسة التعليم والقضاء على دور جامع الزيتونة وفي هذه المرحلة بالذات كان بتونس حوالي 60 ألف يهودي تبخروا وخرجوا في ظرف وجيز جدا فكيف خرج هؤلاء ومن سمح لهم بالمغادرة؟.. لقد كان هدف التوجه البورقيبي الجديد هو التخلص من عروبتنا وإسلامنا وتكريس التحالف مع الغرب مع أن المطلوب هو العكس تماما لأن قوتنا كما أشار الى ذلك المتدخل تكمن في الوحدة والعروبة والاسلام. وانطلقت حملة كاملة من التشكيك في التوجه القومي والعروبي مباشرة بعد هزيمة 1967 ثم جاءت انتفاضة 1968 وتبيّن كم كانت بعض النخب مرتبطة بفرنسا لا سيما من اليسار البروليتاري وخرجت المظاهرات والتحرّكات في كل مكان والأدهى أن هذه التظاهرات في فترة انتفاضة 68 كانت أكثر بكثير من المظاهرات التي خرجت بعد حرب 1967 إذ كان التعلّق كبيرا بفرنسا اعتبارا لمقولة بورقيبة «مرسيليا أقرب إليّ من القاهرة» وكان الطلبة والعمال يرفعون ويعلقون صور زعيم «التروتسكيين» كوهين الأحمر متناسين الأقرب إليهم ألا وهو الزعيم جمال عبد الناصر، كان هناك في الواقع خطان خط أممي «بروليتاري» وخط آخر عروبي وقومي داخل اليسار السائد آنذاك. الجزء الثاني: دور نقابات التعليم