تونس-الشروق تجربته المسرحية تمتد على أكثر من ثلاثة عقود هو كاتب ومخرج وناقد مسرحي أسس « مسرح الأرض » ومنه أسس لخطاب مسرحي جديد يقطع مع المألوف ويلتصق بالواقع المعيش وبهموم ومشاغل الناس الآن وهنا ... طرح قضايا الريف بعيدا عن الفلكلورية التي ميزت جل الأعمال المسرحية الأخرى التي تعاملت مع هذه البيئة ، وتعامل مع القظايا العربية والقومية دون دمغجة وفي منآى عن الشعارات . نور الدين الورغي و«مسرح الأرض » مبدع وتجربة ابداعية منفردة ورؤية جمالية فكرية لها خصوصياتها التي جعلت منها قطبا مسرحيا قائما بذاته ... نور الدين الوغي صاحب جائزة المسرح في اليوم الوطني للثقافة 2009 هو ضيفنا هذا الأسبوع في « كبار الحومة » وهو فعلا من كبار الحي المسرحي . * بعد أكثر من ثلاثة عقود من العمل المسرحي ... ماهي خصوصيات مسرح نور الدين الورغي ? الرؤية وطريقة الطرح والتعمق في البحث على مستوى الكتابة والاخراج وادارة الممثلين ، ومنذ أكثر من ثلاثين سنة أدق نفس المسمار في نفس المكان لمحاولة التجاوز ...وأضيف شيئا آخر وهو من أهم العوامل الحاسمة في الفعل الابداعي ، واقصد الشك والريبة التي بداخلي ، فبلا شك وبلا ريبة لا نستطيع ان نتقدم كما يقول بيتر بروك وهذه قاعدة الابداع فحتى بعد هضم الإرث المسرحي العالمي والافريقي وما أتى بعده يبقى هذا الهاجس كامنا بداخلي . * هذا الشك إفراز لعملك كناقد أم وليد تجربتك الابداعية ? هذه الثنائية متلازمة عندي ، لا أستطيع التخلي عن واحد منهم ، لذلك فإن مبدأ الشك عندي هو نتاج هذه الثنائية في شخصي . * لكنك تخليت عن الناقد في الممارسة ،و بمعنى ان كتاباتك النقدية شحت ? أكتب عن مسرحيات أصدقائي عندما تستفزني مثل أعمال عز الدين قنون وغيره من المبدعين الأصدقاء أو عندما ألاحظ أن عملا مسرحيا مهما لم يأخذ حقه من النقد العلمي وكان ضحية النقد الانطباعي فأكتب عنها إنطلاقا من أرحامها . * ماهو هاجس نور الدين الورغي في تجربته المسرحية? خلق طابع خاص به ورؤية جمالية وشخصية مسرحية متفردة ، وأقترح كتابة تمتاز بشاعريتها وايقاعاتها وتغلغلها داخل الانسان بجميع ابعاده ومحاولة طرح قضايا انسانية بطريقة جدلية وانطلاقا من المادية التاريخية ودراسة الوضع الاقتصادي والسياسي والثقافي والحضاري ولكل المظاهر والتقلبات والاهتزازات التي مر ويمر بها الانسان بصفة عامة والكائن العربي بصفة خاصة... كأنني أكتب نفس المسرحية منذ 30 سنة . * ماهي روافد الورغي في عملية الابداع ? أنتمي إلى بيئة ريفية كما تعلم ، واكتشفت المسرح في هذه البيئة من خلال المسرح المدرسي ، واكتشفت المسرح العالمي في دراستي الثانوية بتونس عند الأباء البيض وتعمقت في الارث المسرحي الغربي بعد دراستي في فرنسا ومشاركتي في ورشات مسرحية كنت أكتب الشعر بالفرنسية ، لكني لاحظت ان اللهجة الدارجة تمتاز بقوة جبارة في التعبير عن الذات والحيرة والصراع وهي لهجة لا تقبل الاستكانة ولا