تقدمت بخطى مهرولة الى بهو المحل المنتصب على الطريق العام لتفسح المجال لمرور شخص واحد فقط قبل أن تلامس ملابسه «نصبة» المحل المقابل... وشرعت في ملامسة الاحذية ذات العنق (البوط) بمفهومنا العامي... متفحصة نوع الماركة العالمية... التي تميزه... قبل أن يقع اختيارها على حذاء ذي كعب عالي وذي عنق من الجلد الناعم الحقيقي اشترته على عجل بسعر 60 دينارا. ... ماركة «جييوكس» العالمية بمبلغ مالي رأت فيه الطالبة بشرى أنه مناسب جدا لامكاناتها المادية حيث أنه سيرافقها على الأقل لأكثر من موسمين بفضل جودته فالطالبة بشرى ليست وحدها من حريفات سوق الحفصية بالعاصمة... فقد تعلمت فن التسوق من محلات الفريب من زميلاتها في السكن الجامعي لمسايرة الموضة والتمتع بأنواع شتى من الملابس الرفيعة بأسعار تناسب ميزانية طالبة جامعية أسرتها محدودة الدخل. حال بشرى كحال الكثير من التونسيين اليوم... حيث ان «الفريب» أو الملابس المستعملة لم تعد ملاذا للزوالي بقدر ما أضحت فرصة للأثرياء للحصول على الماركات العالمية وعلى الجودة بأسعار قالوا عنها انها مناسبة جدا رغم دخولها أحيانا موسم الذروة في الارتفاع. لماذا يهرب التونسي اليوم الى «الفريب»» وهل أثرت هذه المحلات فعلا على تجار التفصيل وأصحاب المحلات العادية الذين رأوا فيها منافسا قويا لبضاعتهم وسببا مباشرا لكساد تجارتهم؟ ... داخل سوق الحفصية... أو سوق أريانة وحي ابن خلدون والتضامن وسيدي البحري لم تعد الاسواق التي تضم الانتصاب هنا وهناك هي الطريق الوحيد للتسوق من الملابس المستعملة حيث أفتتحت عدة محلات في شوارع العاصمة وفي بعض المناطق الملقبة بالراقية وتحمل عنوان «فريب رفيع»... عجت هي الأخرى بالحرفاء ضمن ملابس جاهزة للاستعمال (بعد تحمل صاحب المحل مسؤولية غسلها وكيها) بأسعار قارة تتراوح بين دينار و20 دينارا للقطعة الواحدة مع عدم امكانية التفاوض في السعر. للشتاء نكهته لموسم الشتاء والبرد والأمطار نكهته الخاصة لدى أسواق الملابس المستعملة حيث يكون التنافس على أشده بحثا عن المعاطف والاحذية ذات العنق خاصة... هنا داخل الفضاء التجاري المفتوح على الطريق العام... تختلف المعروضات في اللون والشكل والماركة الا أنها تلتقي تحت عنوان واحد معطف جيد جدا بسعر يتراوح بين 30 و50 دينارا وأحذية بذات عنف رفيعة المستوى هي الأخرى يمكنها أن تواجه الأوحال والمياه الراكدة... و«حصحاص» طرقاتنا وأن تصمد في ساق التونسي. لأكثر من موسم بعكس الحذاء التونسي الذي اذا لم يبتسم لك في أول فرصة فإنه سيكون بمثابة قطعة الآجر الذي يضيق عليك الخناق ويجبرك على التوقف عن السير لاراحة قدميك... هكذا رأى الأمر السيد منذر صاحب محل لبيع الاحذية المستعملة مدافعا عن أهل المهنة بكونهم يقدمون فعلا خدمات جليلة للأرجل التونسية حتى لا تتعب. ويضيف السيد منذر احتجاجا على ما وصفه بغضب اصحاب المحلات ومصانع الاحذية المحلية بالقول: «أنا أسافر كثيرا ولا أدري لماذا يكون الحذاء التونسي المورد حفيفا ومطيعا بالخارج الا أنه صلب ومدمر بالداخل فالتونسي يعاني فعلا من مشكل في القدمين بفعل الاحذية... والأحذية الصحية باهظة الثمن فهي قد توازي نصف الشهرية أحيانا والاحذية ذات الماركات المميزة قد تقضي على الشهرية في عملية شراء واحدة واعتبارا لكون التونسي «عياشا» بطبعه فالطريق الى الراحة في السير لا يكون الا عبر حذاء طبي رفيع المستوى أو الجودة لذلك يجد التونسي بمختلف شرائحه سواء كان من مستوى عادي أو ثري ضالته المنشودة في الاحذية المستعملة.» مضيفا: «احيانا نحصل على أحذية غير مستعملة هي من آخر سلسلة فيكون بالطبع ثمنها أرفع من المستعمل لكن مهما غلت فهي أفضل مما هو موجود. غير معقول... السيد مبروك صاحب محل لبيع الاحذية الجديدة... الا أن محله يكاد يقترب من سلسلة المنتصبين داخل الطريق