من بين أجمل الروايات العراقية التي قرأتها رواية «نساء العتبات» للروائية والقاصة هدية حسين التي تعد أكثر الروائيات العراقيات مثابرة وبذلك راكمت مجموعة من الأعمال الجادة سواء في القصة القصيرة او الرواية خلال أقل من عشرين سنة. نذكر من أعمالها في القصة القصيرة : اعتذر نيابة عنك (1993)، قاب قوسين مني (1998). وتلك قضية اخرى (2002). كل شيء على ما يرام (2002)، في البيت المسكون (2008). أما أعمالها الروائية فهي : بنت الخان (2001)، ما بعد الحب (2003)، في الطريق إليهم (2004)، مطر الله (2008) زجاج الوقت (2004). هذا عدا مساهماتها في الصحافة الأردنية حيث تقيم في عمان منذ التسعينات رفقة قرينها الروائي والقاص المعروف عبد الستار ناصر. وعندما أصف هدية حسين بالمثابرة فأنني اعني هذا وقد دللت على ذلك بهذا الكم من الأعمال المنشورة وكلها أعمال حظيت بالاهتمام النقدي وعدت من الاضافات الجادة للقصة العراقية التي رصدت حياة الانسان العراقي والمرأة بشكل خاص منذ الحرب العراقية الايرانية وحتى قصف العراق عام 1991 ثم حصاره الطويل فاحتلاله. وروايتها الجديدة «نساء العتبات» تحكي عن مجموعة من النسوة اللواتي تتوزع منازلهن البسيطة في زقاق بأحد الأحياء الفقيرة من بغداد بينهن من ترملن، استشهد ازواجهن في الحرب، وبينهن من فقدن ازواجهن في الحرب العراقية الايرانية مثل والدة أمل التي تركها زوجها وهي حامل بها وولدت وكبرت دون ان ترى أباها، وعاشت الأم حلم أن يعود اليها يوما، ولكنها ماتت على وفائها لذكراه. و «نساء العتبات» هن النساء اللواتي يتجمعن عند عتبة أحد بيوت الزقاق ليتحدثن عن مآسيهن يندبن، يضحكن، وقد عايشتهن «أمل» الصغيرة وانصتت لأحاديثهن .. ورغم أنهن كن يبعدنها الا انها كانت تعود لتنصت لهذه الأحاديث التي شكلت محورا أساسيا في روايتها هذه. تبدأ الرواية بأمل الراوية للأحداث التي تزوجت من ضابط كبير في الحرس الجمهوري اسمه «جبار» كان يكبرها في السن، وقد كان زواجه بها صفقة مع أمها حيث سيوفر لها العيش الرغيد وهذا ما كان فقد أسكنها قصرا فارها مليئا بالتحف والأثاث الفاخر الا انه مليء بالخوف اذ أنه يهمس لزوجته ان القصر ربما يكون مزروعا بلاقطات الصوت او كاميرات التصوير السرية. لم تكن أمل تعرف شيئا عن زوجها، ولا ندري إن كان بطلا أم قاتلا ينفذ ما يراد منه؟ وتعيش أمل الخوف المرير في هذه العلاقة الملتبسة مع زوجها الذي يأتي الى البيت في فترات غير محددة ليستحم ويدعوها للفراش وبعد ان يفرغ منها يغادر. وعندما تبدأ استعدادات الغزو الأمريكي المرتقب والذي تحول الى ما يشبه اليقين يقرر جبار ان يبعد زوجته مع خادمتها «جمار» الى عمان في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث. أراد أن يبعدها عن الخطر الآتي، أعطاها نقودا كثيرة وحملت معها مجوهراتها وكان شخص مكلف منه باستقبالها وكراء شقة مناسبة لها. وقد قام بذلك فعلا ولكنه لم يعد يسأل عنها، واذا كانت بحاجة لشيء، وعندما بدأت الحرب غابت أخبار زوجها عنها، وعجزت عن معرفة ما آل اليه الحال، هل قتل، هل باع سيده، هل قاوم واستشهد؟ هذه أسئلة لا جواب لها. وهناك قصة موازية في الرواية هي قصة «جمار» ابنة الفلاح الهارب من جور الاقطاعي الذي أراد ضمها الى حريمه فهرب بها أبوها الى بغداد لتتزوج بفتى من قريتها كان هو الآخر هاربا من جور الاقطاعي ولكنه يموت بداء عضال فتترمل جمار وينتهي بها المطاف خادمة في بيت الضابط الكبير جبار. ترصد هدية حسين الحرب يوما يوما من خلال ما يبثه التليفيزيون من أخبار ومشاهدتها للصور المرعبة التي يبثها. حتى تصل الأمور الى دخول جيش الغزو بغداد وكانت أمل قد استنفدت كل ما معها من نقود وباعت مجوهراتها فلم يبق لها الا ان تغامر بالعودة الى بغداد حتى لو كانت عودتها لدار والدتها البسيطة في ذلك الزقاق لتتحول هي الأخرى الى احدى «نساء العتبات» اللواتي دمرت حياتهن الحروب. وكانت جمار وفية لها اذ آثرت ان لا تتركها وحيدة وأن تعيش معها الكفاف والانتظار. هذه واحدة من أجمل الروايات التي حملت شهادة عميقة وحية عما كان، وعما سيكون أيضا. صدرت الرواية من منشورات فضاءات (عمان) في 210 صفحات من القطع المتوسط - سنة النشر 2010