تونس الصباح: لا شك أن الذين يعرفون الفنان المسرحي توفيق الجبالي سواء معرفة شخصية او من خلال اعماله المسرحية بدءا بسلسلة «كلام الليل» خاصة ووصولا الى مسرحية «هنا تونس» هم الأن يتشوّقون الى عمل مسرحي جديد يكون بامضاء هذا الفنان يعبر فيه ومن خلاله عن «موقفه» ربما من هذه الحرب الاسرائيلية الجديدة على غزة وعلى الشعب الفلسطيني.. فتوفيق الجبالي هو من طينة الفنانين الذين يعرفون كيف ومتى يقولون «كلمتهم» الابداعية خاصة اذا ما كانت «الكلمة» ذات صلة بأحداث كبيرة وخطيرة تهم قضايا الحريات وحقوق الانسان وحتى سيادة الدول وأمن الشعوب.. يقولها بأسلوب ساخر يمزج فيه بين الجد والهزل ويعتمد فيه وسائل «تعرية» وكشف فني تجعل المتفرّج في مواجهة كاريكاتورية مباشرة لا فقط مع الجانب العبثي والغبي في الحدث مهما عظمت مأساويته ولكن ايضا مع سذاجة المواقف الانفعالية لعموم الناس من جهة ومع خواء الخطاب السياسي لبعض السياسيين من جهة اخرى . لقد شاهدنا في واحدة من عروض سلسلة «كلام الليل» الشهيرة مثلا الفنان توفيق الجبالي وهو يسخر من «حدث» الغزو العراقي للكويت في مطلع تسعينات القرن الماضي ورأيناه وهو يقارب على طريقته وبأسلوبه المسرحي الساخر مظاهر التعاطف الانفعالي الشعبي مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين اثناء الغزو الامريكي للعراق.. وبصرف النظر عن طبيعة المواقف التي تترجمها مثل هذه المشاهد التي ضمنها الفنان توفيق الجبالي بعض اعماله المسرحية فانه يمكن القول انه بدا من خلالها ذلك الفنان المبدع الذي يمتلك بالفعل «عينا» ثالثة تؤهله لان يرى احيانا في الاحداث ما لا يراه غيره.. اما اللافت هنا فهو بالخصوص ذلك الأسلوب الساخر الذي يعتمده عادة توفيق الجبالي في صياغة «أفكاره» ومواقفه هذه وهو الأسلوب ذاته الذي يجعل المتفرّج يستملح عادة مثل هذه المواقف حتى ولو كان لا يشاطره الرأي السياسي فيها. ولأن بعض الاخبار التي يتناقلها الوسط الفني هذه الايام تقول ان الفنان المسرحي توفيق الجبالي ينوي العودة الى انتاج سلسلة جديدة اخرى من عروض «كلام الليل» الساخرة وانه سيبدأها بواحدة تحمل رقم «كلام الليل صفر!» فانه من المنتظر ألاّ يغيب ولو عرضا ذكر هذه المحرقة البشعة التي تنفذها الآلة العسكرية الاسرائيلية في غزة والتي راح ضحيتها الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني بين شهداء وجرحى.. اما كيف سيكون التناول المسرحي وفي أي سياق سيأتي ذكرهذه الجريمة الاسرائيلية الجديدة وبأي أسلوب فذلك ما سنعرفه لاحقا اذا ما أزمع الفنان توفيق الجبالي بالفعل انتاج حلقة «كلام الليل صفر».. نورالدين الورغي.. المتشائل أيضا من بين المسرحيين الذين يتشوّق ولا شك الجمهور لسماع «صوتهم» ابداعيا حول الهجوم الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزّة الفنان المسرحي نور الدين الورغي الذي يعد بدوره صاحب توجه مسرحي وفني ملتزم بل ومناضل.. فجلّ اعمال نور الدين الورغي المسرحية هي انتاجات فنية منتصرة في جوهرها للانسان في المطلق ولكرامته ولحقوقه بمختلف انواعها.. غير أن اللافت اكثر هنا والذي يجعل انتظارات الجمهور في أن يتناول نور الدين الورغي في انتاج مسرحي جديد «موضوع» الهجوم الاسرائيلي على غزّة في محلها.. هو أن هذا الفنان المسرحي بدا من خلال آخر اعماله المسرحية ونعني بها مسرحية «جاي من غادي» معنيا تماما بموضوع الحرب الامريكية على العراق ولكن بأسلوب فني وفرجوي.. يختلف بالكامل عن اسلوب زميله توفيق الجبالي.. فاذا ما كان توفيق الجبالي هو صوت السخرية في المسرح التونسي فان نور الدين الورغي هو صوت الألم في هذا المسرح.. فالفنان نور الدين الورغي هو صاحب اعمال مسرحية عديدة أدان من خلالها بوضوح ودون مواربة الهجمة الاطلسية العسكرية على العراق والاحتلال الامريكي لهذا البلد العربي ذي التاريخ الحضاري العريق.. نور الدين الورغي وبخلاف زميله توفيق الجبالي فانه عندما يتناول قضايا التحرر والقضايا الحضارية والثقافة الكبرى من خلال اعماله المسرحية فانه لا يمزح ولا يسخر بل يعلن موقفه بكل وضوح ولو بخطاب حزين ومؤلم ومتشائل ويقف منتصرا للأمة ولقضاياها العادلة ولحق شعوبها في الحياة الكريمة وفي العزة..