العام العارضين للملابس المستعملة السيد مبروك احتج على ما وصفه بكونه تضييقا للخناق على التجار المطالبين بدفع معاليم الكراء والضمان الاجتماعي للعملة وغيرها من المصاريف، ملقيا باللوم أيضا على مصانع الاحذية حيث أنه هو نفسه يشتري الاحذية الرياضية من «الفريب» مضيفا: «لم يعد الفريب ذلك المكان حيث الأسعار المناسبة بل أن بعض الباعة يرفعون الأسعار أحيانا ليكون الحذاء أغلى من الذي أعرضه للبيع، ثم أنا مجرد بائع أشتري بضاعتي من المصانع.» مكرهون على المستعمل المتجول عبر محلات «الفريب الرفيع» أو العادية أو حتى المنتصبين داخل الأسواق منها سوق حي ابن خلدون وأريانة حيث ينتظر الحرفاء كل يوم سبت من الأسبوع فتح «البالة» لاختيار البضائع المميزة منها يلاحظ فعلا ارتفاع أسعارها مقابل باقي أيام الأسبوع وقد تحدثت ل«الشروق» السيدة وريدة الجندوبي وهي اطار صحي بالقول: «يقولون ان الاحذية بامكانها نقل الأمراض لكن بوجود المواد المطهرة والكحول يمكن للمشكل أن يحل مقابل الحصول على حذاء مريح وصالح للاستعمال لفترة طويلة، صراحة الاحذية المحلية تغلب عليها الصلابة والمتانة التي تتعب الرجلين أضف اليها بظائع أخرى محلية باهظة الثمن لعائلة ذات دخل واحد أو دخلين عاديين، ولا تبقى الا وجهة المحلات التي تورد الاحذية الاجنبية وليست كلها جيدة أو مناسبة فأحيانا لا يكون الحظ حليفا للحريف لذلك أهرب الى الفريب كأم لثلاث بنات مكرهة حتى يتمكن بناتي من الحصول على الأحذية ذات العنق المناسبة لهن وكذلك المعاطف... فأقل معطف داخل محل عادي وسط العاصمة سعره 150 دينارا... لكن في محل الفريب يمكنني الحصول على بضاعة مميزة بسعر قد يصل الى الثلث ويمكنني اقتناء 3 معاطف بسعر معطف واحد». حرية الأسعار .... حرية الأسعار داخل محل مخصص لبيع الملابس الموردة من أوروبا كان دافعا للسيدة فاطمة الرقيق لتهرب الى الفريب بحسب ما قالته ل«الشروق» مضيفة: «تصوروا أن معطفا اشتريته ب25 أورو من بلجيكيا وجدته معروضا للبيع داخل محل رفيع وسط العاصمة بسعر 220 دينارا أي أضعاف أضعاف سعره الحقيقي، أنا أعتبر هذا الأمر استغلالا فاحشا وسخرية من الحريف الذي لا يسافر ولا يطلع على ما هو موجود بالخارج لذلك قررت عدم اقتناء أي معطف مورد لأن الأسعار داخل هذه المحلات محررة أكثر من اللازم وأرى أنها فعلا غير مراقبة حتى على مستوى الجودة.» ليس للزوالي نصيب في شارع باب الخضراء على مستوى سوق سيدي البحري انتصب الباعة بكل الطرقات الفرعية عارضين كل أنواع وأشكال الملابس والأغطية والألحفة والمعاطف. اختلفت فيها الأسعار وتراوحت بين أسعار شعبية وأخرى مرتفعة نوعا ما حذاء ب15 دينارا كان بدينارين ومعطف قد يصل سعره الى 60 دينارا السيدة نجاة حريفة وفية لهذا السوق اليومي علقت على الأسعار بالقول: «كل واحد شيطانو في مكتوبو» السوق لم يعد السوق الذي نعرفه الباعة اليوم يدركون كل ماركة عالمية ذات جودة خاصة فيتم فرزها من البضاعة لتجد طريقها الى التعليق والى الترفيع في السعر، لكن هذا لا يمنع من كون الفريب اليوم هو قبلة للجميع خاصة في موسم الشتاء خاصة بالنسبة الى المعاطف والاحذية. قد تختلف الآراء بين الحرفاء والباعة فالحريف يقبل على الشراء من الفريب بحثا عن الجودة والسعر المقبول معا. كما يبحث الباعة بدورهم عن الربح الذي يرون فيه أنه مثل البورصة مرتفعا مرة ومنخفضا مرة أخرى بحسب ما قد تحتويه «البالة» من بضاعة لكن هذا لا يمنع من كون سوق الأسعار داخل الفريب حرة، نحتاج فعلا لتكون متوازنة خاصة وأن قطاع «الفريب» هو مشروع تدعمه الدولة». علما وأن قطاع الاحذية التونسية يلاقي اقبالا جيدا في أوروبا خاصة في فرنسا وايطاليا بالنظر الى ارتفاع حجم الصادرات في هذا القطاع مما يجعل السؤال مطروحا لماذا لا يكون الحذاء التونسي المصدر بنفس جودة المحلي.