اقبال كبير على أحذية «الفريب» تشهده منذ مدة المحلات والأسواق المختصة في ذلك.. وإقبال مماثل بدأت تشهده محلاّت بيع الأحذية التركية المنتصبة في بلادنا حديثا رغم ارتفاع أسعارها نسبيّا.. وعودة الروح الى بعض حرفيّي «تطليع» الأحذية على المقاس وتحت الطلب.. وتواصل إقبال الفئات الاجتماعية الضعيفة وحتى المتوسطة على أحذية جنوب شرقي آسيا المعروفة بأسعارها المنخفضة رغم جودتها المتواضعة.. البعض يقبل على «الفريب» وعلى الأحذية المستوردة بحثا عن الجودة والمتانة والتصميم الجيّد، وقد لا تهمّه الأسعار.. والبعض الآخر يُقبل على الأحذية «جنوب الآسياوية» بحثا عن أسعار مناسبة لمقدرته الشرائية، وقد لا تهمّه الجودة.. وبين هذا وذاك، قد لا يعثر الباحثون عن حذاء «محلي» جيّد بسعر معقول على ضالتهم.. فهل صحيح أن الحذاء التونسي الموجه للاستهلاك المحلي مازال رغم تطوّر قطاع الصناعات الجلدية كمّا وكيفا، متواضع الجودة؟ وهل صحيح أن المصانع أصبحت تبحث عن تحقيق أقصى ما يمكن من ربح مادي دون الاهتمام بالعلاقة بين الجودة والسعر (qualité/prix)؟ ألم تتطور صناعة الأحذية في بلادنا؟ تساؤلات عديدة مطروحة اليوم أمام الناشطين في قطاع الجلود والأحذية ببلادنا وأمام المسؤولين عنه خاصة في ظل الانفتاح الكبير وشبه التام للسوق التونسية على المنتوجات الأجنبية وما يرافق ذلك من منافسة شرسة لا بقاء فيها إلاّ للأفضل جودة وسعرا، وفي ظل ارتفاع حجم سوق الأحذية المستعملة (الفريب) وما تحظى به من سمعة طيّبة لدى بعض التونسيين، اضافة الى التحسّن التدريجي في جودة الأحذية «جنوب الآسياوية» وما يخلّفه ذلك من استحسان لها لدى بعض الفئات الاجتماعية.. اتهام (1) يتذمر مصنّعو الأحذية من ضعف الاقبال على سلعهم في السوق المحليّة، بل ويوجّهون أصابع الاتهام يمينا وشمالا.. حيث يتهمون «سياسة» فسح المجال أمام سوق الأحذية المستعملة (الفريب) التي اكتسحت كل المناطق وكل الأسواق الشعبية وكل الأحياء رغم أن القانون يمنعها نظريا، وتلقى رواجا كبيرا لدى كل الفئات الاجتماعية سواء كانت غاية المستهلك البحث عن أسعار معقولة أو البحث عن ماركات عالمية نادرة تكون أسعارها الرسمية (جديدة) باهظة جدّا.. كما يتهمّون أيضا الافراط في فسح المجال أمام الأحذية جنوب الآسياوية لتقتحم أسواقنا بشكل كبير وتستهوي الفئات الضعيفة من المستهلكين نظرا لأسعارها المتواضعة.. كما يوجّهون الاتهام ذاته الى المحلات التي أصبحت تنتصب خصيصا لبيع الأحذية التركية ذات الجودة المرتفعة والأسعار المعقولة ويقبل عليها التونسيون بشكل ملحوظ. اتهام (2) من جهة أخرى يتململ المستهلك من تواضع جودة الحذاء التونسي المصنّع محليا وخاصة من قصر عمره وتغيّر شكله بسرعة بعد مرور بضعة أيام عن استعماله رغم أن سعره يكون أحيانا مرتفعا في نظر المواطن (مثلا 40 أو 50 أو 60د)... وحتى إن فكّر المواطن في شراء حذاء جيّد (نظريا) ينصحه أهل الذكر بالأحذية التي تتجاوز أسعارها 80د، وهو ما لا يقدر عليه أغلب التونسيين، ويدفعهم كل هذا الى اتهام المصانع بالغش وبالبحث عن الربح السريع، بل ويتّهمهم أيضا بالاتفاق على البيع بأسعار متقاربة وبعدم فسح المجال للمنافسة الحرّة والنزيهة حتى يضعوا بذلك المستهلك أمام الامر الواقع. مواصفات تخضع صناعة الأحذية الى ضوابط عالمية معروفة خاصّة من الناحية الصحية على غرار ضرورة استعمال الجلد بنسبة كبيرة من الداخل والخارج بالنسبة للاحذية المغلقة تماما وضرورة التنصيص على الماركة والمصدر فوق الحذاء، الى غير ذلك من الشروط. وتقول مصادر من قطاع تصنيع الاحذية في تونس إنّ مصانعنا تحترم هذه الضوابط في ظل رقابة المركز الوطني للجلود والأحذية وإجبارية إجراء التحاليل المخبرية لديه على كل المنتوجات الجلدية... ويقول السيد مالك خليل مدير المركز إنّ المخابر الموجودة في هذا المركز لها الاعتماد الدولي أي أن تحاليلها معترف بها دوليا وهو ما من شأنه اعطاء سمعة جيّدة للحذاء التونسي في الخارج اضافة الى ضمان الشفافية والنزاهة بالنسبة للمنتوج الموجّه للاستهلاك المحلّي... وعلى صعيد آخر، يساعد المركز الوطني كل المؤسسات فنيا وتقنيا حتى تحصل على علامة الجودة التي يقدّمها المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية، وتخص هذه العلامة المنتوج في حد ذاته وأيضا المؤسسة. تطوّر على حد قول مدير المركز الوطني للجلود والأحذية، فإن جودة الحذاء التونسي تطوّرت بشكل كبير عن السنوات الماضية... حيث قلّت التشكيات في السوق المحلية من قصر عمر الحذاء ومن سرعة تمزّقه وإتلافه، وذلك بالنسبة لأغلب الماركات، في حين مازالت بعض المصانع الأخرى في حاجة الى تطوير جودة سلعها لأن التذمرات منها مازالت متواصلة .. ومن جهة أخرى، يعترف المتحدث ان أغلب التذمرات أصبحت من الأسعار المرتفعة في نظر المواطن .. اذ من الصعب ان يقبل المستهلك التونسي المتوسط بسعر حذاء يفوق ال 40 او ال 50 د لأن اسعار العشريات الماضية مازالت مسيطرة على ذهنه (25 د و 30 د) وهي أسعار عملت بها المصانع عندما كانت لا تهتم كثيرا بالجودة وتضغط بالتالي على التكاليف.. أما اليوم، وفي ظل تطور مستوى المعيشة اصبح المواطن يبحث عن الحذاء الجيد، وهو ما تطلب من المصانع الرفع من تكاليف الانتاج لضمان ذلك، خاصة تكاليف التصاميم والابتكارات (التي يقع شراؤها احيانا من الخارج بأسعار مرتفعة) وتكاليف التجهيزات العصرية التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، وتكاليف اليد العاملة المختصة وتكاليف الجلود الممتازة التي يقع استيرادها احيانا من الخارج بالعملة الصعبة في ظل نقائص ملحوظة في انتاج الجلود التونسية (خاصة جلود الأبقار وهو ما أشارت اليه الشروق في تحقيق سابق) ... وهذا ما دفع حسب مصادر مهنية بالمصانع الى الترفيع تدريجيا في أسعار البيع حتى تضمن لنفسها الموازنات المالية الضرورية .. وتقول بعض الأرقام ان حوالي 220 مؤسسة في قطاع الجلود والأحذية (من جملة 440) خضعت للتأهيل في اطار برنامج تحديث الصناعة .. وتؤكد المصادر ذاتها ان سعر الحذاء في تونس يعتبر منخفضا مقارنة بالدول الأخرى خاصة الأوروبية، وتبقى مسألة الجودة في حاجة الى مزيد التطور لدى بعض المصانع.. دور المواطن في فرنسا، يكتظ المركز المكلف بقطاع الجلود والأحذية يوميا بمئات المنتوجات الجلدية الواردة عليه طلبا لاجراء التحاليل الضرورية بعد ان يتشكى المواطنون من جودتها ويشكّون في سلامتها.. وهذا ما يؤدي حسب السيد مالك خليل الى الضغط على المصانع حتى تطور من جودة سلعها ولا تبقى عرضة للتتبعات والملاحظات أما في تونس والكلام للسيد مالك خليل فانه رغم وجود مخابر معتمدة دوليا، الا انه نادرا ما ترد على مركز الجلود والأحذية سلع يتذمر منها المواطن .. ولو يحصل ذلك لأمكن للمركز مزيد تطوير جودة الحذاء التونسي لأنه سيكون ملما بكل تفاصيل السلع والمصانع المنتجة لها ويطالبها بتطوير جودة سلعها. ويؤكد المتحدث أن دور المواطن في هذا المجال هام، إذ عليه أن لا «يبتلع السكين بدمها» عندما يشتري حذاء مغشوشا جودة وسعرا، بل عليه أن يشتكي لدى الجهات المعنية (منظمة الدفاع عن المستهلك معهد الاستهلاك المصنّع التاجر) ويطالب بحقه كاملا، وكل هذا بعد الاستظهار طبعا بفاتورة الشراء... فبهذه الطريقة يمكن الحد من عيوب الصنع ويمكن الضغط على المصانع لتطور جودة إنتاجها... فالحذاء مثله مثل أية سلعة أخرى، على مصنّعها أن يضمن جودتها عند استعمالها وإلا يتحمّل مسؤوليته في استبدالها أو إصلاح ما بها من عيوب... كما أن المواطن، حسب محدثنا، مطالب بالامتناع عن شراء الاحذية التي لا تحمل علامة صنع أو إشارة لمصنّعها، وإلا فقد كل حقوقه في التشكي...