أنقرة الشروق النوري الصل وأمين بن مسعود : تعيش تركيا هذه الأيام على وقع تداعيات زيارة رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس زاباتيرو إلى أنقرة والتي خصص جانب كبير منها لموضوع تحالف الحضارات وحوار الثقافات.. مسألة التلاقح الحضاري تتجاوز في تركيا الإطار الأكاديمي النخبوي وتتغلغل في صميم الحوار اليومي للمواطن التركي وتحتل الصفحات الأولى من الجرائد التركية الكبرى.. فبالنسبة للأتراك تكتسي المسألة أهمية كبرى باعتبارها تمثل امتحانا جديا لهم يثبتون خلاله لأوروبا خاصة وللعالم عامة أن تركيا اليوم تمثل امتدادا صادقا وخلاصة وفية لثقافات وحضارات وأديان وطوائف مرت على هذه البلاد وأثرت على جغرافيتها وعمرانها.. «لا يمكنني بالضبط أن أحدد جذور الأتراك وأصولهم...ولكن يمكنك أن تدقق في الوجوه حتى تتأكد أنها نتاج تاريخ طويل تعانقت فيه العديد من الحضارات والأمم «تقول المسؤولة الإعلامية على تظاهرة اسطنبول عاصمة للثقافة الأوروبية 2010 يازيغان يوسيل.. .قبل أن تشير إلى أن هندسة العاصمة إسطنبولوأنقرة والمدن الأخرى تحيلك إلى تواريخ ماضية وإلى عهود عتيقة.. فكل إمبراطورية حكمت البلاد لم تسع إلى طمس معالم سابقاتها ولم تخرجها من إطار الإنسانية بل حافظت على إبداعاتها وزخارفها.. وبهذا فقط تكوّن الإرث التركي الأثيل» في تركيا، التواصل الإيجابي الخلاق مع الماضي..والاستفادة من «الاخر» دون دوغمائية وبثقة في الذات.. هما اللذان يصنعان لبنات الخيار التركي للتحالف الحضاري والذي تجسد مؤخرا في مبادرة «أردوغان زاباتيرو» لتحالف الحضارات.. مبادرة يرى محللون سياسيون أنها جاءت «مفندة» لكافة الإيديولوجيات الشمولية التي ترى في صراع الحضارات محركا لأحداث التاريخ وفي تقزيم الاخر وقودا للسؤدة والسيطرة على مقدرات العالم.. كما ينظر إليها عدد من المثقفين على أنها محاولة جريئة لاسترجاع الأسلوب السليم في التعامل بين الحضارات والأديان.. ولاسترداد جمال الثقافة وسماحة الشرائع من أيدي المتطرفين الموجودين في كل الثقافات والأديان..والمؤثرين فيهما للأسف.. حوار.. مبادرة.. سلام.. تلك هي الركائز الثلاث للمقاربة التركية الرسمية لتحالف الحضارات والتي لا تخرج بدورها عن أسس السياسة الخارجية التركية والتي تنصّ على أنه «لا للعداءات مع أي طرف.. ولا للتكتلات مع أطراف ضد أخرى.. ونعم لسياسة صفر مشاكل».. «العالم وجد في تركيا.. ضميره «المغيب» ولاقى في سياساتها الدفء القادر على تغطية مشاكل العالم وردمها.. لا نقول البتة أن تحالف الحضارات هو وحده المؤهل لتسوية كل مشاكل المعمورة ولكنه جزء مهم من الحل « يقول الصحفي التركي تامر.. مبينا أن انخراط أنقرة في حوار الحضارات والأديان يتضمن رسالة قوية إلى الإتحاد الأوروبي عامة والدول التي لا تزال على موقفها الرافض لعضويتها فيه خاصة , مفادها أن تركيا قادرة على احتواء معظم مشاكل العالم والإسهام الفاعل في قضاياه الحساسة في حين أن النادي الأوروبي غير قادر على قبول دولة واحدة.. وهو تأكيد يضيف محدثنا على أن تركيا قادرة على ولوج معالم وفضاءات كبرى غير أوروبا.. باستطاعتها القيام بدور فاعل يعجز الإتحاد الأوروبي القيام بمثله . كل ما في تركيا.. يتحدث جماعة في صياغة المفرد.. ويبوح بالكثير في إطار الواحد.. من اللغة التركية المتكونة من ألسن عديدة من بينها العربية .. إلى اللباس الغربي ذي الأبعاد الشرقية المحتشمة.. ومنه إلى الحلويات التي يحيلك كل نوع منها إلى حضارة وثقافة.. إلى طقسها ذي الفصول الأربعة في اليوم الواحد.. إلى متاحفها الإسلامية المعانقة للاثار البيزنطية والرومانية.. وإلى مساجدها المحتضنة للكنائس.. إلى سهولها وجبالها ووديانها وبحورها وأنهارها المتدفقة.. في قلب اسطنبول.. في قلب العالم... هنا حيث لا تغادر ذهنك .. تلك المقولة التي بدأ بها السيد علي بابا جان نائب رئيس الوزراء التركي حديثه إلينا بأن «تركيا بوابة إفريقيا ورئة اسيا وظهر أوروبا..» بل إنها تبقى راسخة في عقلك ووجدانك.. كيف لا.. وعبق جغرافيا العالم منبعث في أزقة تركيا وفي شوارعها.. التي ترى فيها جزءا منه في تركيا من تاريخها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها..