يتغنى الإعلام الرياضي بمهارة هذا اللاعب الفنية وكفاءة ذاك الممرن التكتيكية فإذا اللاعب والممرن في أبهى صورة وأجمل حلة وأرفع منزلة وأعلى مرتبة. وشيئا فشيئا تسكن صورتهما الأذهان وتترسب في النفوس وتتضخم من يوم الى آخر وترتفع شيئا فشيئا الى أن تدرك النجوم. هذا النجم الذي صعد على الكلمات وتسلق العبارات لا يجد حرجا في سبّ صحافي والعزم على ضربه أحيانا والإمتناع عن التحدث إليه في الغالب الأعم ناسيا أن ورقة هذا الصحافي وقلمه هما اللذان حولاه من مجرد لاعب أو ممرن ناجح في مهنته الى مرجع فكري وحجة أخلاقية وقيمة روحية وصورة رمزية لا ينبغي نقدها أو لومها أو مساءلتها فلا غرابة إذن أن يرجم الصحافي ويلعن ويضرب بالأحذية. إن هذا الواقع أشبه ما يكون بما شاهدناه في أحد أفلام الخيال العلمي عنوانه Jurassic parc le monde perdu للمخرج steven spilberg والمؤلف Michael crichton ومداره أن أحد العلماء قد «خلق» ديناصورا من الحامض النووي ADN لذبابة فلما كبر هذا الديناصور أصبح يهدد «خالقه» ومن أحاط به من عائلته وبني أمته. في هذا السياق رصدنا بعض النماذج التي انقلب فيها «الديناصورات الجدد» على صانعيهم من الإعلاميين. النموذج الأول: البلبولي شباك مفتوحة وعبارات مفضوحة استحدث البلبولي إثر قبوله هدف في نهاية مباراة النجم الساحلي ضد القوات المسلحة من النيجر أسلوبا آخر في التطاول تجاوز الإعراض عن التصريح الصحفي والصراخ وإظهار النرفزة ورمي الإتهامات ليواجه أحد الزملاء بكلام بذيء ومفردات تخرج عن الآداب واللياقة ورغم ما تتميز به هذه الإذاعة من جرأة فاقت حدها أحيانا إلا أنها ترفعت عن نقل كلام البلبولي كاملا مما يعني أنه قد أدرك منتهى التهور والسفالة والإبتذال. النموذج الثاني: البنزرتي يهاجم ستاد 7 وكريم حقي يتطاول على حنبعل خيبة المنتخب في كان أنغولا أفسدت علاقة ممرن المنتخب ببعض الإعلاميين الذين رفضوا الإنخراط في مذهب دخيل على الكرة التونسية شعاره «الهزيمة المشرفة» ودفعت كريم حقي الى التشكيك في نزاهة البرامج الرياضية في حنبعل والحال أن هذا الممرن كان ضيفا مبجلا في ستاد 7 عشية هزيمته ضد غامبيا وذاك اللاعب كان موضوع حفاوة كبيرة وتقدير شديد في حنبعل لما كان «نسرا محلقا» خاصة في ملحمة 2004 وعدّ مستقبل الكرة التونسية وراهن عليه جل الإعلاميين بأن يكون قدوة فنية وتكتيكية تفتخر بها البلاد في جل المحافل الإفريقية والعالمية وفي سجل البرامج الرياضية تسجيلات تؤكد ما أقول. فهنيئا له ولغيره من اللاعبين والممرنين بشهادات الإستحسان والتقدير الصادرة عن أفواه الإعلاميين الذين أجمعوا هذه الأيام على ترديد بيت للمتنبي أنشد فيه: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد. النموذج الثالث: ممرن زامبيا مثال المدرسة الفرنسية... في «قلّة الحياء» نتذكر جميعا الشتيمة التي توجه بها روجي لومار الى أحد الزملاء في قناة حنبعل.. ها أن مدربا فرنسيا آخر يأتي بما هو أفضع وأشنع وأحقر إذ هدد مدرب زامبيا لكرة القدم القادم من بلد الأنوار الفرنسي هيرفيه رينارد صحفيا زامبيا وشتمه في المؤتمر الصحفي الذي انعقد عقب المباراة التي خسرها فريقه أمام نيجيريا 45 بركلات الترجيح وقد توجه «المدعو» رينارد بألفاظ نابية تجاه الصحفي قائلا «أنت شخص مقرف! أنت الزامبي الوحيد السعيد بما حصل هذا المساء! أنا في انتظارك بعد المؤتمر الصحفي لنتقابل وجها لوجه، تعالى الى مقابلتي بعد هذا المؤتمر إذا كانت لديك (.....)