الخنوع ، تحمل في طياتها المحبة والذوبان في الآخر ونكران الذات والقدرة على تحمل المشاق والمصاعب * في كل أعمالك نلاحظ ذكر الوادي ، إما داخل النص أو حتى في العنوان كما في « احكى ياوادي » ? انا ولدت بجانب وادي مجردة وفتحت عيناي عليه أحبه وأكرهه ، أحبه لما سبق و أكرهه لأنه إبتلع أخي أمامي . * من كان مثلك تلقى تعليمه بالفرنسية وتشبع بالثقافة الغربية من « المفروض » أن أعماله تشبه هذه الثقافة لكن طرحك ومقترحك الجمالي مختلف تماما ? قدماي في قلب هذه التربة ، وما تعلمته من الثقافة الغربية ، وكما يقول كاتب ياسين عندما عاتبوه على استعمال اللغة الفرنسية « هي غنيمة حرب » أستعملها لمعرفة الآخر وكما يقول غانذي « اني أفتح جميع النوافذ لكي تهب علي رياح كل الثقافات شرط ان لاتقتلعني من جذوري ، فأنا مسرحي أعالج قضايا الانسان ولا أتقوقع في الفضاء الثقافي الذي انتمي إليه بل انطلق منه لأعانق فضاءات ثقافية أخرى ، ولست الأول في هذا فقد سبقني الكثير من المبدعين كجان جيونو ومارسيل بانيول وغيرها . * أكثر من 10 رسالة ختم دروس جامعية كنت محورها وأكثر من أطروحة دكتوراه في كلية الآداب حول شخصية وأعمال نور الدين الورغي إضافة إلى جائزة المسرح لعام 2009 ، كيف تنظر وتتعامل مع هذا الاعتراف والتتويج ? هذا الاعتراف يحملني مسؤولية كبيرة ، لقد كنت من أشد المطالبين بحق المبدع في الخطإ والحق في الفشل ، أشعر اليوم أنه لم يعد لي الحق في الخطإ والفشل ، بالرغم من أنه عندما تكون مبدعا وتجربتك تجاوزت 30 سنة ومن مبادئك الشك والريبة فإنك تبقى تطالب دائما بالحق في الخطإ أنا سعيد بهذه التتويجات وهذا الاعتراف ولكني خائف وأصبحت أكبر ناقد لأعمالي . * تحدثت عن شقيقك الذي ابتلعه الوادي ، ماذا ترك في نفسك هذا الموت ? موت شقيقي من الأشياء التي صقلت شخصيتي كما ساهم جدي واللاجئون من القطر الجزائري الشقيق إلى جندوبة زمن الاستعمار ، لقد فتحنا أعيننا علىالجرحى من الجزائريين وفهمنا وقتها ان هناك شعبا يقتل بجانبنا لقد ولدت في فترة صعبة وقوية وماعاشه الشعب التونسي علىالحدود مع الجزائر من ارهاصات وآلام ، ساهمت في بناء وتكوين شخصيتي . * في رصيدك أكثر من عشرين مسرحية ، ما أجمل هذه الأعمال في نظرك ? أجمل مسرحياتي هي التي لم تنجز بعد * لمن يدين نور الدين الورغي بالفضل ? أنا مدين لوادي مجردة وللشمال الغربي عموما . * وناجية الورغي في كل هذا? ناجية كما قلت في اهداء مسرحية «حب الرمان » «المرأة اللي زرعت كتيبتي في دمها وولدتها وهي تضحك ومخبية الوجيعة ... » هي المرأة التي هزت كلامي على ظهرها وماقالت آه ... بيها وليها كتبت وبلابيها نتلجم » * ابنتك «نهلة » تتخرج هذا العام وهي مخرجة سينمائية هل سنرى عملا سينمائيا من تأليفك واخراجها وبطولة ناجية ? ان شاء الله ، هذا حلم من احلامي وسأعمل على تحقيقه خصوصا وان نهلة يسكنها ايضا الشك وفهمت ان هذا الفن من اصعب الفنون