! أنا في انتظارك! استدعوا رجال الأمن قبل أن يغادر هذه الصالة» وكاد هذا الممرن المفتقر الى الهمة والوقار و«العنصري» رينارد أن يوجه لكمة الى الصحفي الزامبي الذي كان يجلس في الصف الأول على بعد متر واحد من المنصة مما اضطره الى أن يغادر مكانه ليجلس في الخلف، ملتزما الصمت طيلة مدة الحادث. ويعمل الصحفي الزامبي واسمه كالوميانا في صحيفة «ذي بوست». وكان الممرن الفرنسي رينارد قد أكد في وقت سابق للوكالة الفرنسية أنه غاضب جدا من هذه الصحيفة التي تنتقد «كل يوم المنتخب الزامبي ومدربه من أجل بيع الورق (الربح المادي). الإعراض عن التصريح الإعلامي أخطر أنواع العنف يعمد بعض اللاعبين والممرنين الى رفض التصريح الى الصحافة بحركات توحي بالترفع والكبرياء إما باختيار شخصي أو استجابة ل «تعليمات» من الهيئة المديرة هذا الرفض يعتبره بعض الباحثين من أخطر أنواع «العنف الرمزي» الذي يمكن أن يتعرض له الإعلامي. تعودنا امتناع الممرنين واللاعبين عن التصريح إثر هزيمة غير منتظرة أو انسحاب مفاجئ ونعتنا ذلك بالتملص من المسؤولية والعجز عن المواجهة والإصرار على توخي سياسة النعامة إلا أن لاعبي الترجي وممرنهم المساعد ماهر الكنزاري لاذوا بالصمت وتملصوا من الإعلام رغم أن الفريق المنافس البوركيني قد أكرمهم بشباك مفتوحة من كل جوانبها ورغم أن الحكم كان عادلا بل طيبا ودودا أحيانا. لاعب لا يعرف القلم والقرطاس.. إلا لإمضاء العقود؟ العرب هم أبعد الأمم عن القراءة والكتابة وأكثر الشعوب عزوفا عن التعلم والمطالعة. هذه الحقيقة تقرها بعض المنظمات الدولية إلا أن المعطى الأدق في هذه الملة أن لاعبي كرة القدم يتنزلون أسفل سلم الجهل والأمية والإعراض عن المعرفة والثقافة ولقد تحدثت شخصيا الى ممرن يفتخر بأنه لم يملك القلم من سنوات إلا للإمضاء... على شيكات طبعا. ماذا ننتظر إذن من لاعبين هجروا مقاعد الدراسة مكرهين لعجزهم عن الفهم والإستيعاب وتنكبوا عن القراءة والكتابة مخيرين؟ حتما سيستنبطون عداء لكل من يذكرهم بعوراتهم وليس أقرب وأخطر بالنسبة إليهم من إعلامي يقتات من القرطاس والقلم... فطبيعي أن يمارسوا ضده سائر ضروب العداء. لجنة اصلاح الكرة تسبق الجلسة العامة للجامعة ... هل هذا معقول؟ غريب ما يحدث في كرة القدم التونسية إذ رغم الهزات التي عرفتها مؤخرا بانسحاب المنتخب من المونديال ثم الظهور بوجه مخز في كأس إفريقيا للأمم بأنغولا والأداء المهتز لنوادينا في مختلف المسابقات الافريقية للأندية دون أن ننسى المستوى المتدهور لبطولتنا من حيث الأداء.. رغم كل ذلك فإن العبرة لم تحصل والسعي الحازم لاصلاح الوضع مازال بعيد المنال. هذا الكلام ليس اغراقا في التشاؤم وليس بسبب نظرة سوداوية لا ترى إلا النصف الفارغ من الكأس بل بسبب ما حدث مؤخرا من لخبطة على مستوى الخطوات الاصلاحية لواقع كرتنا ومستقبلها، هذه اللخبطة قد تفرغ هذا الاصلاح من معناه وتجعله يعطي عكس ما هو منتظر. «ثقافة» كروية لا تقبل الهزيمة لا يحس هذا اللاعب المصنف ضمن فئة «الجاهل المركب» بأي حرج حينما يهتك سرّه المعرفي وتكشف عوراته الثقافية ان تعلق الأمر بالمستطيل الأخضر فلا تراه يقبل أي نتيجة ما عدا الفوز أسوة بن ارسوا في بلادنا ما سمّوه «ثقافة الإنتصار» وترجموه بعبارة من قبيل «موش مهم الأداء المهم ثلاث نقاط» وما رسوه بحيل تكتيكية وتحكيمية... هذه الثقافة خلقت ضغطا رهيبا على كل العناصر المؤثثة للمشهد الرياضي (الجمهور... رؤساء الجمعيات... المسؤولون عن التنظيم... رجال الأمن)... ولأن اللاعب هو الممثل الفعلي والفاعل في هذا المشهد تراه يتجرع ما تلفظه ألسن المتعصبين المتهورين من المتفرجين من سبّ وهتك للأعراض وإتهام بالتخاذل وفيما هو تحت هذه المحنة يتلقفه الصحافي بأسئلة تنطوي على اتهام فلا يجد اللاعب غير هذا «الحمار القصير» ليركبه فيفرغ فيه شحنة الغضب والسخط التي بثتها فيه أطراف عديدة آن الأوان لتراجع رؤيتها لكرة القدم حتى تكتشف بنفسها سحر هذه الرياضة وجمالها ونقاءها ولياقتها وتقتنع أن الهزيمة لا تعني نهاية العالم وأن رياضتنا تكون أكثر إثارة وقابلية للتقدم في ظل وجود أقطاب عديدة متساوية الحظوظ متنافسة تنافسا نديا مفتوحا على الواحد والإثنين والقاطع والمقطوع بلعبة البروموسبور. يقول الجاحظ في هذا المعنى «إن مصلحة الكون في امتزاج الخير بالشر» ففي غياب المحن والهزات والهزائم يفتقد الإنسان أسباب البهجة والسرور ويفتقر الى الدوافع التي تحثه على مراجعة نفسه والإجتهاد وتعزيز إمكانياته فلما كانت الحاجة أم الإختراع فإن الهزيمة أو التعادل في كرة القدم ينبغي أن يكونا مبحثا الى اكتشاف الأخطاء وتطوير الخطط والبرامج لا إلى السخط والعنف والتطاول على الإعلام. ماذا ننتظر من لاعب لاهم له إلا تكديس الأموال؟ لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي يقبل العديد من اللاعبين الأوروبيين على الانخراط في جمعيات صحية وإنسانية فتتاح لهم من حين إلى آخر فرصة الإطلاع على هموم الفقراء وآلام المرضى وعجز المعوقين وفواجع المنكوبين ومعاناة المضطهدين المستعمرين ...هذه النوافذ تتيح للاعب الإطلاع على الوجه الآخر للعالم فيتعلم الأسف والحسرة والحزن فيدغدع بذلك عمقه الانساني لأن الانسان كما أنشد نزار قباني بلا حزن ذكرى إنسان أما لاعبنا ...نجمنا المفضل فلا يعرف من هذا العالم إلا ما اتصل بالكرة لابما هي علم وثقافة بل هي أهداف ونتائج فلاعلم له بما حصل ويحصل في القدس والعراق والصومال والسودان وهايتي من حروب ومظالم وزلازل ومجاعات واغتيالات ...حسبه أن يحصي الملايين التي إكتنزها والملايين التي سيكسبها هذه الحالة جعلت أفقه الذهني والنفسي ضيقا ومعاييره التقييمية موغلة في المادية فلاعجب أن يستصغر صحافيا و يستخفّ بإعلامي هو أدنى منه بمقتضى ذاك المعيار الذي يزن الناس بما ملكت أيديهم من ملايين وملايير . ماذا ننتظر من لاعب يرى الإعلام بوق دعاية؟ هذا اللاعب المليونير حسب أن الصحافي لا يعدو أن يكون بوق دعاية وقد ترسبت في ذهنه هذه الصورة من خلال نماذج من الإعلاميين الذين لا يملكون من المعاجم النقدية بل الانطباعية غير مفردات من قبيل رائع ممتاز، خارق للعادة ...هذه النماذج هي التي أفسدت على أصحاب الأقلام ذات النزعة العلمية الموضوعية نشاطهم الإعلامي فأصبح اللاعبون يتجنبونهم وصنفونهم ضمن فئة النبارة حتى أنك إذا قصدت لاعبا لتضرب معه موعدا حواريا تحرى في شأنك إن كنت « ولد جمعية أم لا » إن وجدك محايدا نزيها موضوعيا أعرض عنك في هذا السياق سألت صحافيا نزيها : لم لا تجري حوارات مع الممرنين واللاعبين؟ فأجاب في ثقة : لا أريد أن أكون شاهد زور .